بتـــــاريخ : 8/9/2009 5:47:59 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 781 0


    شغور الزمان وزمان الشغور

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : عبد المنعم الشحات | المصدر : www.anasalafy.com

    كلمات مفتاحية  :
    شغور الزمان

    شغور الزمان وزمان الشغور

    كتبه/ عبد المنعم الشحات

    الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد,

    كلما صادفتَ أحداً من الناس في هذا الزمان حدثك عن شغور الزمان, ولا نعني بذلك شغور الزمان عن إمام عام للمسلمين يتولى باسم الشرع، وهي المسألة التي قفزت فجأة إلى بؤرة اهتمام بعض الدعاة إلى الله في الآونة الأخيرة، رغم أن التأريخ بسقوط الخلافة العثمانية على أنه يمثل النقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية بصفة عامة يعتبر من أدبيات الحركة الإسلامية على اختلاف أطيافها.

    وإذا كان اهتمام هؤلاء الدعاة منصباً على نفي شغور الزمان عن إمام؛ انطلاقاً من وجود سلطات مدنية، مُغْفِلِين الفرق بين الإمامة الشرعية والسلطة المدنية، وإن كان التعاون مع الأخيرة في تحقيق مصالح المسلمين أمراً شرعياً بلا شك، فإن عامة من يحدثك عن هذا الزمان يكون اهتمامه منصباً على إثبات شغور الزمان, ولكن عن ماذا؟

    الجواب: أنَّ كلاً يبكى على ليلاه، فعامة الناس يحدثونك عن شغور الزمان عن البركة، وعن معنى المودة والرحمة، والتعارف والتواصل بين الناس, ومنهم من يحدثك عن شغور الزمان عن (فاكهة زمان) ذات الطعم المميزة التي حلت محلها فاكهة التطبيع الأشبه بالفاكهة البلاستيكية, وأولياء أمور الطلاب يحدثونك عن شغور الزمان عن معلم ذي نجدة وكفاية، وخبرة ودراية، مع رأفة وقناعة، وهكذا حتى استحق الزمان أن يكون عن جدارة "زمان الشغور"، ولكن أشد أنواع الشغور نكاية في النفس شغور الزمان عمن يستحضر نداء ابن القيم للمفتين: "اعلموا أيها المفتون، أنكم توقعون عن الله حلاله وحرامه".

    فقد صار بعض المتصدرين للفتوى في زماننا إلى فتوتين يلزم منهما أن يكون الزمان شاغراً عن أمرين لا قوام للعالم إلا بهما، وهما النقود والعمليات الجراحية.

    فأما الفتوى الأولى: فجدير بها أن تسمى فتوى "شغور الزمان عن نقد"، وذلك أن الشيخ المشار إليه آنفاً في سبيل سعيه المحموم إلى إباحة معاملات البنوك، جدد فتوى شاذة قديمة مفادها أن الأوراق النقدية المعاصرة ليست نقداً شرعياً؛ لأنه لا نقدَ شرعيَ إلا الذهب والفضة، ومن ثم فلا يجري فيها الربا لعدم وجود العلة وهي الثمنية, وإذا كان كذلك صارت معاملات البنوك في زعمه ليست ربا، وتذرع في ذلك بفتوى كثير من العلماء المتقدمين في الفلوس (وهو نوع من العملات المعدنية من غير الذهب والفضة، كان يجري التعامل بها في الأمور التافهة قديماً)، حيث اعتبر كثير من العلماء الفلوس نوعاً من النقد القاصر، الذي لا يرقى إلى درجة النقد التام الذي يجري فيه الربا، وهذا الكلام فيه ثلاث مغالطات فادحة!

    المغالطة الأولى: أن المتقدمين وإن اتفقوا على أن الفلوس نوع من النقد القاصر، إلا أن كثيراً منهم قد رأى أنه يجري فيها الربا رغم ذلك، وهو المشهور من مذهب مالك، والمشهور من مذهب أحمد، وقول محمد بن الحسن من الأحناف، وكان ينبغي الإشارة إلى ذلك.

    المغالطة الثانية: وهي أخطر من الأولى أن الربا الذي يتنازع العلماء في جريانه في الفلوس من عدمه، هو ربا البيوع (ربا الفضل)، ولا خلاف بينهم في جريان ربا الديون (ربا النسيئة) في الفلوس، بل وفي كل شئ مثلي (أي له مثل تصح استدانته وقرضه)، سواء أكان نقداً تاماً أو نقداً قاصراً أو عروضاً، والنسبة بين ربا الديون الذي نزل القرآن بتحريمه - وأجمعت الأمة على جريانه في كل هذه الأصناف - وبين ربا البيوع الذي جاءت السنة بتحريمه في أصناف دون غيرها أشبه بالنسبة بين زنا الفرج وزنا الجوارح، من جهة أن زنا الفرج هو الزنا الحقيقي، وزنا الجوارح من النظر واللمس وسيلة وذريعة مؤدية إليه، ولذلك سمي به من باب تسمية الشئ بالنتيجة التي يؤول إليه, فإذا اختلف العلماء في بعض الفروع هل تدخل في سد ذرائع الزنا كالخلاف في وجوب ستر الوجه والكفين، أو الخلاف في جواز سفر المرأة بدون محرم اكتفاء بالصحبة الآمنة، فهل يمكن أن ينسب لقائل بهذا القول بإباحة الزنا؟

    إن صنيع هذا الشيخ الآنف الذكر يشبه إلى حد كبير هذا الصنيع حيث جعل خلاف بعض العلماء في جريان ربا البيوع في الفلوس -التي كانت في زمانهم نقداً قاصراً- ذريعة إلى القول بإباحة تعاملات البنوك في الأوراق النقدية المعاصرة، رغم أن معاملات البنوك من باب ربا الديون المحرم إجماعاً، حيث يقرض المودِع البنكَ، ويشترط رد المثل وزيادة، ويقرض البنكُ المقترضَ ويشترط رد المثل وزيادة، وهذا لو كان في إقراض رغيف خبز مع اشتراط رد مثله مع زيادة كسرة خبز لكان ربا بإجماع المسلمين، مع أنه ليس نقداً لا تاماً ولا قاصراً، فكيف بالأوراق النقدية التي هي عنده من باب الفلوس، أي: نقد قاصر؟!

    المغالطة الثالثة: أنه جعل الأوراق النقدية نقداً قاصراً كما جعل العلماء الفلوس نقداً قاصراً، ولم ينتبه إلي أن الفلوس كانت بالفعل نقداً قاصراً، حيث كانت ثقة الناس التامة بالعملات لا تكون إلا للعملات الذهبية أو الفضية، بينما لم يكونوا يرضون بالتعامل بالفلوس إلا في المحقرات, وهذا القياس كان له وجه في أول ظهور الأوراق النقدية جنباً إلي جنب مع العملات الذهبية والفضية، وأما الآن وبعد تلاشي العملات الذهبية والفضية فقد صارت الأوراق النقدية هي معيار الثمنية لكل شئ حتى الذهب والفضة ذاتيهما, فلو قلنا بأن الأوراق النقدية ليست نقداً، فسوف يترتب على هذا عدم وجوب الزكاة فيها، وعدم صلاحيتها لبيع السلم (بيع شئ تحت الإنتاج), بل يترتب على هذا ما هو أعظم من ذلك, يترتب على هذا شغور الزمان عن نقد مما يعيدنا إلى عصر المقايضة.
    وأما الفتوى الثانية: والتي يلزم منها شغور الزمان عن أمر آخر لا قوام للعالم إلا به، ألا وهو العمليات الجراحية فكانت فتواه بتحريم ختان الإناث (مخالفاً في ذلك فتاويه السابقة التي قال فيها بأنه مكرمة), وكان سبب هذه الفتوى هو موت طفلة في عملية ختان من جراء جرعة مخدر زائدة, وبناءً عليه يلزم من قوله هذا تحريم ختان الذكور، حيث يموت بعضهم من جراء أي أخطاء كجرعة المخدر الزائدة, بل يترتب عليه إغلاق باب الجراحة بالكلية، حيث أنه ما من عملية جراحية إلا ويمكن أن يحدث فيها هذا الخطأ، حتى عمليات تجميل الفنانات التي تُدفع فيها الآلاف المؤلفة من الدولارات، لم تسلم من خطأ في جرعة المخدر، كما حدث ذلك في واقعة مشهورة قريباً، ومع ذلك لم نرَ حملة لتحريم عمليات التجميل كنتيجة لهذا الخطأ (علماً بأن غالب هذه العمليات محرم أصلاً), الحاصل أن هذه الفتوى يلزم منها شغور الزمان عن جراحة, بل إن شئت طرحت المسألة في كل أداة يساء استخدامها لتتحول المسألة إلى شغور الزمان عن وسيلة مواصلات، وعن دار علم، وعن دار إفتاء من باب أولى، وليكن وفق هذه الفتوى ذلك الزمان هو زمان الشغور حقاً.
    موقع صوت السلف

    كلمات مفتاحية  :
    شغور الزمان

    تعليقات الزوار ()