الحلقة الثامنة: أهل المساجد
من عادة المحبين أنهم يمرون بديار الحبيب يطوفون حول بيوته وحول مضاربه كما يقول الشاعر
أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
فديار الحبيب محبوبة وهي التي تجتذب قلوب المحبين وما من محب إلا تحدث عن دار حبيبته وهكذا هو حب الله عز وجل وديار الله هو المسجد (الله نور السموات والأرض) أين هذه الصورة؟ قال (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) هذا بيت الله هو داره كما في الحديث القدسي "المساجد بيوتي وعُمّارها زواري وحق على المزور أن يُكرم زائره". هذه دار الله فمن عباد الله من يتعلق قلبه بالمسجد تعلقاً عجيباً لا يخرج منه إلا ليعود إليه، إذا مر في الشارع ورأى مسجداً كأنه رأى بيت حبيبته التي يعضقها ينفتح قلبه وتبتهج نفسه، إذا دخل المسجد فرح فرحاً عظيماً وإذا خرج من المسجد شعر بشيء من الوحشة، من ضمن الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل معلق قلبه بالمساجد كما قال r "إن للمساجد أوتاداً الملائكة خُلّتهم (أي أصدقاؤهم) فإذا غابوا تلفت عنهم الملائكة" هذا المتعلق بالمسجد يصلي فيه خمس أوقات لا يتخلف إلا إذا كان له عذر قاهر، لا يستطيع أن يتخلف عن المسجد ولو وقتاً واحداً وإذا دخل دخل بفرح وسرور كأنه دخل إلى روضة بل أشد وهناك أناس يعشقون المسجد عشقاً في تنظيفه وتعميره بالذكر والقراءة والأنس، يقبل أرضه ينظفه من كل الشوائب. هكذا بعض عباد الله يأخذ المسجد شغاف قلوبهم لأنه بيت الله عز وجل ودياره والعاشق تجده دائماً حول ديار المحبوب. هؤلاء الناس على قِلّتهم موجودون في كل مسجد وما من مسجد من مساجد الله في الأرض الإسلامية كلها إلا تجد فيه شخصاً يحب المسجد حباً عظيماً سواء كان موظفاً فيه أو سواء كان مصلياً تجد واحداً من هؤلاء المصلين يهيم حباً بهذا البناء حتى لو كان خيمة ملأ قلبه حب المسجد لأنه في بصيرة عظيمة وفي نظر ثاقب وفي تصور كامل إلى أن نور الله موجود في المسجد لهذا جعل الله تعالى المسجد سوق الآخرة كما أن السوق مكان تجارة الدنيا فإن هذا المسجد سوق الآخرة وتجارته مع الله عز وجل حُبه عبادة وتنطيفه عبادة والإمامة فيه عظيمة والصلاة فيه بخمس وعشرين والتسبيح فيه وكل ساعة تعتكف بها يعطيك الله ما بين المشرق والمغرب ومهر الحور العين أن ترفع القذى والأذى عن المسجد فكل حركة فيه ربح عظيم فهو سوق الآخرة إضافة إلى أنه سوق يجد الله فيه فمن المصلين من ينفتح قلبه في المسجد فيرى الله فيه ويرى نوره فيه تراه خاشعاً لا يصخب ولقيمة المسجد جعل الله تعالى كلام الدنيا فيه محظوراً " لا تقوم الساعة حتى يكون حديث الدنيا في المساجد" كيف تتحدث وأنت في حضرة الملك في أمور تافهة؟! إذن من السابقين السابقين الذين يحبهم الله عز وجل قوم تولهت قلوبهم ولهاً عظيماً ببيوت الله إذا كان في طائرة أو سيارة ولاحت له مئذنة انشرح قلبه وإذا دخل مسجداً انشرحت نفسه وابتسم وذهبت كل كآبته يتلذذ بكل جوانبه كما قال r "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان" لأن الله تعالى يقول (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) وهذه خصيصة من خصائص هذا الدين أن مساجدها تقشعر لها الأبدان وما من بيت من بيوت العبادة له هذه الهيبة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد) ادخل أي بيت من بيوت العبادة غير المساجد لا ترى فيها كل هذه البهجة لهذا امرنا تعالى أن تنظف وتطهر وأن ترفع (في بيوت أذن الله أن ترفع) ترفع قدراً وأن ترفع مكاناً تكون مكاناً في مكان بارز وأن ترفع تُطهّر. لذا قال تعالى (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) ومن علامات الساعة التي تؤذن بأن الساعة قريبة أن يقوم بعض المسلمين بحرقها وهدمها كما يحدث في العراق هدمت مئات المساجد والمآذن لأن طائفة عكس طائفة وكلهم يقولون لا إله إلا الله، هكذا هي الأمة وهي في أرذل حالاتها "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" فطوبى لمن تعلق قلبه بالمسجد وطوبى لمن شعر بألم شديد وانكسار عظيم عندما رأى بعض الطوائف الإسلامية تهدم المساجد وتنسف المآذن. هكذا هو مكر الله إذا أراد الله بقوم مكراً فعل فيهم هذا الذي يجري في بعض بلاد المسلمين من تمرد على الله تعالى وخبل في النفس وخروج عن الإنسانية كلها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً فطوبى لمن تعلق قلبه بها وطوبى لمن دخلها وهو منشرح الصدر وطوبى لمن ساهم فيها بالبناء والنظافة أو بالعلم والدراسة كما قال r يا أبا ذر لأن تغدو إلى بيت من بيوت الله فتعلم باباً من أبواب العلم خير لك من أن تصلي ألف ركعة" هكذا هي بيوت الله فعمروها واعلموا أنها سوق الآخرة وسوق الآخرة أرباحها لا تقاس بالتفصيل.