الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
(الإخوة الملتزمين لم يتم تربيتهم ،المشكلة عدم التربية، المشكلة عدم وجود أخ مربى داخل المسجد).
هذه الجمل تتردد كثيرا في أوساط الإخوة الملتزمين وكذلك في أوساط الآباء والأمهات الذين يرسلون أبنائهم إلى المساجد لتنشئتهم على الفهم الصحيح للإسلام.
حلا لهذه الشكوى يقوم بعض الإخوة مؤهلين أو غير مؤهلين بعمل درس أو مجموعة دروس في موضوع التربية.
حل آخر أن يتم تكليف أحد الإخوة العاملين بمتابعة الشباب والأطفال تربويا داخل وخارج المسجد وهذا الأخ المكلف قد يكون مؤهلا أو غير مؤهل.
إن وظيفة المربى من أخطر الوظائف لان وظيفته باختصار هي "بناء الأجيال" والغريب أننا لا نسمح لغير المؤهلين بوظائف أقل خطورة من وظيفة المربى أن يتدخلوا ويبدوا أرائهم فيما يتعلق بهذه الوظائف أما الوظائف الدينية ومنها التربية فقد صارت مشاعا للمؤهلين وغير المؤهلين.
وقد أصغى سلفنا الصالح إلى التوجيهات الربانية والأحاديث النبوية التي ترفع شأن الأدب وتحث عليه وتحذر من سوء الأدب فانفعلوا بها وأعطوها ما تستحق من الأولية والامتثال فرأيناهم يدخلون كتاب الأدب في مصنفاتهم الجوامع ومنهم من أفرده بالتصنيف كما فعل البخاري في "الأدب المفرد" والخطيب البغدادي في "الجامع" وابن جماعة في "التذكرة" وكما صنف ابن مفلح كتابه "الآداب الشرعية والمنح المرعية" والسفارينى في "غذاء الألباب بشرح منظومة الآداب"، وكان تأديب الأولاد وظيفة تخصصية يباشرها المتأهبون لها حتى كان يلقب ابن أبى الدنيا بـ" مؤدب أولاد الخلفاء" وكانوا يحرصون اشد الحرص على متانة الروابط بينهم وبين من يؤدبون أولادهم وكانوا يحزنون إذا غابوا عن أولادهم خشية أن لا يؤدبوا على ما يريدون ويشتهون.
هذه مقدمة عن أهمية التربية والتأديب وحجم المشكلة التي نعانى منها كملتزمين وبعض الجهود البسيطة التي تبذل لحلها.
حل هذه المشكلة ـ مشكلة عدم التربية وعدم وجود الأخ المربي ـ تبدأ بتعريف ما هي التربية؟ ومن هو المربى؟ وما وظيفته وما هي صفاته وكيفية تأهيله لهذه الوظيفة.
التربية هي ذلك الجهد الرشيد الذي يصلح ما فسد ويرتقى بمستوى المتربي بصورة متوازنة بعيدة عن الاختلال والعشوائية. ولا تنحصر وظيفة التربية على إصلاح ما فسد بل تهتم أيضا بتنمية الخصال الصالحة في المتربي مع مراعاة التوازن في شخصية المتربي بحيث لا يطغى جانب على آخر. وعدم التوازن هذا ينشئ عنه شخص أحادى السمت فهذا أخ دعوى وهذا عابد وهذا حركي وهذا أشبه ببنك المعلومات "علم بلا عمل " وهذا هو المقصود بالتوازن البعيد عن الاختلال والعشوائية.
أما صفات المربى المطلوب فله صفات أساسية تتمثل في الاتى :
أولا:- مقومات بدء وانطلاق:
أ- العلم
ب- حسن السمت ومستوى القدوة
ج- الثقافة والتجربة
د- العمق الإيمانى
ثانيا:- مقومات الإتقان: وتتمثل في مجموعة القدرات النفسية والعملية التي مهمتها هي رفع المستوى الإدارى والتربوي
ثالثا:- مقومات الاستمرار: وتتلخص في كلمتين هما الصبر والإخلاص.
أما بالنسبة لمقومات البدء والانطلاق فأولها العلم فيجب أن تراعى فيه الأمور الاتيه:
1- المنهجية في التحصيل وتشمل: التدرج في التعلم بالبدء بصغاره قبل كباره والشمول بحيث لا يطغى فرع على آخر والبدء بالأهم فألاهم والتوازن والضبط العلمي وتوثيق المعلومة يعزوها إلى مصادرها وتحديد الأهداف المطلوب الوصول إليها من الدروس المقروءة والمسموعة والاهتمام بعلوم المقاصد أولا "العقيدة – الفقه – التفسير" ثم علوم الوسائل"اللغة – الأصول – المصطلح" والاهتمام بالعلوم الحديثة التي تخدم العملية التربوية "علوم الكمبيوتر – الإدارة – التربية – الاقتصاد والسياسة".
2- التفريق بين تحصيل العلم للامتحان وتحصيله للتربية والتبليغ.
3- كذلك مراعاة التوازن بين مذاكرة العلم واستمرار البناء العلمي من جهة والعطاء التربوي من جهة أخرى.
4- أيضا يجب على المربى أن يضع علمه في إطار الهيبة والوقار كما كان السلف يرسلون أبنائهم إلى العلماء ليأخذوا منهم الأدب كما يأخذون منهم العلم.
5- الاهتمام بتحصيل ثمرة العلم وهو العمل بهذا العلم فالعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
ثاني مقومات البدء والانطلاق: حسن السمت وتعنى به حسن الهيئة التي يكون عليها المربى ظاهرا وباطنا بحيث إذا رأى المتربي مربيه ذكر الله والجنة والنار وتذكر هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وتذكر الأسوة الحسنة من العلماء والصالحين، حسن السمت له وسائل تساعد على اكتسابه وهى إصلاح الباطن وإعلاء قيمة التأدب وجعله من الأولويات والاطلاع على حكايات العلماء ولزوم الصالحين والقدوة الحسنة ومن تستحي منهم والتنفيذ الفوري لما يتعلمه ومجاهدة النفس وتعويدها على الخير ومعاقبة النفس والشدة عليها وهذه الوسائل تحتاج لتوفيق من الله تعالى إليها ومجاهدة شديدة للنفس وننصح أخانا المربى بسلاح لا يخيب لتحصيل هذه الوسائل كلها هذا السلاح هو الدعاء أن يوفقه الله تعالى لتحصيل هذه الوسائل.
ثالثا مقومات البدء والانطلاق: الثقافة والتجربة وتنقسم إلى:-
ثقافة واقعية متعلقة بمجال الناس "ثقافة عامة" – وثقافة وتجربة تربوية
بالنسبة للثقافة الواقعية المتعلقة بمجال الناس تفيد المربى في معرفة سبل الخير وسبل الشر وتوسيع المدارك وتعميق الأفهام وتنشيط العقول وزيادة قدرة العقول على الحوار الثنائي أو الجماعي وكذلك تفيد المربى في فهم ظروف المتربي المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتكسبه نوع من الفراسة في معرفة الأشخاص وتوقع أفعالهم. أما الثقافة والتجربة التربوية فمصادرها قراءة الكتب التربوية وسماع الشرائط وممارسة عملية التربية مع تدوين الملاحظات والمواقف الحادثة والخبرات المكتسبة.
من أهم مقومات البدء والانطلاق ( وهو أيضا من مقومات الاستمرار ) الإخلاص والقرب من الله، أهميه توافر الإخلاص والقرب من الله في جميع الأعمال الإسلاميه أمر متفق عليه نصا وحسا فالداعية والمربى والمجاهد والعالم والعابد وطالب العلم كلهم مفتقرون إلى الإخلاص والقرب من الله والذين يفقدهما يحرم كل منهم التوفيق من الله ويحرم العون الالهى والقبول عند المخاطب سواء كان متعلما أو مربيا أو مدعوا وبفقد المربى للإخلاص والقرب من الله تظهر عليه أمراض المربين المزمنة كاتباع الهوى والانتصار للنفس وردود الفعل العشوائية غير المبنية على أسس تربوية والعجب والغرور والبعد عن السمت الإسلامى وغيرها.
خطورة إصابة المربى بهذه الأمراض تتمثل في انتقال عدواها إلى من يربيه، والنتيجة وجود جهد بدني مبذول في الزرع ولكن الثمرة ضعيفة أو عدم وجود ثمره.
هذه بعض مقومات البدء والانطلاق المطلوب توافرها فيمن يختار لوظيفة المربى ووسائل اكتسابها تتضح لنا من سردها أن التربية والتأديب وإعداد المربى ليس بالأمر السهل الهين الذي يتحقق بمجرد إعطاء درس من كتاب تربوي أو سماع شريط وإنما يحتاج إلى حسن إختيار وإعداد ومتابعه وتقييم وتقويم وتوفيق من الله واستمطار رحمات من الله . فى المرات القادمه نستكمل الحديث عن المقومات الآخرى المطلوب توافرها (بوصفها حدا أدنى ) للمربى .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.