لا أعلم كيف أبدأ بطرح المشكلة ، كانت والدتي رافضة زواجي بسبب المال الذي تصرفه الدولة لي بسبب مرضي ، فقررت أن أسجل بموقع زواج ، ووقف أبي معي ، وتم زواجي منذ أربعة شهور ، ولكن دون أن يراني أو أراه ، جاء إلى البيت مباشرة ، وهو إنسان متزوج ، وفقير ، وزوجته الأولى تعمل ، وتساعده في إيجار منزله ، ولم يأت إلا يومين عند إجازته السنوية ، وعند انتهاء إجازته يأتي يوماً واحداً ، المغرب ، ويذهب فجراً ، حيث مكان عمله يبعد ثلاث ساعات ، وسكنت مع والدي بسبب ظروفه المادية ، ولكن والدتي ظلت تستهزئ بي أن زوجك هرب ، أو : خرج ولم يعد ، وتطلب مني مالاً ، مصروفي الشهري : ألف درهم إماراتي ، وأعطيتها خمسمائة ، ولكن ظلت تطلب مني كل يوم مبلغاً مما جعلني في توتر مع زوجي ، وهو لا يعلم ما أنا فيه ، وتشاجرت معه ، اتصلت به في عمله ، وبعثت له رسائل ، وهو مشغول جدّاً ، فزعل ، وعندما أخبرته من كلام والدتي أنه خرج ولم يعد : أخذ موقفا من والدتي ، ولم يكن كما كان من قبل ، منذ شهرين لم يتصل ، أنا فقط أتصل به ، وأحيانا لا يرد عليَّ ، حاولت إرضاءه ، ولكن دون جدوى ، وأهديته هدية حتى تقربنا من بعضنا لكني أحس أنه جاف معي ، لا أعلم ما هو الحل ، والدتي سبب دماري .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الزواج عن طريق الفضائيات والمنتديات والمواقع لا يخلو من سلبيات ، ولا نرى أن مثل هذا الزواج ينجح في غالب الأحيان ، وثمة من يتخذه طريقاً للتسلية والمتعة ، وثمة من تتخذه مجالاً للهو والعبث ، ولا يسعى أولئك للاستقرار ، ولا للبحث عن شريك حقيقي لإعمار بيت وإنشاء أسرة ، والنادر لا حكم له ، فلذلك نربأ بإخواننا وأخواتنا سلوك ذلك الطريق في البحث عن شريك بيت الزوجية.
ثانياً:
عدم رؤيتكِ للخاطب ، وعدم رؤيته لك قبل الزواج فيه مخالفة للشرع ، ومن حكمة الشرع في نظر الخاطب لخطيبته والعكس : أنه أحرى أن يؤدم بينهما ، فنظر كل واحدٍ للآخر هو بداية القبول أو الرفض ، وأما أن يفاجأ كل واحدٍ الآخر ليلة الدخلة : فهذا مما يخالف الشرع ، والعقل ؛ حيث يرسم كل واحد في مخيلته صورة لشريكه ، وإذا به يفاجأ بغير الذي فيها ، فتقع المشكلات ، وتبدأ إجراءات الفراق .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا ؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا .
رواه مسلم ( 2414 ) .
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا ، فَقَالَ : اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا .
رواه الترمذي ( 1087 ) - وحسَّنه - ، والنسائي ( 3235 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الترمذي : ومعنى قوله " أحرى أن يؤدم بينكما " : أحرى أن تدوم المودة بينكما .
ثالثاً:
كان الأليق بوالدتك أن تحذو حذو والدكِ في تشجيعك على الزواج ، والوقوف إلى جانبك ، وهي تعلم أن في الزواج إعفافاً لكِ ، وهو ما تسعى إليه الأمهات العاقلات ، وما أسعدها من لحظة لدى تلك الأم الحنونة العاقلة ، يوم ترى ابنتها تُزف إلى زوجها ، ليساهما في إنشاء عش الزوجية ، وتأسيس بيت على الطاعة والانقياد ، يملؤه الحب ، وتغمره المودة .
وفي الوقت نفسه لم يكن للزوج أن يغضب من كلمات أمك ، فيهجرك ، ويقطع مجيئه ، فليس في كلام أمك الذي ذكرتيه ما يستوجب كل ذلك ؛ ولعله كان يريد فرصة ليفعل ذلك ، وما كلام أمك إلا ذريعة له ليتخلص من زواج لعله ليس له فيه رغبة .
وعلى كل حال : فيجب أن يكون لوالدك تدخل في الأمر ، وعليه أن يبادر للقائه ومواجهته ، والمصارحة الواضحة في الحديث معه ، وعلى الزوج أن يقرر مصير زواجه هذا ، فإما أن يرجع زوجاً ويعطيك حقك الذي أوجبه الله عليه ، أو يسرحك بإحسان ، ويعطيك حقوقك ، ثم تسألين الله تعالى أن يؤجرك في مصيبتك ، وأن يخلفك خيراً منها .
وليس للزوج أن يماطل ، ولا أن يتلكأ في الجواب ، ولا أن يكتم ما في قلبه ، بل عليه إظهاره ؛ لكي تحددي مصيرك ، ولا تستمري في ذلٍّ لرجل قد لا يكون له رغبة باستمرار العلاقة الزوجية .
كما لا ينبغي له معاقبتك على كلام صدر من أمك ، فليس لك ذنب به ، ولا تتحملين آثاره ، وقد أخطأتِ جدّاً بنقله – أصلاً – له .
رابعاً:
على الزوج إن رجع إليك أن يتقي الله فيك ، وأن يحسن عشرتك ، كما يجب عليه أن يعدل بينك وبين زوجته الأخرى في المبيت ، والنفقة ، والكسوة ، ولا يحل له تفضيل زوجته الأولى بسبب غناها ، ولا أن يسلبك حقوقك بسبب فقرك ، إلا أن يحدث تنازل منكِ لبعض حقوقك من طيب نفس وخاطر ، وقد أوجب الله تعالى على المعددين العدل بين نسائهم ، وحذَّرهم من الظلم وسلب الحقوق .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ ) .
رواه الترمذي ( 1141 ) والنسائي ( 3942 ) وأبو داود ( 2133 ) وابن ماجه ( 1969 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله – :
الحديث معناه الوعيد في حق من لم يعدل بين زوجاته العدل المستطاع ، وهو المساواة بينهن في الإنفاق ، والمسكن ، والملبس ، والمبيت ، والمراد بالشق هنا : نصفه ، وميلانه : عقوبة له على جوره ؛ لأن الجزاء من جنس العمل ، فكما مالَ في معاملته لزوجته : أمال الله شقَّه ، وجعل جسمه غير معتدل ، عقوبةً له ، وقد قال تعالى ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ) - النساء/ من الآية 129 - .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 / 179 ، السؤال 194 ) .
وسبق الكلام على العدل بين الزوجات في أجوبة عديدة ، فانظري رقم (10091) ، (20455) ، (34701) .
خامساً:
اعلمي أن بر أمك واجب حتمي عليكِ ، وأنه يحرم عليك عقوقها والإساءة إليها ، ولو حصل منها ذاك الذي حصل ، وإنما عليك بذل النصح لها ، والتوجيه لأفضل الأقوال والأفعال بأحسن أسلوب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ .
رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
قال النووي – رحمه الله – :
وفيه الحث على بر الأقارب ، وأن الأم أحقهم بذلك ، ثم بعدها الأب ، ثم الأقرب ، فالأقرب ، قال العلماء : وسبب تقديم الأم : كثرة تعبها عليه ، وشفقتها ، وخدمتها ، ومعاناة المشاق في حمله ، ثم وضعه ، ثم إرضاعه ، ثم تربيته ، وخدمته ، وتمريضه ، وغير ذلك . " شرح مسلم " ( 16 / 102 ) .
وقد أحسنتِ في بذل نصف راتبك لأمك ، ونسأل الله تعالى أن يخلفك خيراً مما بذلتِ ، وأن يأجرك أجراً جزيلاً ، وليس لأمك أن تضيِّق عليك بطلب ما ليس لها فيه حق ، ولا يجب عليك دفع شيء من مالك لها إلا أن تكوني قادرة عليه ، وتكون هي بحاجة ماسة له ، وليس عندها من ينفق عليها ، وليس للوالدين – أو أحدهما – أن يتسلطا على مال أولادهم ، ويخطئ كثيرون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( أنت ومالك لأبيك ) ، وليس معنى الحديث الاستيلاء على مال الولد ، ولا هو أنه يشارك ولده في تملكه ، ولو كان هذا الفهم صحيحاً لأخذ الوالد المال كله عند وفاة ولده ، وإنما معنى الحديث أن للأب – ويدخل فيه الأم – الحق في أموال أولادهم إن كانوا لا يملكون المال ، وكان أولادهم قادرين على الإعطاء والإنفاق عليهم .
وقد بينَّا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في أجوبة الأسئلة : ( 13662 ) و ( 4282 ) و ( 82761 ) و ( 9594 ) .
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، ويفرِّج كربك ، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير .
والله أعلم