كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
أخي الحبيب يا فتى الإسلام:
زادك في النهار، ووقود حركتك لله -تعالى-، والمعين على تحمل المشاق والأعباء، وأمر ربك لنبيه -صلى الله عليه وسلم- هو ذاك السهر، نعم السهر، ولكن ليس كأي سهر، إنه السهر في مرضاة الله، إنه سهر في السحر، في الخلوات، تناجي ربك، وتبكي بين يدي مولاك، إنه قيام الليل، دأب الصالحين قبلنا، فما نصيبك منه؟!
هيا بنا نتعلم ونطبق ما نعلمه، حتى تصلح أحوالنا، ويرضى عنا مولانا.
أخي الحبيب/ هل تواظب على قيام الليل؟
إن قيام الليل من أفضل الطاعات وأجل القربات بعد الصلوات، كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن أفضل الصلاة بعد المكتوبة، فقال: (أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل) رواه مسلم.
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعًا: (ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن والذين يشنؤهم الله التاجر الحلاف والفقير المختال والبخيل المنان)(رواه أحمد وصححه الألباني).
وفضل هذه الصلاة معلوم، وسر ذلك أن هذه الصلاة لا يقدر عليها إلا متجرد عظيم الإخلاص، ولله در قتادة بن دعامة إذ قال: "قلما سهر الليل منافق" وصدق -رحمه الله-.
فإذا كان شهود العشاء ثقيل على المنافقين، فما بالك بجوف الليل الآخر؟! فإلى القيام يهرع العاملون، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "ربما استغلقت علي مسألة، فأستغفر الله ألف مرة أو يزيد حتى يفتح لي"، وقال: "وربما ذهبت إلى الخلوات أمرغ خدي في التراب، وأقول يا معلم إبراهيم علمني".
فأين عمال الله في هذه الأعصار، أين رهبان الليل وفرسان النهار؟! بانوا وكأنهم ما كانوا.
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أعز من القليل
فيا من أراد النجاة يوم الحساب أَلزِم ساقيك المحراب، فإنه للاستقامة باب، وأحيي هذه السنة في نفسك، ثم ذكر بها من ينتفع بنصحك، لعلك تجلو بهذا العمل سناها، وتُعَد يوم القيامة فيمن أحياها. قال الله -تعالى-: (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)(الذاريات: 17)، وقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(السجدة: 16).
عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، قال سالم: فكان عبد بن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً). متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل) متفق عليه.
أخي الحبيب: قيام الليل عدة الصابرين، وهو من سمات جيل النصر المنشود، وعليه تربى الرجال فصاروا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا بالخير موصوفين، ولا تجعلنا له فحسب واصفين، واشفنا من النوم باليسير، وارزقنا سهراً في طاعتك ومناجاتك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك,
احرص أخي الحبيب على صلاة القيام، وابدأ بركعتين كل يوم أو أكثر، وواظب عليها.
وبالله التوفيق.