الحلقة 21: الزاهدون في الدنيا
من السابقين السابقين الذين يحبهم الله عز وجل الزاهدون في الدنيا. يقول r: إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء" عندما يكون لديك طفل مريض ويقول لك الطبيب لا تقيه ماء فأنت تحتال عليه حتى لا تسقيه الماء لأن الماء يضره فأنت تحمي هذا السقيم من الماء. فهذا الزاهد في الدنيا رجل يحبه اله عز وجل. جاء رجل إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا فعلته أحبني الله، قال r إزهد في الدنيا يحبك الله" من أحب دنياه أرض بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى. والزاهدون في هذه الدنيا قِلّة ومن علامة الزهد الإقتصاد في المطعم والمسكن والملبس، حسب ابن آدم لقمة تسد جوعته وثوب يستر عورته وإن كان له سقف يظله وإن كان له دابة فبخٍ. معنى هذا أن الذي لك في هذه الدنيا فلا تعتبر مبذراً ولا تعتبر من أهل الدنيا ولا مقبلاً على ملذاتها أن يكون لك ثوب يستر عورتك وتصلي به وأن يكون لك وجبة واحدة في اليوم لأن السرف عندما قال تعالى (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) قالوا يا رسول الله ما السرف؟ قال أن تأكل في اليوم أكثر من مرة وفي المرة أن لا تجمع بين لونين وأن لا ترفع من أمامك مائدة وفيها فضل "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صُلبه"، وإذا كان لك سقف من خشب أو خيمة أو أي شيء يظلك فهذا جيد فإن كان دابة أو سيارة بسيطة فبخٍ أي أصبحت مترفاً، هذا الحد الأعلى للعبد الصالح في الدنيا ما زاد عن ذلك فهو يتنافى عن الزهد فلا تكون زاهداً ولو بحثنا عن هذا النوع من الرجال والنساء لوجدناهم قليلين. إذن هذه الشريحة يحبها الله عز وجل إذا زهدت في الدنيا أحبك الله وهذا شأن الصالحين في الأمة كان أبو بكر رضي الله عنه هكذا لم يعد عنده ما يأكله أو يشربه أو يلبسه إلا أنه تخلل بالعباءة، وسيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كما تعرفون وسيدنا عثمان رضي الله عنه أنفق كل ما عنده، هذه طبقة لا نطمع أن نكون مثلها لكن هناك عباد اليوم على قلتهم والله تعالى يقول (وقليل من عبادي الشكور) لا تزال موجودة وهم أولياء الله عز وجل الذين قال فيهم (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) هؤلاء الذين تسد بهم الثغور. إذن فالزهد في الدنيا يقربك من الله عز وجل حتى يحبك فإذا أردت أن تكون محبوباً من الله عز وجل فاقتصد في مطعمك ومشربك وملبسك وتخلى عن ملذات الدنيا وكمالياتها ورفاهيتها، أنت لست ملزماً بذلك ولكن إذا أردت أن تكون محبوباً من الله فهذا هو الطريق ولهذا يقول r: رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره" في كل عصر من العصور هناك رجل لا يأبه به الناس ن حضر لا يعد وإن غاب لا يُفقد ملابسه قديمة شعره أشعث إذا شفع لا يُشفّع هذا العبد البسيط الذي لا يلفت الأنظار عند الله وزنه كوزن السموات والأرض وتاريخنا مليء بهذه الأقمار التي كان بها صلاح الدنيا وصلاح الدين. يقول r: ما تزيّن الأبرار لربهم في هذه الدنيا بأعظم من الزهادة في الدين" ويقول r: " إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتوقا الدنيا واتقوا النساء" الدني أي المال (وتحبون المال حباً جماً) (وإنه لحب الخير لشديد) هذه غريزة من غرائز البشر ولكن من عباد الله من لا يستسلم لغرائزه هذه وإنما يدع ما عند الناس لما عند الله عز وجل آثروا ما يبقى على ما يفنى. قال r من صبر على القوت الشديد صبراً جميلاً أسكنه الله من الفردوس حيث يشاء. والقوت الشديد خبر بلا إدام وشربة ماء وأنت تعلمون أن النبي r يمر اليوم واليومان وهذا قوته، أعطته السيدة فاطمة رضي الله عنها كسرة خبر فأكلها وقال يا بنيتي ما دخل في جوف أبيك طعام منذ ثلاث. وكان الصحابة الكرام يفطرون على تمرة والكلام في هذا يطول. هذا ليس ملزماً لك إذا أردت أن تتنعم بالدنيا الحلال فلا بأس ولكننا نتحدث عن محبوب من محبوبي الله من ملوك الجنة لأن الله تعالى يحبه ولما أحبه جعله من السابقين ولما جعله من السابقين كان واحداً من ملوك الجنة "آثروا ما يبقى على ما يفنى"، " من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى".