الحمد لله
أولاً :
الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً ; لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ.
ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ) رواه مسلم (1015) .
( قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ رحمه الله : وَاعْلَمْ أَنَّ عِمَادَ الدِّينِ وَقِوَامَهُ هُوَ طِيبُ الْمَطْعَمِ ، فَمَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ زَكَا عَمَلُهُ ، وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ طيبَ مَكْسَبِهِ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لا تُقْبَلَ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَجَمِيعُ عَمَلِهِ ; لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : ( إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ ) . وَنَظَرَ عُمَرُ إلَى الْمُصَلِّينَ فَقَالَ : لا يَغُرُّنِي كَثْرَةُ رَفْعِ أَحَدِكُمْ رَأْسَهِ وَخَفْضِهِ ، الدِّينُ الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَالْكَفُّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، وَالْعَمَلُ بِحَلالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ .
وقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَفْضَلُ الْحُجَّاجِ أَخْلَصُهُمْ نِيَّةً ، وَأَزْكَاهُمْ نَفَقَةً ، وَأَحْسَنُهُمْ يَقِينًا ) اهـ من "المدخل" (4/210) لابن الحاجب المالكي .
وَيُرْوَى لِبَعْضِ الأَئِمَّةِ :
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ .
و(العير) الدابة التي يركبها الحاج . (أي : الجمل) .
وفي "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/530) :
مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَحَجُّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ شَرْطِ الْقَبُولِ ، لقوله تعالى : ( إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ ) . . .
وَقَدْ أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَفَى بِهِ حَجَّةً .
وَقال الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِي الْمَنَاسِكِ الْمُسَمَّاةِ بِالذَّهَبِيَّةِ :
وَحُجَّ بِمَالٍ مِنْ حَلَالٍ عَرَفْتَهُ وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ وَإِيَّاهُ
فَمَنْ كَانَ بِالْمَالِ الْمُحَرَّمِ حَجُّهُ فَعَنْ حَجِّهِ وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَغْنَاهُ
إذَا هُوَ لَبَّى اللَّهَ كَانَ جَوَابُهُ مِنْ اللَّهِ لا لَبَّيْكَ حَجٌّ رَدَدْنَاهُ اهـ باختصار .
ثانياً : لا يجوز الانتفاع بالمال الحرام ، والتوبة منه تكون بالتخلص منه وإنفاقه في وجوه الخير .
وإنفاقك هذا المال على أبيك وأمك فيه انتفاع لك بهذا المال لأنه مقابل النفقة الواجبة وهذا غير جائز .
ثالثاً : إذا لم يكن عندك من المال الحلال ما تحج به أنت وزوجتك فانتظر حتى تكتسب مالاً حلالاً تحج به لقول الله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران / 98 .
فإذا رزقكما لله رزقا حلالاً طيباً فعليكما المبادرة بالحج .
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا منكم ، ويعيننا على التوبة النصوح .
والله أعلم .