بتـــــاريخ : 10/3/2009 8:53:29 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1168 0


    حق الطريق

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

    كلمات مفتاحية  :
    حق الطريق خطب مكتوبة

    حق الطريق

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.

    أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة ، فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من استن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد ..

    فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات : وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم وجل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

    أحبتى فى الله: حقوق يجب أن تعرف، سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الدواء العضال الذى استشرى فى جسد الأمة ألا وهو داء الأنفصال النكد بين المنهج المنير والواقع المؤلم المرير فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة وضيعت فيه حقوق الإسلام عن منهج ربها ونبيها كهذا الزمان، فأردت أن أذكر نفسى وأمتى بهذه الحقوق الكبيرة التى ضاعت، عسى أن تسمع الأمة مرة أخرى عن الله ورسوله وأن تردد مع السابقين الصادقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.

    ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء الثالث والعشرين من لقاءات هذه السلسلة المنهجية المباركة، وحديثنا الآن بإذن الله تعالى عن حق كبير جليل قل من يتحدث فيه من أهل العلم وقل من ينتبه إليه من المسلمين فضلاً عن العمل به إلا من رحم ربك جلا وعلا.

    إننا الآن على موعد مع "حق الطريق" وكعادتى حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا سوف يتنظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الحق الجليل الغريب فى العناصر المحددة التالية:

    الأول: غض البصر.

    الثانى: كف الأذى.

    ثالثا: رد السلام.

    رابعاً: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

    فأعيرونى القلوب والأسماع.

    ما أحوجنا جميعاً إلى هذا الحق الكبير الغريب، والله يجعلنا جميعاً من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر.

    أولا: غض البصر:

    أحبتى فى الله: روى البخارى، ومسلم من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى قال:" إياكم والجلوس فى الطرقات" وقالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال:" فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال:" غض البصر ، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر" ([1]).

    أيها الأفاضل:

    إن المجتمع الإسلامى الذى وضع القرآن الكريم قواعده المتينة الراسخة، وأرسى لبناته على يد المصطفى ، مجتمع فريد فى كل شئ مجتمع، سليم العقيدة مجتمع صحيح العبادة مجتمع نقى السريرة مجتمع طاهر اللسان مجتمع نظيف المشاعر والأخلاق، مجتمع له أدب مع غيره، مجتمع رباه الله جل وعلا على يدى من رباه الله على عينه ليربى به الدنيا ولم لا يكون المجتمع الإسلامى كذلك لم لا؟ وقد حوطه النبى بسياج أمين من الضمانات الوقائية التى تدفع المفاسد والشرور والفتن، وتجلب المصالح والمنافع له فى الدنيا والسعادة فى الآخرة ما ترك النبى شراً للمجتمع الإسلامى فى دينه ودنياه إلا وضحه النبى وحذره منه فهو بالمؤمنين رؤوف رحيم.

    ومن هذه الضمانات الوقائية التى تجلب المصالح وتدفع المفاسد والشرور
    قوله :" إياكم والجلوس فى الطرقات" لماذا؟ لأن الطريق العام يختلط فيه الحابل بالنابل وأرجو ألا تنسوا أن فى أول الوصية النبوية كانت لمجتمع الصحابة مجتمع الطهر والعفة.

    فكيف لو رأى النبى مجتمعات المسلمين الآن ؟

    قلت يوم فى محاضرة عامة: لو قدر الله تعالى أن يخرج رجل من السلف من قبره؛ ليتجول فى طرقات المسلمين والله ما عرف المسلمين قط وما عرف الإسلام قط؛ لأن المجتمع الإسلامى قد انحرف إنحرافا مزرياً عن قيم وأخلاق الإسلام، بل أقول باطمئنان كامل وثقة مطلقة: إن المجتمعات الإسلامية صارت تحاكى وتقلد تقليداً أعمى المجتمعات الغريبة التي لا دين لها ولا قيم ولا أخلاق.

    الرسول يحذر من الجلوس على الطرقات، يحذر من؟ يحذر الأطهار، يحذر الأبرار، يحذر الصحابة الأخيار، الذين زكاهم العزيز الغفار وعدلهم النبى المختار يقول لهم:" إياكم والجلوس فى الطرقات" فكيف يكون قول النبى لنا الآن.

    ولماذا لا نجلس فى الطرقات؟ لأن الطريق العام يختلط فيه الحابل بالنابل فهو طريق للأشراف، والسفهاء، وهو طريق للعقلاء الملتزمين، وهو طريق فى الوقت ذاته للتافهين والساقطين ممن لا يحملون هماً يؤرقهم ولا ديناً يحركهم فتراهم يجلسون على الطرقات من أجل النظر للمتبرجات المنحللات اللاتى خرجن من بيوتهن على أكمل زينة وفى أحلى صورة، خرجن يتمايلين فتميل قلوب الرجال إليهن.

    وصدق المصطفى إذ يقول كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة "صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"([2])

    والله إن القلب ليعتصر أسى وحزناً حينما أمر فى بعض طرقات المسلمين العامة فى غدوى ورواحى فأرى المسلمين ما زالوا يجلسون على الطرقات ربما إلى الفجر ويجلسون على المقاهى على نواصى الشوارع، ربما إلى بعد منتصف الليل.

    أول: سبحان الله! أين الوقت الذى يضيعه هؤلاء بل يقتلونه قتلاً ربما يجلس أحدهم على قارعة الطريق فيسمع النداء: حى على الصلاة حى على الفلاح، فلا يحترق قلبه، ولا تتحرك جوارحه، ميت القلب، عديم المشاعر والإحساس، يسمع النداء ولا يتحرك، ، بارد المشاعر، بارد الأحاسيس والمصيبة الكبرى أنه متصور أنه مؤمن كامل الإيمان ما دام يردد بلسانه كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

    كلا كلا ليس الإيمان كلمة باردة باهتة ترددها الألسنة، دخان يطير فى الهواء، ولكن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان.

    فالطرقات العامة مليئة بالمنكرات، مليئة بالمفاسد، مليئة بالفتن، فهو طريق للعزيز الشريفة الفاضلة، وطريق للمتبرجة المستهزئة المتحللة، ويزداد الألم حينما أرى شبابنا، حينما أرى شباب الأمة الذى كان من المفترض فيه أن يكون دعامة حقيقة
    لنصرة هذا الدين.

    أراه يقضى الليل كله على الشوارع ونواصى الطرقات أراه جالساً على المقاهى، فربما تشاركونى هذه النظرة، فأنا أعتبرها الآن ظاهرة ألا وهى ظاهرة انتشار المقاهى بصورة ملفتة، والذى يدمى القلب أن الكثرة الكاثرة على المقاهى الآن من الشباب لا أريد أن أعجز فما عليك إلا أن تنطلق إلى شوارع المنصورة أو إلى شوارع أى مدينة من المدن أو أى قرية من القرى على مستوى الأمة.

    لقد رأيت ذلك بعينى فى كل بلاد المسلمين أرى انتشار المقاهى وأرى كمية مؤلمة من شبابنا يجلس على المقاهى، لا هم له إلا أن يداعب صاحبة العيون الخضراء، وإلا أن يشرح مشاعر صاحبة العيون الزرقاء، وإلا أن يتندر بكلمة على الملأ يمشى فى الطريق، أو لعليل نحيف قد أكل جسده المرض وأنا لا أنكر أن مؤامرة حقيرة خطيرة قد أوصلت شبابنا إلى ما وصل إليه الآن، فالشباب الآن يقضى كل عمره فى دراسة باردة لا تسمن ولا تغنى من جوع باستثناء بعض الكليات العملية المعروفة، وإلا فما هى الثمار المرجوة من وراء هذا التعليم الطويل الممل، ثم يقضى بعد ذلك أحلى سنوات عمره لينتظر وظيفة يتمية حقيرة لا تكاد أن تطعمه خبزاً جافاً.

    إنا لا ننكر هذا الواقع، ولا أهمله، ولا أتجاهله، مؤامرة تدور على الشباب لتجعله ركاماً من تراب مؤامرة تقول لكم: تعالوا إلى الشهوات فى فظل الشراب، مؤامرة يخيط خيوطها أعداء سوء فى لؤم الذئاب.

    تفرق شملهم إلا علينا فصرنا كالفريسة للكلاب

    مؤامرة، وفى الوقت ذاته أنا لا أريد أن أعفى شبابنا من المسئولية، فوالله لوخرج الشاب يضرب فى الأرض لرزقه الرزاق والله لرزقه الرزاق كيف يرزق ربنا الكفار ولا يرزق من وحد العزيز الغفار: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } (2، 3) سورة الطلاق.

    إن لم تجد عملا فى قريتك فاذهب إلى غيرها فاذهب إلى مدينة أخرى فاذهب إلى دولة أخرى.

    المهم أن تعسى وأن تصدق النية وكن على يقين إن صدقت أن رب البرية سيرزقك فهو القائل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ1} (6) سورة هود أصدقك أبداً إن زعمت أنك تحركت بصدق ولم ترزق أبداً، لأن الله جل وعلا يقول: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ1} وعلى قدر همتك وجهدك وبذلك سيكون فضل الله عليك بموعود الله وموعود الصادق رسول الله الذى لا ينطق عن الهوى.

    قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت، وقال النبى : " إذا قامت القيامة وفى يدى أحدكم فسيلة- أى : نبتة صغيرة – فاستطاع أن يغرسها فليغرسها"([3]).

    لا تقل : قامت القيامة انظر إلى الدعوة إلى العمل إلى الجهد فالقلب يتألم حينما أرى كثيراً من شبابنا ينام فى البيت إلى ما بعد الظهر، ليقضى النهار كله فى النوم ثم ليقضى الليل كله فى السهر على الشوارع، وعلى النواصى، وعلى المقاهى، وفى الطرقات قم بعد ذلك ربما يعنف والده إن لم يوفر له مصروفاً يكفيه هو وأصحابه. مأساة بكل المقاييس.

    من هنا حذر النبى من الجلوس على الطرقات بما فيها من هذه الفتن قال:" إياكم والجلوس فى الطرقات" قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، وفى رواية مسلم نتحدث فى ما لا بأس، إنما نجلس لنتذاكر ونتحدث يعنى: لا نجلس لمعصية فبين النبى لهم أن من اضطر لحاجة أن يجلس على الطريق فعليه أن يؤدى للطريق حقه فقالوا: ما حقه يا رسول الله قال :" غض البصر" أنا أسأل وأقول: هل من يجلس فى الشوارع والطرقات لى النواصى يغض بصره عن المسلمات؟

    أنا أسأل: هل يغض بصره؟ أم تراه قد ضبط الكرسى إلى موطن الشارع على اتساعه ليرى هذه وتلك، وليدقق النظر فى هذه بعد تلك، بل وربما يجرح مشاعر مسلمة عفيفة بكلمة نابية بل وربما ذئب قلب مسلمة بكلمات خبيثة ما سمعتها من زوج يشقى ويعمل فتظن المسكينة أن الحياة الزوجية ما هى إلا هذه الكلمات التى تسمعها الآن، ولأول مرة فترجع إلى البيت ليتحول قلبها على زوجها المسكين المجتهد الصادق من أجل تذهب إلى هذا الشرير الخبيث المجرم الذى عكر قلبها على زوجها بكلمات خبيثة خطيرة هو ما يقول كلمة منها لزوجته فى بيته، لكنه خبث القلوب وبغض النفوس.

    فأول حق الطريق هو غض البصر، من عن الطريق العام إنما جلس على قارعة الطريق الأعلى أو على ناصية من نواصى الطريق من يغض البصر؟

    البصر نعمة، من أعظم النعم، ما أنعم الله بها علينا لنستخدمها فى معصية لنطلق العنان لهذا البصر اليوم إلى ما حرم الله، وإنما لتستخدم هذه النعمة فى مرضاة الله وطاعة الله {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } (20) سورة العنكبوت. {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (190، 191) سورة آل عمران. هذا البصر ستسأل عنه {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء

    فالعينان هما الحاستان المطلتان من هذا الهيكل الجسمانى على هذا الكون الفسيح بما فيه من خير وشر وحسن وقبح، وانتبه فقد ينظر الرجل أو الشاب على قارعة الطريق إلى امرأة متبرجة، ويدفق النظر ويعاود ثم يرجع إلى بيته فيرى قلبه متقلباً على امرأته حتى لو وقف فى الصلاة بين يدى الله يرى صورة المرأة أمام عينه فى بيت الله، حتى لو فتح الشاب من أبنائنا كتابه للمذاكرة، والدرس رأى صورة المرأة تقذف إليه وسط الصفحة، فإن أغمض حتى عينيه يراها وهو مغمض لعينيه. انظروا إلى خطر البصر لماذا؟ لأن البصر إن نظر ودقق تنطبع الصورة التى رأتها العين فى القلب، فلا تفارق الصورة القلب بعد ذلك إلا إذا شاء من بيده القلوب.

    اسمع لحبيب القلوب محمد الذى يقول كما فى صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان:" تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأى قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأى قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين: الأول: قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه والثانى: قلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض"([4]).

    انتبه معى لهذا اللفتة القرآنية الرائعة فقل من انتبه إليها، سترون العجب العجاب ففى سورة النور فى آية واحدة يجمع الله عز وجل فيها بين غض البصر وحفظ الفروج.

    وكأن غض البصر وحفظ الفروج خطوتان متتاليتان كلتاها قريب لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } (31) سورة النــور انظر إلى هذه اللفتة القرآنية الباهرة {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (30) سورة النــور وفى الآية الثانية: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } (31) سورة النــور فحفظ البصر وغض البصر مقدمة حتمية طبيعية لحفظ الفرج أو حفظ الفرج نتيجة حتمية لحفظ البصر.

    وفى صحيح مسلم قال المصطفى : العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان، وزناهما الاستماع، واللسان يزنى وزناه الكلام، واليد تزنى وزناها البطش، والرجل تزنى وزناها الخطأ، والقلب يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"([5])

    فأول حق من حقوق الطريق ولا أريد أن أطيل النفس فى كل حق غض البصر.

    الحق الثانى: كف الأذى:

    ففى الصحيحين([6]) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال:" الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".

    فمن الأذى أن تضع سيارتك فى الطريق؛ لتعطل سير المسلمين، من الأذى أن تترك ماء بيتك سواء كان هذا الماء طاهراً أو نجساً؛ ليتسرب إلى شوارع وطرقات المسلمين ليؤذى المارة.

    من الأذى أن يميل غصن من أغصان شجرتك المزروعة أمام بيتك؛ ليعطل سير المارة.

    فكف الأذى سواء كان مادياً أو معنوياً من حق الطريق.

    قال كما فى الصحيحين من حديث أبى موسى الأشعرى: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"([7]) فمن كف الأذى أن يسلم المسلمون فى طريقهم من أذاك المادى والمعنوى إن جلست على الطريق فلا تغمز ولا تلمز لا تغتب أحداً ولا تجلس بالنميمة بين هذه المجموعة لتنتقل بكلامها إلى مجموعة أخرى.

    إن ترك الألسنة تلقى التهم جزافاً، وتؤذى المسلمين فى كل وقت ومكان يترك المجال لكل من شاء أن يقول ما شاء فى أى وقت شاء ثم يمضى هو إلى بيته آمناً مطمئناً فتصبح الجماعة المسلمة وتمسى وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها مهدد بالاتهام وهذه حالة من القلق والشك والريبة لا يمكن أن تطاق بحال من الأحوال فمن حق الطريق كف الأذى.

    الحق الثالث رد السلام:

    قال القرطبى رحمة الله فى كتابه الماتع "الجامع لأحكام القرآن الكريم" قال:لقد أجمعت الأمة بلا خلاف أن الابتداء بالسلام سنة، وأن رد السلام فريضة، الابتداء بالسلام سنة أما رد السلام، ففرض فمن حق الطريق إن جلست أن ترد السلام.

    ويتألم الإنسان إذا قال لمجموعة من الناس يجلسون على قارعة طريق من الطرق "السلام عليكم ورحمة الله" فترد المجموعة: مساء النور، مساء الفل، مساء الورد، نحن لا نكره، النور ولا نتأذى من الفل، بل نعشق الورد، لكن ما هكذا علمنا الصادق فالنبى علمنا كل شئ كيف نلقى السلام، وكيف نرد السلام ، دخل على النبى رجل فقال: السلام عليكم فرد النبى عليه السلام.

    وجلس فقال النبى : " عشرا عشرا" أى: عشر حسنات فجاء رجل آخر فى نفس المجلس فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد النبى وجلس فقال النبى
    : " عشرون عشرون"أى " عشرون حسنة فجاء رجل ثالث فى نفس المجلس فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد النبى عليه السلام وجلس الرجل فقال النبى: "ثلاثون ثلاثون"([8]) أى: ثلاثون حسنة.

    هذا هو السلام الذى سنة لنا رسول السلام وعليك أن ترد بما ألقى
    عليك أو بأحسن.

    قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (86) سورة النساء، وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن النبى سأل: أى الإسلام خير؟ قال:" تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف([9])". يعنى: يعنى من المسلمين على من عرفت من المسلمين ومن لم تعرف من المسلمين.

    وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى قال:" لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولاً أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم"([10])

    وفى مسند أحمد، بسند صحيح من حديث عبد الله بن سلام- رضى الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله يقول:" أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا لله بالليل والناس نيام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام"([11]).

    فرد السلام فرض فمن جلس على قارعة الطريق لحاجة أو لضرورة فيجب عليه أن يرد السلام إن سلم عليه مسلم من المسلمين.

    الحق الرابع والخامس معاً:

    حق جليل كبير وأقل من يؤدى هذا الحق من المسلمين إلا من رحم ربك لا سيما فى هذه الأيام ألا وهو.

    الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:

    فهو القطب الأعظم فى هذا الدين وهو أشرف المهام التى بعث الله بها النبيين والمرسلين.

    إن أهمل عمله وطوى بساط علمه تعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الجهالة، وفشت الضلالة وهلك العباد وخربت البلاد، ولن يشعر الناس بذلك الفساد إلا فى يوم التناد، فهو شرط من شروط خيرية هذه الأمة، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(110) سورة آل عمران فمن يجلس على قارعة الطريق ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إن رأى المنكر بين يديه؟.

    وقد استشرى المنكر إن لم تؤد هذه الحقوق، فلا تجلس إن عجزت عن أداء حق الطريق فلا تجلس.

    من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والله ما واستشرت المنكرات استشرى الفساد إلا يوم أن صار المسلمون ينظرون إلى المنكرات فيهز أحدهم كتفيه، ويمضى وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد بل لقد ضاع الحياء أين حياء رجل مسلم يريد أن يزوج ابنه أو ابنته فيأتى براقصة عارية فى طريق من الطرق العامة، لتطيل هذه المجرمة الخبيثة فى عرض لحمها الرخيص أمام الرجال والشباب طوال الليل؟ ثم يقول: أنا حر، وهذا بكل أسف لا ينكر عليه وإن سبب إزعاجاً للمرضى، أما إن رفع الأذان خارج بيت من بيوت الله أو طالت المحاضرة فيشتكى الناس ويتأذى الناس.

    صار سماع صوت الأذان مؤذياً لكثير من أصحاب القلوب المريضة أما مثل هذه الحفلات الماجنة قل من تجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بل لو تقدم رجل من أهل العلم، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل فى حفل فاسد منحط كهذا وأخذ بمكبر الصوت وأراد أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر سيؤخذ به بالنواصى والأقدام، ليلقى به فى غيابات السجون.

    مأساة! صرنا نرى المنكرات فيهز أحدنا كتفيه ويمضى وكأن الأمر لا يعنيه فكثرت المنكرات وانتشر الفساد، وكثرت المعاصى والذنوب مع أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض عين على كل مسلم ومسلمة. لا عذر لأحد بين يدى الله إلا أن يأمر بالمعروف وإلا أن ينهى عن المنكر بغير منكر فأنا لا أريد أيضاً أن أحول المجتمع إلى فوضى وإنما بضوابط سأبينها الآن.

    لكن لماذا قلت: لقد أجمع أهل العلم على أن الأمر بالمعروف والنهىعن المنكر فرض عين.

    لأن منا من يستطيع أن ينكر بيديه بالضوابط الشرعية التي سأبينها ومنا من يستطيع أن ينكر بلسانه، ومنا من لا يستطيع أن ينكر بيديه أو بلسانه لكن لا عذر له بين يدى الله إن لم ينكر بقلبه، هذا يملكه كل مسلم ومسلمة.

    قال كما فى صحيح مسلم من حديث أبى سعيد الخدرى:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"([12]).

    رأيت منكراً وتستطيع أن تغيره بيديك دون أن يترتب على إنكارك لهذا المنكر ما هو أنكر فغير بيديك، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "انظروا إلى هذه الضوابط حتى لا يفهم شبابنا هذا التأصيل على غير مراد رسول الله قال ابن القيم: إن النبى قد شرع لأمته إجابة إنكار المنكر ليحصل من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر فهو أمر بمنكر وسعى فى معصية الله ورسوله ولقد كان النبى يرى مكة دار إسلام، وعزم النبى على هدم البيت الحرام ورده على قواعد إبراهيم لم يفعل النبى ذلك مع قدرته على فعل ذلك، لأن قريشاً كانت حديثه عهد بكفر، وقريبة عهد بإسلام.

    إذاً لابد فى الإنكار باليد من الموازنة بين المصالح، والمفاسد بين المنكر الأصلى وبين المنكر الذى قد يترتب على إنكارك للمنكر الأصلى.

    يأتى مجموعة من الشباب على حفل راقص ماجن ويسألون: أفتنا أيها الشيخ إننا نريد أن نذهب الليلة إلى هذا العرس لنقطع التيار الكهربائى عنه ثم نضرب كل من حضر ضرباً مبرحاً، نريد أن نغير هذا المنكر.

    والله إذا استطعنا أن نغير المنكر بالقنوات الرسمية فهذا أمر جميل لكن إن لم نستطيع وتقدمنا لتغيير المنكر بهذه الصورة ونحن على يقين أنه سيترتب على هذا التغيير ما هو أنكر من المنكر فى العرس ذاته، فعلينا حين ذلك أن ننتقل من مرحلة الإنكار باليد إلى مرحلة الإنكار فى العرس ذاته، فعلينا حين ذلك أن ننتقل من مرحلة الإنكار باليد إلى مرحلة الإنكار باللسان، فمن لا يستطيع فبلسانه ومن منا يعجز أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بكلمة طيبة بكلمة رقراقة لا يعجز أحد أبد عن هذا فإن لم يستطع تغييره
    بلسانه فبقلبه.

    ومن رحمة الله بنا أن النبى قد سمى إنكار القلب للمنكر جهاداً، وهذه
    رحمة، ففى صحيح مسلم، من حديث عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- أن
    النبى قال:" ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه يخلق من بعده خلق يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة من خردل"([13])

    أود أن أنبه المسلمين والمسلمات إلى أن الإنكار بالقلب لابد له من شطرين:

    الأول: أن يبغض قلبك هذا المنكر.

    الثانى: أن تزول أنت بنفسك عن موطن المنكر الذى عجزت عن تغييره
    بيدك أو بلسانك.

    فأتألم أشد الألم، حينما يأتى بعض الشباب إلىً وهم يشتكون إلى عرفاً فاسداً فاسقاً منحلاً فيقول لى أحدهم: يا شيخ لقد كان فى بلدتنا بالأمس عرساً أتى به صاحب العرس براقصة عارية أقو له: هل رأيت؟ يقول: نعم مكثت طوال الليل لعلهم ينتهون قبل الفجر فلم ينته العرس.

    بل وتزداد المأساة حينما يجلس المسلم والمسلمة أمام التلفاز ليعرض التليفزيون مشهداً من مشاهد الرقص الشرقى الفاضح وترى المسلم ينظر إلى هذه الراقصة ويقول: طأستغفر اله، أستغفر الله" وهو يدقق النظر فى المنكر.

    أنت ما أنكرت لا بيدك ولا بلسانك ولا بقلبك وهذه المأساة.

    وأما بقلبك فإنكار المنكر بالقلب أن يبغض قلبك المنكر، وأنت تزال بكليتك عن موطن المنكر إن لمتستطع تغييره بيديك أو بلسانك إن كنت قادراً على أن تترك مكان المنكر.

    فقد يرد على أحد المسلمين ويقول: عرض فيلم فاضح فى الأتوبيس عن طريق أشرطة الفيديو، وأنا فى سفر ولى مصلحة، ولا أستطيع أن أنزل من السيارة، لا حرج عليك فى هذه الحالة، المهم أن يعلم الله من قلبك أنك تبغض هذا المنكر وأن تغض الطرف عن هذا المنكر، وأن تفتح كتاب الله تبارك وتعالى لتقرأ فيه لتحفظ بصرك وقلبك من هذه المناظر الفاضحة {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (68) سورة الأنعام.

    أيها الأحبة: قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران لكن هناك دعوى خطيرة يقول بعض الإخوة: وما يضرنى أنا إن لم أر المنكرات قد استشرث واستفحلت ما دمت أنا، ولله الحمد قد ابتعدت عن هذه المنكرات.

    والجواب أيها الأحبة: قد يزعم بعض إخواننا أنه لا ضرر عليه ولا إثم ما دامت المنكرات بعيدة عنه، ما دام لم يقع فيها هو بنفسه، ولقد خشى الصديق رضى الله عنه من هذه الشبهة قديماً فارتقى المنبر فبين الحق، وقال بعدما حمد الله واثنى عليه:

    أيها الناس! إنكم تقرؤون آية فى كتاب الله وتضعونها فى غير موضعها ألا وهى قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة المائدة.

    وقال الصديق: وإنى سمعت رسول الله يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده"([14]) وفى لفظ:" أن الناس إذا رأوا الظالم ولم ولم يأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمهم جميعاً بعذاب من عنده ثم يدعونه فلا يستجاب لهم" هذا هو الواقع.

    وفى الصحيحين من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش- رضى الله عنها- أن النبى قام يوماً من نومه عندها فزعاً أو دق عليها فزعاً وهو يقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، وفتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل مثل هذا" وحلق النبى بأصبعيه الإبهام والسبابة، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا فقالت زينب: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:" نعم إذا كثر الخبث"([15]).

    وأنا أقسم بالله إن الخبث قد كثر، نعم إذا كثر الخبث فنحن جميعاً نركب سفينة واحدة، يركبها الصالحون مع الصالحين، فإن نجت السفينة- أى سفينة مجتمع نجى الصالحون مع الصالحين ؛ وإن هلكت السفينة هلك الصالحون مع الصالحين.

    ففى صحيح البخارى من حديث نعمان بن بشير أن البشير النذير قال: " مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً حتى لا تؤذى من فوقنا" قال النبى :" لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعا ولو أخذوا على أيديهم لنجوا جميعاً"([16]) فيجب على أهل الإصلاح والصلاح أن يأخذوا على أيدى السفهاء والطالحين.

    إن عجزت بيدك فبكلمة رقيقة رقراقة عذبة حلوة أو برسالة مهذبة أو بتليفون هاتف هادف المهم أن لا تكون سلبياً، فإن السلبية تخيم الآن على أسماع الأمة ويعلق كثير الأخطاء على غيره، على الحكام، على العلماء، على اليهود على غيرهم، وينسى أحدنا أن ينظر إلى خطته هو، وإلى تقصيره هو، وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من هذا فقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (165) سورة آل عمران.

    الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الأمر بالمعروف بمعروف والنهى عن المنكر بغير منكر حق من أعظم حقوق الطريق قال المصطفى : "إياكم والجلوس فى الطرقات" قالوا: يا رسول الله ما لنا من بد من مجالسنا لنتحدث فيها قال:" إذا أتيتم إلى المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق؟ قال:" غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر"([17]).

    (1) أخرجه البخارى فى كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها (5/2465)، ومسلم فى اللباس والزينة، باب النهى عن الجلوس فى الطرقات وإعطاء الطريق حقه (3/2121) وأبو داود فى كتاب الأدب، باب الجلوس فى الطرقات (4/4815) وأحمد فى مسنده (3/36).

    (1) أخرجه مسلم فى كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات ( 3/2128)، وأحمد فى مسنده (2/356)، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/234).

    (1) أخرجه البخارى فى الأدب المفرد، باب اصطناع المال (181، 479)، وأحمد فى مسنده (3/184).

    (1) أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبا (1/144)، وأحمد فى مسنده (5/386).

    (2) أخرجه مسلم فى كتاب القدر، باب قدر على الله ابن آدم حظه من الزنى وغيره (4/21 قدر)، وأحمد فى مسنده (2/343)، وأخرجه البخارى فى كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج (11/6243)، ومسلم فى القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره (4/2657) عن أبى هريرة بنحوه.

    (1) أخرجه البخارى فى افيمان، باب أمور الإيمان (1/9)، ومسلم فى كتاب الإيمان، باب عدد شعب الإيمان، وأفضلها وأدناها (1/58 إيمان)، وأبو داود فى كتاب السنة، باب رد الإرجاء (4/4676)، والترمذى فى الإيمان ، باب ما جاء فى استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه (51/2614)، والنسائى فى الإيمان، باب ذكر شعب الإيمان (8/50190)، وابن ماجه فى المقدمة فى المقدمة، باب فى الإيمان (1/5070)، وأحمد فى مسنده (2/414).

    (2) أخرجه البخارى فى الإيمان باب المسلم من سلم من المسلمون من لسانه ويده (1/11)، ومسلم فى الإيمان، باب تفاصيل الإسلام وأى أموره أفضل (1/420)، والترمذى فى الإيمان، باب ما جاء فى أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (5/2628)، والنسائى فى الإيمان، باب أى الإسلام أفضل (8/5014)، وأحمد فى مسنده (2/163).

    (1) أخرجه أبو داود فى الأدب، باب كسف السلام ؟ (4/5195)، والترمذى فى كتاب الاستئذان، باب ما ذكر فى فضل السلام (5/2689)، والدارمى فى كتاب الاستئذان باب فى فضل التسليم ورده (2/2640)، وأحمد فى مسنده (4/439 ، 440)، وابن حبان فى صحيحه (1933 إحسان)، وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

    (1) أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام (1/12)، ومسلم فى الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأى أموره أفضل (1/39)، وابو داود فى الأدب، باب فى إفشاء السلام (4/5194)، والنسائى فى الإيمان، باب أى الاسلام خيراً (8/5015)، وابن ماجه فى الأطعمة، باب إطعام الطعام (2/3253).

    (2) أخرجه مسلم فى الإيمان، باب بيان أن لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (1/54)، وأبو داود فى الأدب، باب إفشاء السلام (5/2688) وابن ماجه فى المقدمة، باب فى إفشاء السلام (2/3693)، وأحمد فى مسنده (2/391)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/232).

    (3) أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة، باب (42) (4/2485)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة، باب ما جاء فى قيام الليل (1/1334)، وأحمد فى مسنده (5/451)، والحاكم فى المستدرك ، كتاب البر والصلة (4/160)، وقال أبو عيسى: حديث صحيح، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.

    (1) أخرجه مسلم فى افيمان، باب بيان كون النهى عن المنكر من الإيمان (1/49)، وأبو داود فى الصلاة، باب الخطبة يوم العبد (1/1140)، والترمذى فى الفتن، باب ما جاء فى تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب (4/2172)، والنسائى فى الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان (8/5024)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فى صلاة العيدين (1/1275)، وأحمد فى مسنده (3/20).

    (1) أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان، باب كون النهى عن المنكر من الإيمان (1/50)، وأحمد فى مسنده (1/458)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/90).

    (1) أخرجه أبو داود فى كتاب الملاحم، باب الأمر والنهى (4/4338)، والترمذى فى كتاب تفسير القرآن، باب "سورة المائدة" (5/3057)، وأحمد فى مسنده (1/7)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/91)، وقال أبو عيسى، حديث حسن صحيح.

    (2) أخرجه البخارى فى كتاب الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج (6/3346)، ومسلم فى كتاب الفتن واشراط الساعة، باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج (4/2280)، والترمذى فى الفتن، باب ما جاء فى خروج يأجوج ومأجوج (4/2187)، وابن ماجه فى الفتن، باب ما يكون من الفتن (2/3953)، وأحمد فى مسنده (6/428).

    (1) أخرجه البخارى فى كتاب الشركة، باب هل يقرع فى القسمة والاستهام فيه (5/2493)، والترمذى فى الفتن ، باب ما جاء فى تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب (4/2173)، وأحمد فى مسنده (4/268).

    (2) سبق تخرجه.

    كلمات مفتاحية  :
    حق الطريق خطب مكتوبة

    تعليقات الزوار ()