الحلقة 20: المرأة التي تجلس على عيالها الأيتام
كلنا نعلم كم هو فضل كفالة اليتيم ويتحدث الوعاظ والدعاة كثيراً عن كفالة اليتيم ويجتهد الناس في أن يكفلوا يتيماً وتجتهد الحكومات والدول في أن تفتح بيوتاً لكفالة الأيتام. واليتيم هو من مات أبوه وهو صغير لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره ولكننا لم نسأل ولم نتساءل عن أم هذا اليتيم، ما شأنها؟ اليتيم الذي مات أبوه وترك أمه وحيدة مع هذا الطفل أو مجموعة من الأيتام، يتحدث الناس عن اليتيم ولكن الذين يتحدثون عن أمّ هذا اليتيم قليلون مع أن هذه الأم ممن يحبها الله ورسوله. يقول r: أنا أول من يفتح باب الجنة وأول من يقعقعها فأرى نسوة يبتدرنني (أي أرى بعض النسوة يدخلن قبلي هذا أمر يثير الاستغراب أن مجموعة من النسوة يبتدرن النبي r في دخول الجنة أي أنهن يدخلن الجنة قبله على مرأى منه r) فيقول لهن r: ما شأنكن أنتن حتى تدخلن قبلي وأنا أول من يقعقع باب الجنة وأول من يدخلها، هل أنتن مجاهدات، هل أنتن ناسكات؟ أو هل أنتن نوع من السابقين سبقاً يصل بكن إلى أن تدخلن الجنة قبلي؟ فيجبن رسول الله r نحن نساء تأيّمنا وجلسنا على أولادنا. إمرأة شابة مع زوج حبيب وهم في سعة من الدنيا يجمعهما الوفاق ولم الشمل والسعادة في بيت طيب يرفرف عليه كل أنواع المودة والمحبة وقد منّ الله عليهم بخيره وبركاته ورزقه وفجأة يموت الأب فيصبح الصباح وإذا بهذه الأم وحيدة في الدنيا مع يتيم أو أيتام، تأمل حالة هذه الأم! فقر بعد غنى ووحشة بعد أنس وخوف بعد أمن، هذه الأم وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام هذه الوحشة ووأمام هذه الغربة وأمام هذه المسؤولية التي لا تجد سبباً لأن تقوم بها فقد ذهب المعيل والأب والوليّ والزوج الرحيم وترك هذه السفينة تلعب بها الأمواج. ويشاء الله عز وجل بعد انتهاء العدة أو بعد سنوات من موت الزوج أن يأتي خاطب وهذا يحدث كثيراً وفي غالب الأحيان توافق المرأة على أن تتزوج بزوج آخر ترجو من ورائه إحصانها وحفظها وتربية أولادها وهذا شيء حسن مع علمها بأن هذا الرجل لن يكون كأب الأيتام في حنانه ولطفه فإذا فعلت المرأة ذلك وتزوجت بآخر فلها ذلك وعلى مسؤوليتها ولعل الله تعالى يسعدها مع هذا الزوج الجيدي. ولكن ماذا لو أن هذه الأم من خوفها على أيتامها وحذرها من زوج لا تدري ماذا سيكون موقفه من هؤلاء الأيتام فترفض هذا الزواج وترفض هذا الطلب وهذا العرض حذراً من أن يكون هذا الزوج قاسياً على أولادها الأيتام أو قد يتبرم بهم وقد يلزمها بالتخلي عنهم فترفض هذا الزوج وهي في أشد الحاجة إليه وما من امرأة تستغني عن زوج كما أنه ما من رجل يستغني عن زوجة. فتأمل مدى هذه التضحية وتأمل نوعية هذه الأمومة كيف أن امرأة في مقتبل شبابها تُخطَب وهي أشد ما تكون حاجة إلى هذه الخطبة ولكنها ترفضها لأجل تربية أولادها جلست على أولادها إلى أن يكبروا ويتعلموا ويتزوجوا وينصرف كل واحد إلى شأنه وهذه سنة الحياة ينصرف كل واحد منهم في حياته مع زوجته أو زوجه وتبقى الأم وحيدة بقية عمرها وهي تعلم ذلك عندما رفضت هذا الزواج ورفضت هذا الخاطب تعلم أنها ستحافظ على أولادها لكنها ستعيش وحيدة بقية عمرها. كيف يثمِّن الله تعالى هذه التضحية العظيمة؟ هذه التضحية العظيمة يكافئ الله تعالى بها هذه المرأة بأنها تدخل الجنة قبل رسول الله r "أنا أول من يقعقع باب الجنة وأول من يدخلها فأرى نسوة يبتدرنني (أي يدخلن قبلي) ويتبين أن هؤلاء النسوة كل ما فعلنه أنهن ضحين بحياتهن وسعادتهن من أجل تربية هؤلاء الأيتام ومن أجل ذلك فهناك فرق بين أن تكفل يتيماً وأنت سعيد تعطيه في الشهر مبلغاً من المال وبين أن تهب حياتك كلها له، تنسلخ عن حياتك هذا شأن هذه الأم التي مات زوجها فوهبت حياتها كاملاً لأولادها مع أنها خُطِبت فرفضت أن تتزوج هذه من النساء اللواتي أحبهن الله عز وجل وجعلهن من السابقات السابقات ولهن مثل ما للسابقين السابقين من كرامة يوم القيامة فهنيئاً لمن تأيّمت وجلست على أودلاها ترفض الخطبة وترفض الزواج.