أريد أن أسأل عن شيء يتعلق بالمهر ، ويحصل ذلك في بعض البلاد ، خاصة في الولايات الهندية ( مثل كيرلا ، وتاميل نادو .. الخ) ، فمثلاً : نحن نعطي عريس أختنا مئة ألف روبية و75 بافن من الذهب ( حيث يعادل البافن الواحد 4 غرامات من الذهب ) وهذا يحصل بشكل واسع في ولايتنا بين المسلمين ، وأريد أن أعرف ما إذا كان ذلك جائزاً في الإسلام أن يطلب أو يعطى هذا القدر الكبير من المال والذهب ، أريد أن أخبرك المزيد حول هذا الموضوع : مئة ألف روبية و75 بافن هو أقل مهر في كيرلا ، إلا أن المهر فيما بين العوائل الغنية هو خمسمائة ألف روبية و500 بافن وسيارة أجنبية الصنع إضافة إلى قطعة أرض .. الخ .
هل هذا يجوز ؟ وهل تقترح لنا حلا للمشكلة ؟.
الحمد لله
أمر الله عز وجل في كتابه الكريم الأزواجَ من الرجال بأن يعطوا النساء مهورهن , فقال عز وجل : ( وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/4 .
قال الطبري رحمه الله :
" يعني بذلك تعالى ذِكره : وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة وفريضة لازمة " .
وقال أيضاًَ :
" عن قتادة : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) يقول : فريضة ، وعن ابن جريج : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) قال : فريضة مسماة ، وعن ابن زيد في قوله ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) قال : النِّحلة في كلام العرب : الواجب " انتهى .
" تفسير الطبري " ( 4 / 241 ) .
فالله تعالى قد أوجب المهر على الرجل أن يُعطيه للمرأة وليس العكس ، وهذا الذي دلت عليه نصوص القرآن ، ونصوص السنَّة النبويَّة أيضا ، ومن ذلك مارواه البخاري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني وهبت نفسي لك فقامت طويلاً فقام رجل فقال : يا رسول الله زوِّجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة ، فقال : هل عندك من شيء تُصدقها ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا ، قال : فالتمس ولو خاتماً من حديد , فالتمس فلم يجد شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء ؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، فقال : زوجتُكها بما معك من القرآن .
رواه البخاري ( 4741 ) ومسلم ( 1325 ) .
قال ابن حجر رحمه الله :
" فيه : أن النكاح لا بد فيه من الصداق لقوله " هل عندك من شيء تصدقها ؟ " ، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يطأ فرجاً بغير ذكر صداق .
وفيه : أن الأولى أن يذكر الصداق ، فلو عقد بغير ذكر صداق صح ( العقد ) ووجب لها مهر المِثل ( أي : مثلها من النساء) بالدخول " انتهى .
" فتح الباري " ( 9 / 211 ) بتصرف .
فالقرآن والسنة وإجماع أهل العلم يدل على أن المهر يدفعه الزوج للزوجة ليس العكس ، وهذا الذي يتفق مع الفطرة والطبيعة البشرية ، فكيف يكون للرجل قوامة على المرأة وهي التي دفعت له مهراً ؟! واللهُ تعالى جعل إنفاق المال من الزوج من أسباب قوامة الرجل على المرأة ، قال سبحانه : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 .
وبعد هذا الإنفاق من الزوج كثيراً ما تشعر الزوجة بالعبء الذي تحمَّله زوجها , فتتنازل عن مهرها أو عن جزء منه عن طيب نفس منها , فلا حرج على الزوج من أخذه ، لقوله تعالى : ( وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/4 .
فهذا المال الذي تدفعه المرأة للرجل مهراً له ليتزوجها مخالف للدين والفطرة والعقل والطبيعة البشرية ، هذا إذا كان قليلا , فكيف والحال كما تذكرين ؟!
أما الحل فلا بد أن تتضافر جهود العلماء والدعاة ووسائل الإعلام والإرشاد في بلادكم للحد من هذه المعضلة ، ومن ثم معالجتها ، واستبدالها بما يوافق الشرع الحنيف الذي جاء بما يوافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها .
والله أعلم .