ذهب إلى ساحر لفك السحر فهل له من توبة
قلبي يعتصر ألما وعقلي كاد يشت أصبحت لا أدري ما الصواب وما الخطأ أشياء كثيرة كنت أتحاشا فعلها وقعت فيها ، بل أكثر من ذلك فقد فعلت أشياء أخاف أن تكون شركاً , أخاف أن يكون قد حبط عملي . أشعر بأن صلاتي , صومي, حجي , كل عمل قد يكون صالحا قد أحبط كلما قرأت قوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) قلبي يعتصر ألما والله ، ما أقوله ليس من باب الرياء ولكنه حقيقة في نفسي أذهب إلى الصلاة أجر قدمي أصبحت لا أستطيع أن أفتح القرآن أشعر بأن القرآن يلعنني لأني لم أعمل بما أحفظ وحتى إذا قرأت لا أستطيع أن أكمل فأغلقه أقول لنفسي كيف أقف أمامه وأقول وإياك نستعين أين هذه الاستعانة قد كنت كلما أهمني أمر لا أتعلق إلا به سبحانه وأدعوه وألح في الدعاء كنت أشعر بأني قريب منه حتى في هذا الأمر الذي ألم بي كنت أدعوه كثيرا ولكن لم أصبر أشعر بأن الله امتحنني فما صبرت ورسبت , أشعر أن أعمالي ليست مقبولة كأن هناك صوتاً يقول لي : لم العمل وما فائدته ؟ بعد الذي فعلت إذا كان كل ما تعمله ليس متقبلا وكل ما فعلته أصبح هباءً منثوراً, ما فعلته يتلخص في أني ذهبت إلى رجل ليفك لي سحراً أصبت به بعد الزواج استمر معي أكثر من شهر وأنا كاره لذلك ولكن أعطاني أشياء لا أفهمها أخذتها وأنا كاره لكل ذلك أخذتها ونفسيتي محطمة وعقلي غائب أليس هذا نوعاً من الشرك المحبط للعمل المخرج من الملة ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الرقى والتمائم والتولة شرك ) وقال : ( من ذهب إلى عراف فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) أخبرني والله أنا في عذاب والله في عذاب ، دنياي لا حظ لي فيها كل أمنياتي فيها لم يتحقق فيها شيء وأخاف أن تكون آخرتي آخرة سوء فأكون قد خسرت كل شيء .
الحمد لله
أولا :
إن شعورك بالذنب ، وتألّم قلبك من أجله ، دليل على صحة إيمانك ، وطهارة نفسك ، وهذا من فضل الله عليك ، فإن أصحاب القلوب الحية هم الذين يتأثرون بالذنوب ، ويفزعون إلى الله تائبين مستغفرين ، وأما أصحاب القلوب الميتة فلا تؤثر فيهم جراحات المعاصي ، كما قيل : ما لجرح بميتٍ إيلامُ .
قال الله تعالى في شأن أهل الإيمان : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) الأعراف/201 .
والمعنى أنهم إذا أصابوا الذنوب ، تذكروا " عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ، ووعيده ، فتابوا وأنابوا ، واستعاذوا بالله ، ورجعوا إليه من قريب ( فإذا هم مبصرون ) أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه " انتهى من "تفسير ابن كثير".
فما عليك إلا أن تتوب وتستغفر ، وتعلم أنك تقبل على رب رحيم ، يفرح بتوبة عبده ، ويتقبلها منه ، ويبدل سيئاته حسنات ، مهما كانت هذه السيئات .
وكأنك لا تعلم أن الله يتوب على أهل الكفر والإلحاد والبغي والفساد ، إذا تابوا ورجعوا إليه ، فكيف لا يتوب على أهل الإيمان إذا وقعوا في المعصية ، وأصابهم الذنب ، وهم المحبّون له ، المقبلون عليه ، الراكعون الساجدون ، المتوضئون المتطهرون ، علموا أنه لا يغفر ذنبهم غيرُه ، ولا يجبر كسرهم سواه ، فسارعوا نادمين مستغفرين ، يقولون : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، فيقول الرحمن لملائكته : علم عبدي أنه لا يغفر الذنب غيري ، أشهدكم أني قد غفرت له ، فتذهب الأحزان ، وتزول الهموم ، ويعود الوصل ، ويزيد الأنس ، فلله ما أحلى فرحة التائبين ، وما أجمل عودة المذنبين .
قال الرب الرحيم : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104 .
وقال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/68- 70 .
وروى البخاري (7507) ومسلم (2758) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ : رَبِّ ، أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي ، فَقَالَ رَبُّهُ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ : رَبِّ ، أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ ، فَقَالَ : أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا وقَالَ : رَبِّ ، أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي فَقَالَ أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ).
وروى مسلم (2749) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ).
فبادر بالتوبة والندم والاستغفار ، وأكثر من الأعمال الصالحة ، وأبشر بالخير والفلاح .
ثانيا :
من مكر الشيطان بالإنسان أن يزين له المعصية ، ويوقعه فيها ، ثم يقنطه من التوبة ، وينصح له بالزور : كيف تعود إلى الله وقد فعلت ما فعلت ؟ أما تستحي منه ؟ هل تظن أنه يقبل منك؟
فربما كانت معصية الإنسان كبيرة كالزنا ، فجره بذلك إلى ما هو كفر كترك الصلاة ، فتأمل كيف يتلاعب الشيطان بهذا الإنسان .
وأما المؤمن فلا سبيل للشيطان عليه في هذا الباب ، لأنه يعلم ما قدمنا من لزوم التوبة ، وفرح الله تعالى بها ، وتكريمه لأهلها ، وتبديل سيئات أصحابها حسنات .
ثالثا :
لا يجوز الذهاب للسحرة والكهنة والعرافين ، ولو كان ذلك لحل السحر ، وهو ما يسمى بالنُّشْرة ، بل السحر يعالج بالآيات القرآنية والأدعية النبوية واللجوء إلى خالق البرية سبحانه وتعالى ، وينظر جواب السؤال رقم (11290) ورقم (48967)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم (2230) .
وقال : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وهذا محمول على الكفر الأصغر عند كثير من أهل العلم ، إلا إذا اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله : ( فسأله ؛ لم تقبل له صلاة أربعين يوما ) . ظاهر الحديث أن مجرد سؤاله يوجب عدم قبول صلاته أربعين يوما ، ولكنه ليس على إطلاقه ؛ فسؤال العراف و نحوه ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يسأله سؤالا مجردا ؛ فهذا حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا … ) ؛ فإثبات العقوبة على سؤاله يدل على تحريمه ؛ إذ لا عقوبة إلا على فعل محرم .
القسم الثاني : أن يسأله فيصدقه ، ويعتبر قوله ؛ فهذا كفر لأن تصديقه في علم الغيب تكذيب للقرآن ، حيث قال تعالى : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) ( النمل : من الآية65 ) .
القسم الثالث : أن يسأله ليختبره : هل هو صادق أو كاذب ، لا لأجل أن يأخذ بقوله ؛ فهذا لا بأس به ، ولا يدخل في الحديث . وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد ؛ فقال : ( ماذا خبأت لك ؟ قال : الدخ .
فقال : ( اخسأ ؛ فلن تعدو قدرك ) ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله عن شيء أضمره له ؛ لأجل أن يختبره ؛ فأخبره به .
القسم الرابع : أن يسأله ليظهر عجزه وكذبه ، فيمتحنه في أمور ، وهذا قد يكون واجبا أو مطلوبا .
وإبطال قول الكهنة لاشك أنه أمر مطلوب ، وقد يكون واجبا ؛ فصار السؤال هنا ليس على إطلاقه ، بل يفصل فيه هذا التفصيل على حسب ما دلت عليه الأدلة الشرعية الأخرى " انتهى من "القول المفيد" (2/49) .
وعليه فإذا لم تعتقد أن الساحر يعلم الغيب ، فقد سلمت من الكفر الأكبر والحمد لله .
وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز حل السحر بالسحر ، لكنه قول ضعيف ، يفتح باب الشر ، ويغري السحرة بالبقاء على باطلهم ، ويشجع غيرهم على تعلم السحر بحجة نفع الناس .
وتعليق التميمة إن اعتقد فيها النفع والضر ، فهذا هو الشرك الأكبر ، وإن اعتقد أنها سبب ، فهو شرك أصغر ، وينظر السؤال رقم: ( 34817 )
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ، ويغسل حوبتك ، ويمحو خطيئتك ، ويعافيك في دينك ودنياك .
والله أعلم .