حين تفاجأ بوضع قاسٍ لم تختره ولم تتهيأ له مسبقا وعليك تتقبل مرارته رضت أم أبت تشخص عيناك الى الله ليلهمك الصبر والسلوان.
أن ترى ابنك يعاني من صعوبات في التواصل والتعلم والنمو كأنداده.. ابن مهما تقادم به العمر يظل طفلاً بحاجة لكل الرعاية والاهتمام اللذين احتاجهما في مهده، إن لم يكن أكثر.. الأصعب من ذلك أن تربي ابنك في بيئة تجهل علته.. وأدنى حقوقه في تلك الحياة.
فقد أصبح مرض التوحد وباءً يهدد اطفالنا، حيث اثبت الدراسة التي قامت بها وزارة الصحة الامريكية انه من بين ٠٥١ طفلا يوجد طفل معرض للاصابة بمرض التوحد، وهذا دليل على مستوى تفاقم المشكلة على المستوى العالمي وليس في البحرين فقط.
لمواجهة هذا التحدي الكبير لابد من وضع خطط على المدى الطويل لمواجهة هذه الاوضاع ولتوفير الخدمات لهذه الفئة من الاطفال وتقديم العون لعوائلهم، لأن الحياة تنقلب على عقبها في حال وجد عندهم طفل متوحد.
اختارت »الأيام« مناسبة اليوم العالمي »للتوحد« يوما مفتوحا لامهات يعاني ابناؤهم من مرض التوحد، نقف امام قصصهم ومعاناتهم التى مروا بها منعطفاً آخر لكشف الستار عما تعانيه تلك الاسر من مشاكل والمطالبة بحقوق ابنائهم في هذه البلاد العزيزة.
وطالبت الامهات بضرورة تكوين لجنة مشتركة من الاطباء لتشخيص حالات التوحد يكون فيها اطباء مختصون في مجال التشخيص والاعصاب والمخ والنفس لاكتشاف حالات التوحد مبكراً.
كما ابدين تخوفهن بهذه المناسبة، من مصير ابنائهم بعد تجاوزهم سن ٤١ وهم في أمس الحاجة لهذه البرامج، في الوقت التى تفتقر فيه المملكة لمراكز وتقنيات تتوافق مع اعمارهم.. متسائلين: عن مصير ابنائهم..؟؟
وناشدن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بتوفير المراكز المتخصصة لمواصلة تأهيلهم في البرامج بما يتوافق مع اعمارهم، كما طالبن بضروة تحمل الحكومة كافة الاعباء المادية لذوي الاحتياجات الخاصة وسيما اطفال التوحد بحيث ان تكاليف العلاج وتوفير المواد الغذائية باهظة الثمن، إذ ان ٠٥ دينارا التي تصرف لا تكفي لتوفير لهم الغذاء والادوية اللازمة لعلاجهم بالاضافة الى توفير لهم تسهيلات وبطاقات تعريفية عن مرضى التوحد.
وطالبن تعاون وزارات الدولة في تقديم الخدمات اللازمة وتبني مصاريف الطفل التوحدي من ناحية العلاج والتعليم والنظام الغذائي للطفل بتوفير الاطمعة وخفض اسعارها ودعم المراكز كمركز عالية من الناحية المادية لتلبية متطلبات الطفل في تلك المراكز بالاضافة الى توفير التقنيات.
وطالبن باعادة النظر في الخدمات المقدمة في مراكز الاعاقة اضافة الى ايجاد الكادر المؤهل للتعاطي مع هذه الفئة.. الامر الذي يكفل عدم اللجوء الى الخارج، وتوفير الكثير من العناء على أولياء الأمور.
قصص وتجارب الأمهات مع التوحد
ارادت »الايام« الاطلاع على هذه التجارب المختلفة، فالتقت بمجموعة من الامهات يعاني ابنهاؤهن من التوحد حيث استهلت دلال الشروقي »أم ابراهيم« حديثها قائلة: كان ابني ابراهيم يتمتع بقدرته على الكلام، بشكل بسيط، والمشكلة كانت في كيفية تطور هذه القدرة لديه مقارنة بنموه، وبهذا بدأت لديه مشكلة على صعيد النطق والتحدث، اما مشكلة التعبير السلوكي، فقد كان ابراهيم طفلا يتمتع بنشاط زائد.
وأوضحت الشروقي بأنها لم تعتمد على تشخيص طبيب واحد، بل توجهت الى عدد من الاطباء داخل البلاد وخارجها لمعرفة طبيعة مرض ابنها، ففي البداية كان التشخيص انه يعاني من مشاكل صحية وراثية، في حين قال اخصائي النطق انه لا يمكن تصنيفه ضمن اعاقة معينة، لما لديه من شوائب من كل جهة وهي ملازمة غير عادية.
وبناء على ما سبق بدأ ابراهيم علاج النطق، وبدأ يتطور خلال دراسته في بريطانيا، الا ان ام ابراهيم تؤكد انها عانت الكثير الى ان تمكنت من انتقاء مدرسة متخصصة تتلاءم مع حالة ابنها بحيث راعت ألا يختلط مع اطفال اقل منه في المستوى، بل وضعته في جو يتيح له فرصة التحدث واكتساب مهارة النطق، ولم تغفل العناية الطبية العامة، وبحكم سكنها في بريطانيا فقد راعت ان تكون هذه المدرسة الداخلية قريبة منها بحيث لا يشعر بابتعاد امه عنه، وبهذا بدأت التمس التحسن في وضع ابراهيم وقد غدا وضعه في تحسن مستمر.
وتمنت أم ابراهيم من الحكومة البحرينية ان تتبنى كل المتوحدين والاهم من ذلك ابتعاث التربية طلبة لتخصص في مجال التربية الخاصة بتخصص التوحد، مشيرة الى ان الحكومة البريطانية مهتمة بتقديم جميع الخدمات الخاصة باطفال التوحد من مواصلات وغذاء ومصاريف ومراكز متخصصة على نفقة الدولة فهي تهتم كثيرا بالاطفال البريطانيين المصابين بالتوحد.
واشارت أم ابراهيم ان المجتمع البريطاني واع ومتفهم لحالات التوحد، فهناك الجميع مدرب لتعامل مع طفل التوحد في الاماكن العامة.
ومن جانبها، قالت علياء احمد (أم محمد) البالغ ٧ سنوات: ان الاعتراف بحقيقة وضع ابنها انه مصاب بالتوحد جداً صعب ففي البداية جميع الاطباء اكدوا انه طفل طبيعي.. وقد أردت أن أصدقهم.. وكيف لا وأنا أم لا تريد أن تقبل أو تتقبل نقص ابنها أو مرضه لا سيما في هذه العمر المبكرة الى ان تقبلنا انا وزوجي الصدمة وبدأنا البحث عن مركز يعالج علته حتى وصلنا لمركز عالية.. وبعد أشهر من الانتظار تمكنت من الحاقه به وهناك شعرت بالفرق.. لم أعد مضطرة لاستخدام حفاظات له كما كنت من قبل.. وتحسنت تصرفاته الشخصية بشكل ملحوظ.. وبات يركز بشكل أفضل..
وأبدت أم محمد خوفها من مستقبل ولدها..؟؟ ومن جهتها، قالت فاطمة الفضالة (أم مبارك) انها ومنذ شهور الاولى، شعرت بان مبارك يعاني من خطب ما، فكانت ضحكته بشكل مفاجئ ودائما يهز رأسه ويبكي بهسترية.
واقترحت علي ذات مرة الشيخة رانيا عندما رأته يمشي على اطراف اصابعه عرضه على اخصائي. وذهبت للاخصائي الذي قام بتشخيصه وطلب مني أن اوقف عن ابني شرب الحليب واي منتوجات البانية لانها تسبب له الحساسية ومن ذلك الوقت اتبعنا معه حمية غذائية لان بعض المواد كانت تزيد من حدة اعراض التوحد.
بعد تشخيص حالته بحثنا عن مدرسة خصوصية امريكية تدعى »انجي« ساهمت بتحسن حالته وتأهيله، وفي الوقت الذي قمت بتسجيل مبارك في مركز عالية وتم وضعه على لائحة الانتظار طلبت منهم ان آتي الى المركز واتدرب على كيفية التعامل مع مبارك، بعدها التحق مبارك بمركز عالية لتلقي البرامج لاكثر من ٤ ساعات في الاسبوع والتى ساهمت بتحسن حالته ٠٨٪.
واشارت أم مبارك الى ضرورة توفير كوادر مؤهلة ومتخصصة في مجالات اكتشاف التوحد، فاطفال التوحد هم بحاجة بشكل دوري لتحاليل الدم وان استقدام الاخصائيين من امريكا أمر مكلف جداً، فنحن نستطيع حاليا تكفل مصاريف اطفالنا.. الى متى... سنكون قادرين على دفع تلك المبالغ الباهظة، في الوقت هناك أناس لديهم اطفال مصابون بالتوحد غير قادرين على اشراكهم في المراكز أو توفير لهم ما يحتاجونه.
ولفتت أم مبارك الى انه بالاضافة لذلك نواجه مشكلة باتت تؤرق الاسر، فالطفل المتوحد بحاجة لاتباع نظام غذائي في الوقت الذي نعاني فيه من عدم توفر تلك المواد الغذائية في المملكة، وان وجدت فاسعارها باهظة.
وقالت نورة القيس بانها لاحظت بعد شهور ان ابنتها هيا لا تحبو مثل اقرانها ولا تجلس ولا تتكلم، وعرضت البنت على الاخصائي لتشخيص حالتها والذي رشح انها تعاني من صعوبات في التخاطب وهي سمة من سمات التوحد.
في البداية لم استطع تقبل الموضوع واستمرت الايام شيئا فشئيا وبدأت اتقبل انها مصابة بالتوحد، وكنت ابحث عن مكان يهتم بمثل هذه الحالات.
طلبت مني اختي التى تعيش في الامارات ان اسجلها في مركز بالامارات يهتم بمثل تلك الحالات.لكن في الحقيقة لم اكن متقبلة الموضوع انها ستعيش بعيدا عن ناظري فالموقف جداً صعب.. وفي لحظة لم اتوقعها جاءني اتصال من الشيخة رانيا بانه تم قبول البنت في المركز، وبهذه الخبر ازاحت الشيخة هما ثقيلا كنت احمله.
لم أسمع قط عن التوحد..
وقالت حصة خلفان (أم ابراهيم) البالغ من العمر ٣١ سنة، ولدته طفلا طبيعيا ولم الحظ عليه شيئاً، بل فاق اخاه الذي يكبره بأربع سنوات في سرعة المشي والكلام، ورغم ذلك جاءت المفاجأة بعد بلوغه العامين بأنه يعاني من التوحد.
قالت: لم اسمع قط بوجود التوحد قبل ان اعلم أن ابني من هذه الفئة.. ومهما اعبر فلن اصف هول الصدمة في تلك الفترة.
وعادت أم ابراهيم الى الوراء مسترجعة تلك الذكريات العصبية، فقالت: حاولت ان ادخله روضة اطفال الا انه كان كثير الانطواء، ولم يكن يختلط مع اقرانه، الامر الذي دعا المعلمة الى وصف حالته لي، فاعتقدت بأنه لايزال صغيراً على الحضانة، واخرجته منها واعدته الى المنزل وبقيت معه، ولكن هذه المؤشرات كانت انذارا لموضوع آخر.
هذا الانطواء اعقبه سكوت، واهتزاز مستمر في الجسد، هذه الملاحظات دعتنا الى عرض ابراهيم على الطب النفسي الذي شخص الحالة مباشرة على أنها توحد.
..بعد معرفة الوضع تماما تم الحاق ابراهيم بمركز الوفاء، حيث مكث لديهم لفترة بسيطة، أعقبها معرفتهم بوجود مركز متخصص ذي مهارة عالية وتحت اشراف متخصصين متمرسين في هذا الجانب في الاردن، الامر الذي جعلهم في حيرة بين ارساله الى الاردن وضمان تطوره او بقائه في المركز دون تطوير ولا تغيير، وباحتكام العقل ووضع مصلحة الطفل فوق العواطف، اخذت ابراهيم الى الاردن وتركته هناك ٤ سنوات بعدها تم ضمه الى مركز عالية، ولكن اصابت الولد انتكاسة لان نظام التعليم بالاردن باللغة العربية وهنا باللغة الانجليزية.
حرمت من شعور الأمومة..
ووصفت أم عبدالعزيز حالة ابنها قائلة منذ الشهور الاولى كان عبدالعزيز كثير الصراخ يصل لدرجة السكر وفي لحظات وكأن شيئا لم يكن وبعد ٠١ شهور من الحالة كانت هناك مؤشرات تنبأ بشيء غير طبيعي، فكان عبدالعزيز يقفز ويتسلق الجدار، اناديه فلا يسمعني وكأنه في عالم آخر عنا بالاضافة الى انه لم ينطق حتى كلمة ماما... رقرقت عينها بالدموع الحارقة، عبدالعزيز لم يقلها ابداً... كل الاطفال ينادون امهاتهم ماما ألا انا فقدت شعور الامومة..
أصبحوا جزءاً من حياتنا
وفي سياق متصل، التقت »الايام« بالمدرسات المسؤولات على الصفوف بمركز عالية للتدخل المبكر، أشارت فاطمة التحو ان التعامل مع اطفال التوحد من اصعب الامور، فكل طفل من الاطفال بحاجة الى عناية خاصة، فلكل طفل له وضع مختلف عن الاخر، لذا تجدين لكل طفل لديه مدرسة خاصة.
وأضافت انه من خلال عملنا في مركز عالية للتدخل المبكر نحاول مساعدة الاطفال بقدر الامكان بالحب والامل حتى يصبحوا جزءا من حياتنا، فمن خلال التصاقنا بالطفل استطعنا معرفة ما يحب وما يكره وبعض السلوكيات والممارسة التى يقوم بها.
وأوضحت التحو بان سياسية المركز تقيم مستوى الطفل بعد تشخيص حالته مسبقا من قبل الاستشاريين، بعدها يقوم المركز بتقييم مستوى الطفل ودرجة التوحد من خلال التقيم الاكاديمي ومهاراته في تمييز الاشياء والالوان ومن خلال هذا التقييم يتم تحديد طريقة لكل طفل حسب اسلوبه على المستوى البسيط.
من جانبها، قالت المدرسة حنان عبدالرازق ان احتياجات طفل التوحد بشكل عام ان نعرف الطفل بشكل اكثر وقراءة اكثر حول البرامج الموجودة عن التوحد بالاضافة الى تدريب وتأهيل العاملين بشكل مستمر حول الطرق الحديثة للتدريس بالاضافة الى الدراية التامة بالمواد والادوات التدريس المتطورة التى تلائم طريقة العمل.
واشارت الى ان معظم المواد والبرامج المستخدمة لتدريس اطفال التوحد تأتي من الخارج وعادة ما تكون باهظة الثمن مما يعني صعوبة استمرار جلب تلك المواد والبرامج الملائمة لطفل التوحد.
واضافت بان هناك مهارات اخرى يحتاج اليها طفل التوحد عندما يصل لسن ٤١ عاما كالمهارات المهنية والعملية البسيطة التى يستطيع من خلالها الاندماج في المجتمع لكن افتقار المراكز لاحتضان تلك الفئة المحتاجة لدعم من الحكومة بتوفير تلك المراكز لمواصلة تعليمهم بالمهارات التى تتناسب اعمارهم، مشيرة الى ان طفل التوحد بحاجة الى اكثر من مركز يكون من المستوى المطلوب حيث ان مركزا واحدا ومدرسة واحدة لا يمكنها ان تنجز وتركز على طفل التوحد من خلال تكثيف التعليم واداء المهارات