بتـــــاريخ : 10/3/2009 9:43:45 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1005 0


    حق القرآن

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

    كلمات مفتاحية  :
    حق القرآن خطب مكتوبة

    حق القرآن

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله:

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران: 102.

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 ، 71.

    أما بعد ..

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.

    ثم أما بعد ...

    فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله عز وجل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الذى جمعنا فى هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

    أحبتى فى الله:

    حقوق يجب أن تعرف سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الداء العضال الذى استشرى فى جسد الأمة ألا وهو الانفصام النكد بين منهجها المنير وواقعها المؤلم المرير، فأنا لا أعرف زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها كهذا الزمان فأردت أن أذكر نفسى وأمتى بهذه الحقوق الكبيرة التى ضاعت لعلها أن تسمع من جديد عن الله عز وجل، ولعلها أن تسمع من جديد عن رسول الله r ، وتردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.

    ونحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء الثلاثين من لقاءات هذه السلسلة الكريمة مع حق كبير جليل ألا وهو (حق القرآن).

    وكعادتى وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الحق الجليل فى العناصر التالية.

    أولاً:مصدرية القرآن دليل على إعجازه.

    ثانياً: كيف جمع القرآن ووصل إلينا.

    ثالثاً: حق القرآن.

    فأعيرونى القلوب والأسماع

    فأعيرونى القلوب والأسماع بل والكيان كله، فإن الموضوع والله من الجلال والأهمية والخطورة بمكان، والله أسأل أن يرد الأمة ردا جميلاً إلى القرآن والسنة إنه ولى ذلك والقادر عليه.

    أولاً: مصدرية القرآن دليل على إعجازه:

    أحبتى فى الله القرآن كلام الله جل وعلا، وهذا أعظم دليل على إعجاز القرآن، فمصدرية القرآن دليل على إعجازه فهو كلام الله الذى يصل فضله على كل الكلام كفضل الله على كل الخلق، فهو كلام الله الذى يصل فضله على كل الكلام كفضل الله على سائر الخلق.

    القرآن هو كلام الله الذى تحدى به البشرية عامة وتحدى به المشركين خاصة وما زال التحدى قائماً إلى يوم القيامة قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (88) سورة الإسراء فلما عجزوا عن الإتيان بقرآن مثله فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (13) سورة هود فعجزوا فخفف الله التحدى إلى أقل درجاته فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن الجليل فعجزوا قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (38) سورة يونس. قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (23، 24) سورة البقرة.

    أيها الأفاضل كلام الله جل جلاله ألا وهو القرآن الكريم الذى لو أنزله الله على جبل لتصدع الجبل من خشية الجليل قال سبحانه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر.

    كيف تخشع الجبال للقرآن ولا تخشع القلوب؟ سؤال مرير كيف تتصدع الجبال للقرآن ولا تتحرك له القلوب: ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف:

    الصنف الأول: ميت القلب فهذا لو سمع القرآن كله ما تدبر وما تأثر.

    الصنف الثانى: حى القلب لكنه معرض عن القرآن، حى القلب لكنه لا يسمع بأذن رأسه ولا بأذن قلبه لآيات الله المتلوة، ومن ثم هو لا يتأثر البتة بآيات الله المتلوة والمرئية فى الكون؛ لأنه معرض بسمعه وقلبه عن الله جل وعلا هؤلاء هم أهل
    الغفلة عياذا بالله.

    الصنف الثالث: حى القلب منتفع بالآيات المتلوة والمرتبة قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق. فرجل حى القلب ومع ذلك إذا سمع من الله أصغى بسمعه واستجمع كل كيانه وكل جوارحه بإنصات وخشوع ليسمع عن الله إذا سمع ربه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } (1) سورة المائدة. أصغى بسمعه وانتبه غاية الأنتباه لأن الذى ينادى عليه ربه، فإما خيراً سيأمر به وإما شراً سينهى عنه، فإذا تلى عليه القرآن الكريم تأثر فخشع قلبه واقشعرت جوارحه وانطلق ليحول هذا الكلام الغالى الجليل إلى واقع عملى فى دنيا الناس.

    هذا هو الذى ينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المشهودة أى: المرئية فى الكون من عرشه إلى فرشه، فالقرآن تخشع وتتصدع له الجبال ولا تتحرك له القلوب الموات لذا قال عثمان رضى الله عنه: والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا.

    هذا القرآن تصور أن المشركين فى مكة كانوا يخافون على أنفسهم من سماع القرآن تصور معى مرة أخرى أن المشركين أنفسهم كانوا يخشون على أنفسهم من سماع القرآن لماذا؟ لأن القرآن كان يصدع عناد الكفر والكبر فى قلوبهم بل فى السنة الخامسة من البعثة النبوية المطهرة انطلق النبى r إلى بيت الله الحرام ليصلى لله جل وعلا على مرأى ومسمع من صناديد الشرك والكفر، فكانوا يكرهون ذلك حتى قال اللعين أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهرنا بمعنى أيسجد محمد لربه على مرأى ومسمع منا فى الكعبة. واللات والعزى إن أتى محمد ليصلى لأطأن عنقه أى: لأضعن رجلى أو حذائى ووقف يصلى لله تعالى فلما سجد انطلق اللعين أيو جهل وهو يهيأ له أنه سيطأ عنق النبى وهو ساجد، فلما اقترب من رسول الله r عاد إلى الخلف يجرى وهو يدفع بيديه هكذا هكذا وكأنه يرد عن وجهه شيئا فلما اقترب من المشركين قالوا: ماذا يا أبا الحكم؟! لماذا رجعت لماذا جريت بهذه الصورة المزرية؟ فقال أبو جهل: إن بينى وبين محمد خندقا من نار وإنى أرى أجنحة.

    فلما أنتهى النبى من صلاته قال قولته الجميلة:" والذى نفس محمد بيده لودنا- أى: لو اقترب منى- لاختطفته الملائكة عضوا عضوا".

    الشاهد دخل النبى r ليصلى لله جل جلاله والمشركون ينظرون إليه بتغيظ شديد ورفع الحبيب صوته بالتلاوة فقرأ سورة النجم كاملة، وأرجو أن تتصور حلاوة وجلال القرآن وهو يخرج من فم الحبيب.

    الرسول هو الذى يتلو فليست التلاوة الآن لبشر عادى يتلو والمشركون يسمعون القرآن من فم رسول الله r وقرأ النبى السورة كاملة وقرأ فى آخر السورة آيات جليلة تخشع لها الحجارة وتخشع لها الجبال والقلوب: {أَزِفَتْ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ* أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} (57، 61) سورة النجم. أى: ترقصون وتطلبون وتزمرون {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا*} (62) سورة النجم. وخر النبى لله ساجدا لربه.

    اسمع... فلم يتمالك أحد من المشركين نفسه فخر ساجداً لله هل تتصورون هذا أيها الأفاضل.

    نعم الحديث رواه الإمام البخارى فى كتاب سجود التلاوة رواه مختصراً من حديث ابن عباس رضى الله عنه: سجد r بالنجم.. أى: بسورة النجم.. وسجد معه المشركون والمسلمون والجن والأنس ([1]) .

    نعم الجن : {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} الجن هم الذى يتحدثون عن القرآن {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (1، 2) سورة الجن .

    سجد النبى معه المسلمون والجن والإنس وهذا هو السر يا طلبة العلم الذى جعل المهاجرون الأوائل الذين هاجروا من بطش المشركين فرارا من مكة إلى الحبشة، هذا هو السر الذى جعلهم يرجعون يرجعون من الحبشة بعد هجرتهم الأولى لما بلغهم الخبر بأن المشركين سجدوا خلف رسول الله r ظنوا أنهم آمنوا بالله جل وعلا فعادوا إلى مكة ولكنهم عندما رفعوا رؤوسهم جميعا أنكروا ما فعلوه وما صنعوه ولكنه القرآن الذى صدع عناد الكفر فى رؤوسهم، فسجدوا جميعا لله من جلال القرآن وروعته وعظمته نعم أيها الأفاضل الوليد بن المغيرة والد فارس الإسلام وسيف الله المسلول والد خالد بن الوليد كان متعنتاً متكبراً منكرا فلما ذهب إلى النبى r ليعرض عليهم الملك والجاه والسلطان حتى يرجع إلى دين آبائه وأجداده، وقد قرأ عليه النبى (ص) آيات جليلة من القرآن الكريم قال الوليد كلماته الخالدة فى حق القرآن- والحق ما شهدت به الأعداء- قال الوليد: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو
    ولا يعلى عليه.

    هذا هو الصحيح هذه هى الكلمات الصحيحة وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ... هذه شهادة كافر عنيد للقرآن فلما انطلق بهذه الكلمات للمشركين قالوا: إذا صدق والله الوليد إذا لتصبأن قريش كلها وعاد حتى لا تضيع زعامته فى القوم ففكر وقدر الأمر من جميع جوانبه ثم عاد ليعلن شهادته الظالمة فى حق النبى r كما قال ربنا جل وعلا فى شأن الوليد: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا* إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ} (11، 28) سورة المدثر . انظر إلى شهادته فى حق القرآن قال الله تعالى لنبيه r : {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} (33) سورة الأنعام.

    السؤال الثانى: على وجه السرعة كيف وصل إلينا القرآن؟ هذا هو عنصرنا الثانى كيف جمع القرآن وكيف وصل إلينا المصحف الإمام؟

    والجواب باختصار سريع:

    المرحلة الأولى من مراحل جمع القرآن: كانت فى عهد الحبيب المصطفى r وهى المرحلى التى جمع فيها فى صدر النبى وفى صدور الصحابة، من الله عليهم بملكة حفظ جليلة، وحفظ النبى r القرآن فانتقل القرآن من صدر النبى r إلى صدور الصحابة رضوان الله عليهم بل كان النبى r من شدة حرصه على حفظ القرآن يتعجل التلاوة خلف أمين السماء فنزل قول الله جل وعلا: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (16، 17) سورة القيامة. أى: قراءة جبريل عليه السلام {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (16، 19) سورة القيامة . سيبينه الله لرسوله r فجمع القرآن فى صدر النبى r واتخذ النبى r مجموعة من كتاب الوحى كزيد بن ثابت رضى الله عنه الذى سماه الإمام البخارى بكاتب النبى r وكأبى بن كعب، وعبد الله بن مسعود وغيرهم رضى الله عنهم، فكان النبى إذا نزل عليه جبريل بالآية أمر كتاب الوحى فنسخوها فى اللخاف والعسب، واللخاف نوع من أنواع الحجارة الرقيقة التى كانت تنحت أو يكتب عليها، والعسب جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكتبون عليه أيضاً فكان يأمر النبى r كتبة الوحى بكتابة الآيات كما يمليها عليهم رسول الله r وظل القرآن فى هذه المرحلة فى اللخاف والعسب أى: فى جريد النخل ومكتوب على الحجارة وفى صدور الرجال إلى أن مات سيد الرجال r.

    أما المرحلة الثانية: فلقد كانت فى عهد أبى بكر- رضى الله عنه- لما وقعت معركة اليمامة بين مسيلمة الكذاب وبين الصحابة قتل فى هذه المعركة عدد هائل من الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن فى صدورهم فجاء الملهم عمر رضى الله عنه إلى الصديق المسدد أبى بكر وقال عمر للصديق: يا أبا بكر يا خليفة رسول الله اجمع القرآن فى مصحف واحد.

    فقال الصديق الذى كان مثالاً للإخلاص والاتباع: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله، لا ... فقال عمر: هذا والله خير ... والحديث فى صحيح البخارى قال الصديق: فمازال عمر يراجعنى- أى: يجمع القرآن فى المصحف- حتى شرح الله صدرى بقول عمر: فأرسل إلى زيد بن ثابت رضى الله عنه.

    اسمع ... فقال الصديق لزيد- والحديث فى صحيح البخابرى كما ذكرت- قال الصديق: يا زيد إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك.

    انظروا يا شباب الإسلام إلى شباب الصحابة فزيد بن ثابت كان شاباً فى ريعان شبابه، واختاره النبى كاتباً من كتاب الوحى بل سماه البخارى كاتب النبى r
    يالها من كرامة.

    إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك فتتبع القرآن واجمعه قال زيد: والله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرنى به من جمع القرآن.

    أنظروا إلى أصحاب الهمم العالية الذين يقدرون المسؤوليات الضخام الجسام قال: والله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرنى به من جمع القرآن قال: فتتبعت القرآن فجمعته من اللخاف أى: من الحجارة الرقيقة ومن العسب أى من جريد النخل وصدور الرجال وجمع القرآن فى صحف ضخمة عديدة، وانتقلت هذه الصحف إلى بيت الصديق رضى الله عنه فلما توفى الصديق انتقلت الصحف إلى بيت عمر- رضى الله عنه- فلما توفى عمر- رضى الله عنه- انتقلت الصحف إلى أن المؤمنين حفصة زوج النبى r ([2]).

    أما المرحلة الثالثة: والكبيرة والخطيرة كانت فى عهد عثمان رضى الله عنه ففى صحيح البخارى أن حذيفة بن اليمان عاد إلى عثمان رضى الله عنه بعد غزوة أرمينيا فى الشام مع أهل الشام وبعد غزوة أذربيجان مع أهل العراق دخل حذيفة على عثمان فزعا وهو يقول: يا أمير المؤمنين أدرك الأمة قبل أن يختلفوا فى كتاب ربهم كما اختلف اليهود والنصارى قال عثمان: وما ذاك؟ رأى حذيفة أهل الشام يقرؤون القرآن بقراءة أبى بن كعب ، ورأى حذيفة أهل العراق يقرؤون لقرآن بقراءة عبد الله بن مسعود، فكان أهل الشام يسمعون قراءة من أهل العراق لم يسمعوها من قبل، وكان أهل العراق يسمعون قراءة من أهل الشام لم يسمعوها من قبل، فاختلفوا اختلافا شديداً حتى كفربعضهم بعضا فجاء حذيفة فزعاً: أدرك لأمة قبل أن تختلف فى كتاب ربها، كما أختلف اليهود والنصارى مع أن الله عز وجل من رحمته وتيسيره على الخلق قد أنزل القرآن على سبعة أحرف كما قال النبى r :" إنما أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف". لا حرج أن تقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. وفى قراءة (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ينبأ فتثبتوا) والقراءاتان عن رسول الله r وكانت بعض القبائل لا تستطيع أن تنطق حروفاً محددة كانوا مثلا ينطقون حرف الحاء عينا فيقول: حتى عتى حين عين فنزل القرآن ميسراً على سبعة أحرف، قرأها النبى r فلما سمع أهل الشام القراءة ما سمعوها من أبى وسمع أهل العراق قراءة ما سمعوها من عبد الله بن مسعود رضى الله عنه اختلفوا فأرسل عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى حفصة أم المؤمنين أرسلى إلينا بالصحف أى: التى جمعت فى عهد الصديق رضى الله عنه إلى حفصة أن المؤمنين أرسلى إلينا بالصحف أى: التى جمعت فى عهد الصديق رضى الله لننسخها فى مصحف واحد فأرسلت حفصة المصحف إلى عثمان فأرسل عثمان إلى كاتب النبى زيد بن ثابت رضى الله عنه وإلى مجموعة من أصحاب رضى الله عنه إلى مجموعة من أصحاب رسول الله، وأمرهم أن ينسخوا الصحف فى مصحف ونسخوا مجموعة من هذا المصحف الواحد مجموعة كثيرة وأرسل عثمان إلى كل مصر من الأمصار- أى كل بلد من البلدان- بمصحف واحد إمام، وأمر ببقية الصحف غير هذا المصحف الإمام أن تحرق([3])

    وبذلك جمع عثمان رضى الله عنه الأمة كلها على مصحف واحد قرأ به كله نبينا r وهذا هو المصحف الذى تجدونه بين أيديكم الأن وهو يسمى بالمصحف الإمام أى : الذى جمعه عثمان رضى اله عنه من الصحف كلها فلقد قال الصحابة: فإن اختلفتم فى الكتابة مع زيد فاكتبوا بلسان قريش فإنه قد نزل بلسانها أى: بالقراءة التى حفظها أصحاب النبى r من قريش.

    لهذا أيها الأفاضل حفظ الله القرآن الكريم فلم تتغير منه آية ولم تتبدل منه كلمة ولم يحذف منه حرف فما تولى الله حفظة لا يضيعه أحد: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.

    أعبد .... ما تولى الله حفظة لا يضيعه أحد. أيها الأفاضل فما حق القرآن وهذا هو العنصر الثالث من عناصر اللقاء وإن كان لابد من هذه المقدمة الموجزة لنقف جميعا على هذه الكلمات الجليلة التى قدمت.

    ما حق القرآن؟ هل أنزل الله القرآن ليقرأ على الأموات فى القبور؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع فى العلب القطيفة الفخمة الضخمة التى توضع فى مؤخرة السيارة، وفى غرف الصالون؟ هل أنزل الله القرآن ليوضع فى البراويز الفضية والذهبية ويعلق على الجدران والحوائط؟ هل أنزل الله القرآن ليحلى به النساء صدورهن فى مصاحف صغيرة؟ هل أنزل الله القرآن ليهديه الحكام والزعماء إلى بعضهم البعض، فترى الحاكم يستلم المصحف منحينا على كتاب الله ليقبله بخضوع جسدى كامل كأنه عثمان بن عفان فى الوقت الذى يضيع فيه شريعة هذا القرآن: {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (2) سورة طـه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به أو لتشقى الأمة من بعدك به أو لتشقى بحدوده وأوامره ومناهيه وتكاليفه، كلا بل لقد أنزل الله عليك القرآن لتقيم به أمة لتحيى به أمة لتقيم به دولة لتسعد به البشر فى الدنيا والآخرة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.

    فمن أعظم حقوق القرآن على الأمة التى أنزل الله على نبيها القرآن آن تقرأ القرآن بتدبر بتفهم بتعقل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد فأول حق أن نقرأ القرآن "والحسنة بعشر أمثالها أما إنى لا أقول آلم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف".

    وفى صحيح مسلم من حديث أبى أمامة أنه r قال: اقرؤوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"([4]) وفى الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبى r قال:" لا حس- والحسد هنا بمعنى الغبطة- إلا فى اثنين رجل لآتاه الله القرآن فهو يقوم به – أى: بتلاوته- آناء النهار"([5])

    وفى الصحيحين من حديث عائشة .... وهذه بشرى لمن يشعر بصعوبة وهو يقرأ القرآن لمن ينطق بالكلمة أو الحرف كأنه يحمل حجرا لأنه لا يحسن التلاوة ولا يجيد القراءة اسمع ماذا قال النبى الصادق فى حقه والحديث فى الصحيحين من حديث
    عائشة قال r: " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة- أى الملائكة- الماهر بالقرآن- أى الذى يقرأ القرآن بمهارة ويحسن الأداء والتلاوة- مع السفرة الكرام البررة- أى منزلته مع الملائكة- والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه
    شاق فله أجران"([6]).

    ولا شك أن الأول أفضل لما دلت عليه المعية الكريمة من صحبة الملائكة لكن الذى يقرأ القرآن بصعوبة له أجران، أجر على التلاوة وأجر على مواصلته للقرىءة بمشقة وصعوبة ، وفى الحديث الذى رواه الطبرانى وصححه الألبانى أن النبى r قال: "أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لا تهلكوا أبدا فإن تمسكتم به لن تهلكوا أبدا".

    وفى صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه أن
    النبى r قال:" يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به يقدم القرآن سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان، كأنهما غمامتان، أو غيابتان أو حزقان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما"([7]) أى: بين يدى الله جل وعلا.

    أيها الأفاضل فضل القرآن عظيم وفضل التلاوة عظيم كما ذكرت فضل القرآن على كل كلام كفضل الله على كل خلقه، بعد حق التلاوة بتدبر بتفهم يأتى حق السماع لمن لا يحسن التلاوة اسمع القرآن ممن يحسن التلاوة، أيضا عليه أن يكثر السماع للقرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف . ولا يسمع القرآن إلا صاحب القلب الحى الذى ذكرت هذا هو الذى يصغى بأذن رأسه وأذن قلبه ليسمع عن الله جل وعلا لينتفع بآيات الله المتلوة وآيات الله المرئية فى الكون من عرشه إلى فرشه، ثم حق العمل بالقرآن ما أعظم من تغافل عن أدائه والله ما ذلت الأمة لكلاب الأرض من الإرهابيين السفاحين من اليهود ، ولأنجس أهل الأرض من عباد البقر الهندوس ولأكفر أهل الأرض من الملحدين الملاعين الروس ولغيرهم من أرذل أمم الأرض إلا يوم أن أعرضت عن القرآن، والله ما هانت الأمة إلا يوم أن نحت القرآن وهجرت التحاكم إلى القرآن، وضيعت العمل بالقرآن أعلنها بملء فمى وبأعلى صوتى.

    يوم استبدلت الأمة بالعبير بعرا، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريقا محرقا مدمرا، يوم تركت الأمة سفينة النجاة الوحيدة وركبت قوارب الشرق الملحد تارة، وقوارب الغرب الكافر تارة وقوارب الوسط الأوروبى تارة، غرقت غرقت فى أو حال الذل، غرقت فى بحار من الظلمات ومن الفتن يوم أ، نحت الأمة القرآن هانت لأحقر أمم الأرض.

    فبالقرآن تحولت الأمة العربية إلى أمة مسلمة أذلت الأكاسرة وأهانت القياصرة، وغيرت مجرى التاريخ فى فترة لا تساوى فى حساب الزمن شيئاً فتحولوا فى قلب الجزيرة العربية، تحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم يوم أن أنصتوا بآذان القلوب وآذان الرؤوس إلى القرآن يتلى على رسول الله r ، فانطلقوا ليحولوا هذا القرآن فى دنيا الناس إلى واقع يتألق سموا وعظمة وجلال تحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم يوم أن نطق العربى فى قلب الجزيرة كلام الله بل تفاعلوا مع القرآن بصورة مذهلة للعقول فى هذا الزمان حتى قال: لا أقول صحابيا بل أعرابى سمع رجلا يوما يتلو قول الله جل وعلا: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} (22، 23) سورة الذاريات .

    فقال الأعرابى وليس صحابيا فقال الأعرابى: من ذا الذى أغضب الكريم
    حتى يقسم؟

    إلى هذا الحد من التفاعل مع القرآن .. كانت الآية تنزل فيقرأها النبى فتتحول فى التو واللحظة إلى واقع ... كان الصحابة فى المدينة يشربون الخمر ولم تحرم بعد، فلما دخل صحابى عليهم، وكؤوس الخمر بينهم وقرأ عليهم قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90) سورة المائدة. فلما قرأ الآية عليهم والله ما أكمل صحابى جرعة الخمر فى يده ما قال: نكمل هذه الجرار، وهذه الكؤوس وننتهى لا بل قام أنس بن مالك فسكب آنية وجرار الخمر وسكب الصحابة الخمر فى الشوارع حتى سالت فى طرقات المدينة وقالوا على لسان رجل واحد: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.

    أيها الأحبة الكرام أقول لما حول الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم إلى واقع عملى، ومنهج حياة سادوا الأمم، وحولوا العالم كله إلى عالم كثيب أهيل، وأحالوه ركاما فى ركام فى فترة لا تساوى فى حساب الزمن شيئا على الأطلاق.

    لما قرأ الأعرابى قول الله وقرأ العربى فى الجزيرة قول الله وتحرك للقرآن قلبه وانتفض للقرآن جوارحه، وتحول هذه الكلام فى حياته إلى منهج حياة صار قائدا.... والله ما عرفنا عمر وما عرفنا خالد بن الوليد وما عرفنا الصديق، وما عرفنا أبى بن كعب، وما عرفنا زيد بن ثابت ما عرفنا الصحابة إلا بعد أن أحياهم ربنا تبارك وتعالى بفضل هذا القرآن إلا بعد أن أخرجهم ربنا سبحانه وتعالى من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، والإيمان بهذا القرآن الذى كان يتلوه عليهم النبى r . ظلت الأمة ترفل فى ثوب العزة والكرامة ، وهى تطبق آيات وأحكام هذا الكتاب، فلما نحت أمر القرآن فقد صارت الأمة قصعة مستباحة لأمم الأرض وأعلنها أعداؤنا مراراً وتكراراً: لابد أن يظل القرآن بعيدا عن ساحة المعركة، لابد أن يظل القرآن بعيداً عن ساحة المعركة كما أعلنها الحقود فلانستون وغيره؛ لأن القرآن لو ترك إلى ساحة المعركة تحولت المعركة إلى جهاد فى سبيل الله: وهذا هو الذى حرك الدنيا كلها وحرك العالم كله يوم أن تحولت المعركة على أرض فلسطين إلى معركة يظلل سماءها كلام رب العالمين وكلام سيد المرسلين حينما ترددت لفظة الجهاد لفظة الشهادة لفظة العمليات الاستشهادية ، لما ترددت هذه الألفاظ تحرك العالم كله.

    والله والله لا كرامة الآن لأى زعيم ولا لأى حاكم إلا بفضل أطفال الحجارة هؤلاء هم الذين ردوا للأمة الآن شيئاً من اعتبارها شيئاً من كرامتها شيئا من عزتها، ولأول مرة فى التاريخ الحديث نرى أن اليهود أنفسهم يعيشون الآن حالة فزع ورعب مع ما يتحصنون به من ترسانة عسكرية أمريكية حديثة لم يبق لها مثيل يعيشون الآن حالة من الرعب والفزع، لما علم أولادنا وشبابنا فى أرض المعركة أن الأمة تخلت عنهم ولم تنصرهم، وأن العالم الغربى الكافر لا ينصر إيمانا ولا توحيدا فعاهدوا الله جل وعلا على الجهاد فى سبيله ورددوا القولة الجميلة: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران. وعلموا يقينا قول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (120) سورة البقرة. ورددوا بيقين منقطع النظير قول الله تعالى: {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (73) سورة آل عمران. وعلموا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة. وسعدوا كثيرا بقراءة قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) سورة آل عمران . لما تعامل جيلنا الآ فى أرض فلسطين مع القرآن وفهم هذه الآيات وعلم شبابنا عقيدة القوم لا على ألسنة البشر لا على ألسنة المفكرين والكتاب، بل عرف شبابنا عقيدة القوم من كلام رب العالمين، ومن كلام سيد النبيين وسيد الصادقين r ، انطلقوا بهذه العقيدة التى حولت مجريات الأمور، لما حول شبابنا شيئاً من حقائق هذا القرآن على أرض الواقع إلى منهج حياة، انقلبت الأمور كلها وتغيرت تماماً فبالأمس فقط شاب يضحى بنفسه لله جل وعلا، أسأل الله أن يتقبله عنده من الشهداء حرك هؤلاء، والله ما حرك هؤلاء إلا كلام الله وكلام الصادق رسول الله r .

    أقسم بالله أم فلسطينية رزقها الله بست بنات وولد. الولد فى العاشرة من عمره يخرج الولد ابن العاشرة يحمل حجارة ويلبس زياً عسكرياً فيقول له أحد الكبار من الشيوخ حينما رآه طفلا فى العاشرة قا له: ما اسمك يا بنى؟ قال: محمد قال: إلى أين أنت ذاهب؟ قال ابن العاشرة: إلى الجهاد إلى الجهاد قال: إلى الجهاد... أين؟ قال: فى سبيل الله قال له الشيخ: أين أبوك؟ قال : استشهد من أربعين يوما .. فقال له الشيخ: هل استأذنت أمك فقال له ابن العاشرة: نعم استأذنت أمى قبل أن أخرج.. فقال له الشيخ: وماذا قالت لك؟ قا ابن العاشرة: قالت لى: اخرج يا محمد إلى الجهاد وأسأل الله أن يلحقك بأبيك.

    هل يحرك هذه القلوب بهذه الصورة كلام بشر والله ما تعطشت القلوب للشهادة إلا لما حركها كلام الله وكلام الصادق رسول الله r لما ذاقت حلاوة وعد
    الله وخافت وعيده.

    يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
    من كان يخضب خده بدموعه
    ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
    من كان يتعب خيله فى باطل
    ولقد أتانا من مقال نبينا
    لا يستوى غبار خيل الله فى أنف امرئ
    هذا كتاب الله ينطق بيننا

     


    لعلمت أنك فى العبادة تلعب
    فنحورنا بدمانا تتخضب
    وهج السنابك والغبار الأطيب
    فخيولنا يوم الكريهة تتعب
    قول صحيح صادق لا يكذب
    ودخان نار تلهب
    ليس الشهيد بميت لا يكذب

    {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (169) سورة آل عمران. عند من { عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، والله ما أسعد الشاب الذى لم يبلغ العشرين من عمره على جدار فى القدس الشريف، ما سطر هذه الكلمات إلا من منطلق كلام ربه وكلام نبيه حينما قال: إما عظماء فوق الأرض وإما عظام تحت الأرض.

    إنه القرآن الذى يربى قال النبى r " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" فقال عمير: بخ بخ جنة عرضها السماوات والأرض... قال: فقال النبى:" ما حملك على قول: بخ بخ يا عمير"... قال: لا غير أنى أرجو الله أن أكون من أهلها... قال له الصادق : " أنت من أهلها" فأخرج عمير تمرات- كمية من البلح- تمرات ليأكلها ليتقوى على القتال فقال لنفسه: كأنه ما بينى وبين الجنة. الجنة إلا أن ألقى بهذه التمرات لأنطلق فى الصفوف لأقاتل، وأقتل وأدخل الجنة، والله لأن حييت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة([8]) يا من تعيشون للعروش، يا من تعيشون للفروج، يا من تعيشون للكروش {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (26) سورة الرحمن . سيموت الصغار والكبار سيموت الجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن ويموت الصادقون سيموت أصحاب الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت كذلك التافهون الراقصون على الجراح الذين يحيون، لأجل متاع دنيوى حقير زائل رخيص، الكل سيموت، فلنمت بشرف فلنمت بكرامة، ماذا لو اتخذت قمة كقمة الأمس قرارا برفع راية الجهاد بعد العودة إلى شريعة الله، أقسم بالله لتغير كل شئ قرار على ألسنة قادة الأمة بالعودة إلى الله أولاً، فمحال أن ترفع راية الجهاد فى سبيل الله قبل أن تعود الأمة إلى الله، إلى تطبيق شرعه إلى التحاكم بالقرآن {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (39) سورة يوسف { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (51، 52) سورة النــور، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} (60، 61) سورة النساء. فلابد للعودة أولا للقرآن لنمتثل آياته وأوامره وتكاليفه وحدوده أمراً أمرا وتكليفا تكليفا ونهيا نهيا وحدا حدا بل وكلمة، بل وحرفا حرفا فالعودة إلى القرآن يا شباب الصحوة ليس نافلة العودة إلى القرآن ليس تطوعنا منا ولا اختيارا، بل إننا أمام شرط الإسلام وحد الإيمان {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } (65) سورة النساء كما ذكرت الآية الكريمة الآن ثم ليعلنوا الجهاد فى سبيل الله، وأنا أعى ما أقول أعى كل لفظة بفضل الله أرددها فلنرجع إلى الله لتمتثل الأمر ولنحول القرآن إلى واقع لنجدد الإيمان، لنحقق الإيمان، ثم لنرفع راية الجهاد سيرى حكامنا بهذا الشرط الذى ذكرت من شبابنا من شباب الأمة العجب العجاب، أستغفر الله بل سيرون من شيوخ الأمة العجب العجاب، والله لقد كنت أذكر بهذا الكلام فى مسجد التوحيد بالقاهرة يوما، وقلت، وقلت: إن من شبابنا الآن من يحترق قلبه شوقا للشهادة وإذا برجل يجلس عن يمين المنبر على كرسى، رجل تجاوز التسعين من عمره بلحية بيضاء حينما سمعنى أقول من شبابنا يقف ويقول: من الشيوخ يا شيخ ومن الشيوخ.

    ولم تحمله قدماه فسقط على الأرض جاوز التسعين يريد الشهادة فى سبيل الله والله لرأى حكامنا من شباب الأمة ومن شيوخ الأمة العجب العجاب نريد أن نقتل فى سبيل الله، والله نريد أن نقتل فى سبيل الله فما أشقاها من حياة بعيدة عن الله بعيدة عن الكرامة، والله الذى لا إله غيره من شبابنا الآن من سيضع صدره بغير سلاح على فوهة مدافع أعداء الله ليعلموا العالم كله: أن محمداً ما مات وما خلف بنات، بل خلف رجالا أطهارا تحترق قلوبهم شوقا للشهادة والجنة.

    آه يا مسلمون متنا قرونا
    وإذا الجذر مات فى باطن الأرض

     


    والمحاق الأعمى يليه محاق
    تموت الأغصان والأوراق

    لكن لابد من العودة للقرآن فلا عزة لنا ولا كرامة إلا أن عدنا إلى القرآن لنردد مع الصادقين الأولين: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285)
    سورة البقرة.

    هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو نسيان فمنى ومن الشيطان. والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة، ثم يلقى به فى جهنم ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.

    الدعاء...

    (1) رواه البخارى فى التفسير (4862).

    (1) رواه البخارى فى فضائل القرآن (4986).

    (1) رواه البخارى فى التفسير (4987).

    (1) رواه مسلم فى صلاة المسافرين (804 / 252).

    (2) رواه البخارى فى التوحيد (7529) ومسلم فى صلاة المسافرين (815/ 226).

    (1) رواه البخارى فى التفسير (4937) ومسلم فى صلاة المسافرين (798 / 244).

    (2) رواه مسلم فى صلاة المسافرين (805 / 253).

    (1) رواه مسلم فى الإمارة (1901/ 145).

    كلمات مفتاحية  :
    حق القرآن خطب مكتوبة

    تعليقات الزوار ()