كتبه/ أحمد فريد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أهل السنة والجماعة يثبتون لله -تعالى- ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إثباتاً بلا تشبيه، وينزهون الله -تعالى- عن مشابهة المخلوقين، تنزيهاً بلا تعطيل.
وموافقة هذه العقيدة للمنقول؛ أن الله -تعالى- أثبت لنفسه صفات، وأثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- له صفات، وظاهر الكتاب والسنة يجب القول به، والوقوف معه، حتى يدل الدليل على أن الظاهر غير مراد.
فالله -تعالى- أثبت لنفسه صفة السمع والبصر، والحياة والقيومية، والوجه والنفس، واليدان وغير ذلك مما نطق به الكتاب العزيز، أو أثبته له النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ولم يرد دليل أو أثارةٌ من علم على أن الظاهر غير مراد، وكأن الذين ينفون الصفات بدعوى التنزيه أعلم بالله -تعالى- من الله -تعالى-، فيقال لهم: (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) (البقرة:140).
هل هم أعلم بالله -تعالى- من الله -تعالى- أو من رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟؟ ويستحيل أن يكون ظاهر آيات وأحاديث الصفات غير مراد، ويترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة دون أن يبين أن ظاهر الآيات والأحاديث في الصفات غير مراد.
أما موافقة هذه العقيدة للمعقول: فيستحيل أن يكون المخلوق أكمل من الخالق -تعالى-، فالإنسان يتصف بصفة السمع والبصر، وإن كان السمع محدوداً والبصر محدوداً، فكيف يليق بالله -تعالى- سلب هذه الصفات عنه بدعوى التنزيه، فيكون المخلوق الضعيف أكمل من الخلق -تعالى- من هذه الحيثية، والذين نفوا عن الله -تعالى- صفة السمع والبصر والحياة خشية الوقوع في تشبيه الله -عز وجل- بالإنسان الحي السميع البصير، وقعوا في تشبيه الله -تعالى- بالجمادات الخسيسة، التي لا تسمع ولا تبصر، بل ليست فيها حياة بالكلية.
كما أن الذين نفوا عن الله -تعالى- استواءه على عرشه، وفوقيته بدعوى التنزيه، وقالوا بأن الله -تعالى- في كل مكان، وقعوا في دعوى وجود الله -تعالى- في دورات المياه، وأجواف الحيوانات، وهكذا كل من هرب من مقتضى الكتاب والسنة يقع فيما هرب منه، والله -تعالى- يعيب الآلهة الباطلة، ويبين عجزها وعدم استحقاقها للعبادة فيقول -تعالى-: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر:14).
وهذا إبراهيم ـ عليه السلام ـ إمام الحنفاء يقول لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (مريم:42).
فهؤلاء المعطلة يجعلون لآزر حجة على إبراهيم الخليل، فيمكنه أن يقول له: وأنت أيضاً تعبد ما لا يسمع ولا يبصر.
فالمعقول أن نثبت لله هذه الصفات على أكمل وجه يليق بالله -تعالى-: (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع) (الكهف:26).
فالإنسان له سمع محدود على بُعد معين، وذبذبات معينة، وله بصر محدود في أبعاد محدودة وبأحجام معينة، وبشروط معينة، كتوفر الضوء مثلاً، والله -تعالى- يقول: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) (الرعد:10)، فالمعقول أن نثبت لله -تعالى- هذه الصفات التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونعتقد أنها كما تليق بجلال الله -تعالى- وعظمته، كما قال -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11).
فجمعت عقيدة أهل السنة والجماعة في الصفات بين موافقة المعقول والمنقول.