نشرت الصحافة العالمية «الغسيل الوسخ» للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نقلا عن مطلقته سيسيليا التي وصفته بأنه «زير نساء بخيل، ذو مشاكل سلوكية ولا يحب أحدا، ولا حتى ابناءه». سيسيليا كانت قد تحدثت عن اسرارها الزوجية من دون ان تتوقع انها ستجد طريقها الى النشر، الا أن هذه الأسرار تسربت الى الاعلام، وشكلت مادة كتاب تحت عنوان «سيسيليا» للصحافية الفرنسية آن بروتون، ولم تنفع الدعوى القضائية التي اقامتها الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي مطالبة بوقف نشر الكتاب في محاولة لاستدراك «زلات لسانها» لأنها
اعتبرت ان محتوى الكتاب «ينال بشدة من حميمية حياتها الشخصية».
فالأسرار الزوجية للمشاهير التي تخرج الى التداول لا يمكن تدارك الأذى الذي تسببه في حياتهم وحياة أولادهم والمقربين منهم. وخير دليل على ذلك ما يجري في بريطانيا اليوم من نبش لأسرار الأميرة الراحلة ديانا، وحياتها الخاصة، من خلال المحاكمة الجارية بناء على دعوى محمد الفايد، ومدى تأثير هذا الامر في ولديها.
السيناتور هيلاري كلينتون كانت حريصة في هذا الاطار، ولم تسمح بتسليم «حياتها الخاصة» الى الاعلام. فسيدة البيت الأبيض السابقة كانت ترفض باستمرار البوح بالكثير من أسرارها للعامة، خاصة الأيام التي امضتها مع بيل كلينتون خلف الأبواب الموصدة خلال فترة فضيحة مونيكا لوينسكي التي طالت زوجها الرئيس السابق للولايات المتحدة بيل كلينتون. الفنانون في مسألة كشف الاسرار الزوجية ليسوا افضل حالا، والحكايات الهوليوودية لا تعد ولا تحصى، ومعظم الأسرار الزوجية التي تفشى وتصير مادة اعلامية دسمة تقود الى الطلاق، مهما حاول الزوجان ترقيع الوضع.
خراب البيوت نتيجة التعامل غير المدروس مع هذا الموضوع لا يقتصر على المشاهير، أو على جنس بعينه، لأن الحياة الزوجية قائمة على الرجل والمرأة، والطرفان يجب أن يلتزما بحفظ الأسرار. فالأديان تعتبرها شأنا مقدسا، والسلوكيات الاجتماعية تشدد على ضرورة صونها وتعتبر ان للتشهير نتائج وخيمة على المجتمع، ليس أقلها الطلاق. اما اذا استمر الزواج على رغم اكتشاف أحد الزوجين أن الآخر «فضحه» فغالبا ما تنعدم الثقة بين الطرفين، ما يؤدي الى انعدام التواصل بينهما لتسود التشنجات علاقتهما.
ويحذر الاختصاصيون من التعامل بخفة مع «نشر الغسيل الوسخ»، سواء كانت تلك الأسرار خاصة بالعلاقة الزوجية أو بمشكلات البيت، فخروج المشكلة خارج البيت يعني استمرارها واشتعال نارها، خصوصاً إذا نقلت إلى أهل أحد الزوجين، فالاهل لا يستطيعون سوى التعاطف مع ابنائهم، وبالتالي سيتحكم الانحياز في حكمهم على المشكلة، وقد تأخذهم الحمية تجاه ابنهم أو ابنتهم فيغالون في ردة فعلهم بحيث يصعب التراجع ورأب الصدع بعد ذلك.
حتى عندما تكون عملية نقل الأسرار خارج المؤسسة الزوجية من دون غرض يتجاوز «الفضفضة» او «الثرثرة»، وتصنف لدى من يبوح بها على انها أخطاء، قد تكون صغيرة، الا أن التجارب تؤكد ان هذه الاخطاء تذهب بالجهد الذي يبذل لتدعيم المؤسسة الزوجية أدراج الرياح.
النتائج غير مستحبة، ذلك أن نظرة الآخرين الى الزوج او الزوجة بعد اطلاعهم على خبايا الحياة الخاصة لأي منهما، ستتغير وقد تسيء أكثر مما يمكن التخيل. فترتسم في الأذهان صورة مشوهة لذلك الزوج المسكين مما يؤدي إلى نفور الأهل والأصدقاء منه. وقد تعود المياه إلى مجاريها بين الزوجين ولكن الصورة السيئة لذلك الزوج ستطغى على تعامل من يعرف اسراره معه. كما أنها قد تؤدي إلى التندر بالمرأة التي تصر على الشكوى والتظلم، وكأنها بذلك تمنح الآخرين فرصة لاتخاذها وحياتها الأسرية مصدرا للسخرية مع لومها على إذاعتها أسرارها.
يقول أحمد: «لم اتصور ان زوجتي تخبر شقيقتها بكل شاردة وواردة في حياتنا. عندما اكتشفت الأمر، شعرت بأني سرقت.. كأن عائلة زوجتي اختلست مني حياتي. وعندما فاتحتها بالموضوع، فاجأني ردها بأني لم أطلب منها كتمان ما يدور في البيت. لم تتصور أساسا أن هذه الامور هي أسرار زوجية ويجب المحافظة عليها. كل ما أفعله تشيعه زوجتي وأخواتها وأمها وصديقاتها، سواء كان هذا العمل في بيتي أو في وظيفتي، بل وحتى في ما يتعلق بمالي ودخلي. لا يمكن تصور مدى الاحراج الذي ينتابني عندما تناقشني إحدى صديقاتها في مشروع انوي القيام به. بتُّ اشعر ان الكل يعرف تفاصيل حياتي وأسرارها. حاولت نصح زوجتي ولكن من دون فائدة، فأصبحت حياتي معها مهددة وغير آمنة. لذا لم يكن أمامي إلا الطلاق». وتعترف زوجات كثيرات باعتيادهن الحديث عن الأسرار الزوجية أمام الصديقات، لكن غالبيتهن لا تدرك مدى خطورة الامر حتى تقع الأزمة. وحينها ربما لا ينفع الندم، إذ قد يصل الأمر في بعض الحالات إلى الطلاق وتهديد الحياة الزوجية. ويطيب لأحد الرجال أن يقول: «من يرد أن ينشر سرا، يكفه ان يخبر زوجته به».
لكن بخلاف ما هو سائد، لا يقتصر افشاء الاسرار الزوجية على النساء رغم الفكرة المسبقة التي تصمهن بالثرثرة وعدم القدرة على حفظ الاسرار. فالرجل ايضا يجد متعة في الثرثرة، وقد لا يتورع عن اظهار نفسه ضحية زوجته، فيسترسل مثلا في الحديث عن مدى اسرافها او مدى هوسها بالمحافظة على جمالها او مدى غيرتها او ضعفها تجاه اولادها وبأسلوب ساخر جارح أحيانا.
الاختصاصية الاجتماعية سهى هاشم توضح الامر فتنسبه الى «أن بعض الرجال يعانون عقدة نقص تجاه زوجاتهم، فيلجأون الى الظهور بمظهر الضحية المغلوب على أمرها حيال تسلط الزوجة، ويتحدثون عن همومهم مع أهلهم واصدقائهم. فيعمل هؤلاء على تحريض هذا الزوج على الزوجة فيحدث ما لا تحمد عقباه. ومعظم المشاكل بين الحماة والكنة تنبع من هذا السلوك». لكن هاشم لا تنفي ان المرأة تميل ايضا الى افشاء أسرارها. والسبب في كلتا الحالتين «البعد العاطفي بين الزوجين وغياب الحب والاحترام بينهما».
تقول أسمى: «زوجي يغيب طوال اليوم، وعندما يعود الى المنزل يجلس صامتا لا يسألني كيف امضيت نهاري مع الاولاد وما هي المشاكل التي صادفتها. لا يهمه اذا كنت مرهقة او مرتاحة، ولا يهمه أن أعرف عن أوضاعه شيئا. يجيب عندما أحاول فتح حوار معه بأنه متعب ويتركني مشغولة البال. والمزعج في الامر انه اذا تلقى اتصالا هاتفيا او اذا استقبلنا ضيوفا، يبدأ بالكلام والمزاح والضحك ولا ينتهي. واذا فتحت فمي لأنطق يعلق على ما أقول بطريقة غير لائقة. حاولت كثيرا لفت نظره ومناقشته، لكن من دون فائدة، إذ اصبح الحوار معه شبه مقطوع، لذا اتكلم مع صديقتي واحدثها عن معاناتي حتى لا انفجر».
هاشم لا توافق على هذا الطرح، فهي تصر على أن «الأسرار الخاصة والمشاكل الزوجية لا بد أن تكون بين الزوجين في طي الكتمان، وإذا أُشيعت فاللوم لا يقع إلا على الزوجين». وتشير إلى انه عندما تدعو الحاجة الى طرف ثالث فلا بد ان يكون هذا الطرف اختصاصيا وقادرا على اعطاء النصيحة الفعالة حتى لا تتفاقم الامور. كما أن كثرة الاستشارات والآراء في المشكلة قد تؤدي إلى تعقيدها، لان كل من يدلي برأيه غالبا ما يكون بعيدا عن العواطف التي تربط الزوجين.
وترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها، يتسبب في القلق أكثر مما يجلب الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة الندم والخسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية».
وتتابع: «لكن مع الاسف لم يتعود بعد المجتمع العربي على الاستفادة من خبرات الاختصاصيين في هذا المجال، وتحديدا الرجل الذي يظن ان زيارة الاختصاصي او الخبير الاجتماعي في شؤون الزواج طعن في رجولته وفضيحة واتهام له بسوء معاملة زوجته». ولا تقتصر عادة افشاء الاسرار على مرتكبيها من الازواج، فمفاعيلها تنتقل الى الأبناء.
ذلك ان اقتداء الابن بأهله أمر بديهي. واذا نشأ الطفل في بيئة لا تحترم الخصوصيات فإنه ومن دون وعي سيعتاد تدريجياً على إفشاء أسراره وأسرار بيته لأصدقائه وزملائه، ويصبح الامر لديه طبيعة يألفها، وبالتالي يفعلها ويعجز عندما يكبر على كتمان أسراره الحميمة، ومن الصعب أن تغيره النصائح والمواعظ من قبل الوالدين مهما حاولا تقويم ذلك السلوك، لأن الذي سيقومه هو إقلاع الأب أو الأم عن تلك العادة التي تحول المؤسسة الزوجية الى بيت بلا سقف أو جدران.