ففروا إلى الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ([1])
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2])
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([3])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. ([4])
ثم أما بعد .. فحياكم الله جميعاً وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً. وكعادتنا فسوف أركز الحديث مع حشراتكم تحت هذا العنوان فى العناصر التالية:
أولاً: سفينة واحدة.
ثانياً: انتكاس الفطرة.
ثالثاً: عقاب إلهى.
رابعاً: لا ملجأ من الله إلا إليه.
أولاً: سفينة واحدة
نعم أيها الأحبة .. فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة إن نجت نجونا جميعاً وإن هلكت هلكنا جميعاً.
ولقد حسم النبى هذه الحقيقة فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى من حديث النعمان بن بشير رضى الله عنه أن رسول الله قال:
"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعاً" ([5])
فواجب على أهل الحق من المصلحين الصادقين أن ينذروا، ويحذروا أهل الفساد، والواقعين فى حدود الله عز وجل، وأن يأخذوا على أيديهم قبل أن تغرق السفنية بالجميع.
وهذا الواجب الضخم قد جعله رسول الله فرض عين على كل مسلم على اختلاف مراتبه ودرجاته.
ففى الحديث الذى رواه مسلم من حديث الله فرض عين على كل مسلم على اختلاف مراتبه ودرجاته.
ففى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله قال: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ([6])
وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى قال:" ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا وكان من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".([7])
فإن عجز أحد من الناس أن ينكر بيده أو بلسانه فإن إنكار القلب كمرتبة من مراتب الإنكار فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولا يعذر أحد بتركه على الإطلاق.
وذلك بكره المنكر وبغض أهل المنكر. أما هذه السلبية المدمرة القاتلة التى يرفع العلمانيون شعارها بقولهم: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فلا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة. ولكل أحد أن ينتقد ما بشاء وأن يفعل ما يشاء فى أى وقت شاء وأن ينطلق ليختار لنفسه من المناهج والقوانين ما يحب ويرضى، وليس من حق أحد أن ينكر عليه أو أن يأخذ على يديه.
بل وقد يتشدق أحدهم كالثعلب فى ثياب الواعظين ويردد قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ([8])
وقديماً خاف صديق الأمة الأكبر أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه خاف هذه السلبية القاتله، من منطلق فهم مغلوط مقلوب لهذه الآية الكريمة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها فى غير موضعها وإنى سمعت رسول الله يقول:
"ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى ، ثم يقدرون على أن يغيروا ولا يغيرون ، إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب".([9])
وهكذا فإن وجود المصلحين الصادقين سبب من أسباب النجاة من الإهلاك العام، فإن فقدت الأمة هذا الصنف الكريم الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحل عليها عذاب الله حتى وإن كثر فيها الصالحون الطيبون لأنهم سكتوا حتى كثر الخبث وأصبح أمراً عادياً مستساغاً تألفه النفوس.
وحينئذ يستحق الجميع عقاب الله جل وعلا كما فى الصحيحن من حديث زينب بنت جحش رضى لله عنها أن النبى دخل عليها يوماً فزعاً وفى رواية استيقظ يوماً من نومه فزعاً وهو يقول" لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد أقترب، لقد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه السبابة والإبهام فقالت زينب يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون قال:" نعم إذا كثر الخبث".([10])
ولقد بوب الإمام مالك رحمه الله فى موطأه باباً بعنوان باب ما جاء فى عذاب العامة بعمل الخاصة.
بل لقد روى الإمام أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه بسند حسن من حديث عدى بن عمير أن النبى قال:" إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكربين ظهراًنيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة".
وهكذا فواجب على أهل الحق المصلحين أن يأخذوا على أيدى الواقعين فى حدود الله وألا يتركوهم حتى لا تغرق السفينة بالجميع.
هذه مقدمة لابد منها لندخل بها إلى العنصر الثانى وهو:
انتكاس الفطرة
حيث أننا نرى مؤامرة مفضوحة يريد أصحابها واذنابها أن يفرضوا على المجتمعات المسلمة ما وصلت إليه المجتمعات الغربية الكافرة من انتكاس سحيق للفطرة.
فالجالهية الحديثة فى أوروبا وأمريكا لم تكتف بنشر الزنا، والشذوذ الجنسى، ونكاح المحارم بل قننت لهذا ..!! ، وأصبح هذا الانتكاس للفطرة أمراً عادياً عندهم لا يثير الدهشة أو التساؤل..!!!.
وهم الآن يريدون أن يملوا ويفرضوا هذا الانحراف الشاذ على المجتمعات المسلمة.
ولقد صدرت دراسات عديدة تبين أن اليهود وأتباعهم، قد نجحوا من خلال سيطرتهم على بيوت المال، وأجهزة الإعلام المرئية .. والمسموعة.. والمقروءة، قد نجحوا فى نشر الرذيلة فى العالم كله بصفة عامة، وفى أوربا وأمريكا بصفة خاصة. حتى أضحت المشكلة كبيرة وخطيرة بشكل لا يتصور.
وأستطيع أن أنقل لكم فى عجاله بعض ما جاء فى هذه الدراسات بقدر ما يسمح به الحياء والمقام.
أولاً: تشير الدراسة إلى أن تسعين بالمائة من غير المتزوجات يمارسن الزنا بطلاقة أو من حين لآخر فى أوروبا وأمريكا.
ثانياً: تشير الدراسة إلى أن عدد حالات الإجهاض الجنائى قد بلغ فى عام 1983 إلى 50 مليون طفل.
ثالثاً: اصبح الحمل لدى المراهقات، مشكلة كبيرة فى أوربا وأمريكا ففى أمريكا وحدها أكثر من مليون فتاة صغيرة تحمل سنوياً من الزنا.
ولم يتوقف الأمر عند الزنا فقط بل لقد انتشر الشذوذ الجنسى بكل صوره، مادام بدون إكراه...!!.
بل وتكونت آلاف الجمعيات والنوادى التى ترعى شئون الشاذين والشاذات.
وتقول دائرة المعارف البريطانية : إن الشاذين والشاذات قد خرجوا من دائرة السرية إلى الدائرة العلنية..!!، وأصبحت لهم أماكنهم الخاصة التى يلتقون فيها.
وتشير الدراسات إلى أن عدد الشواذ فى أمريكا وحدها أكثر من عشرين مليونا وأصبحت لهم معابد وكنائش خاصة تقوم بتزوجيهم .. أى تزويج الرجال للرجال، وتزويج النساء للنساء.. فى حفلات خاصة يدعى إليها الأهل والأصدقاء!!!
بل لقد نشرت مجلة التايم الأمريكية، قصة ضابط يهودى فى الجيش الأمريكي علق لوحة ضخمة فى مكتبه الخاص، تعلن هذه اللوحة أن الضابط شاذ جنسياً..!! فلما طردته إدارة الجيش، شن الإعلام حملة ضارية على هذا التعنت والتشدد من قبل إدارة الجيش، واضطر الجيش لإعادة هذا الضابط الشاذ ..!!، ثم دعى بعد ذلك لإلقاء محاضرات فى الشذوذ فى أكبر الجامعات الأمريكية.
بل لم يتوقف هذا الانتكاس السحيق عند هذا الحد فحسب بل تعداه أيضاً إلى نكاح المحارم من الأمهات والأخوات.
وأول من دعا إلى ذلك فرويد اليهودى الذى جاء بنظريات هابطة لا تقوم إلا على الجنس.
حتى ادعى أن الطفل لا يحب أمه إلا حباً جنسياً محضاً..!! ولهذا يكره الإبن أباه ..!! وسمى فرويد اليهودى هذه الكره بعقدة "أوديب".
وقال بأن الطفلة أو البنت أيضاً لا تحب أباها إلا حباً جنسياً محضاً..!! ولذا تكره أمها، وسمى هذا الكره بعقدة "إليكترا".
ومما يدعى القلب أن هذا الهراء .. والغثاء .. يدرس لأبنائنا وبناتنا فى أخطر المراحل الدراسية ..!! على أنه من أبواب علم النفس، وهذا ورب الكعبة شئ
يؤلم النفس !!!.
ولقد نشرت مجلة التايم الأمريكية تحقيقاً واسعاً عن نكاح المحارم وذكرت فيه تقرير أحد الباحثين (وأدل بومرى) إذ يقول:
لقد آن الأوان لكى نعترف بأن نكاح المحارم ليس شذوذاً ..!!، ولا دليلاً على الاضطراب العقلى ..!! بل قد يكون نكاح المحارم، وخاصة بين الأطفال وذويهم أمراً مفيداً لكليهما..!!
ألم أقل إنه انتكاس للفطرة؟!!
لكنه الإنسان فى غلوائه
ويحى لمنتحر كأن لنفسه
اعتد أسلحة الدمار فما رعت
واليوم مد يديه للأرحام
قد صيغ من نور وطين فانبرى
ما اضيع الإنسان مهما رقى فى
ضلت بصيرته فجن جنوناً
من نفسه حقد الحقود دفينا
طفلاً ولا امرأة ولا مسكينا
تقتلعان منها مضغة وجنينا
للنور يطفئه ولبى الطينا
سبل العلوم إذا أضاع الدنيا
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ([11])
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ([12])
ونتيجة لهذا الأمن من مكر الله ، بل لهذا الكفر بمنهج الله، ابتلى الله هذه المجتمعات الغربية الكافرة بهذه الأمراض الفتاكة الخطيرة التى وقفوا أمامها وقفة العاجز على الرغم مما وصلوا إليه فى الجانب العلمى.
ثالثاً: عقاب إلهى
نعم إنه عقاب إلهى لكل من خرج عن منهج الله وتحدى الفطرة فلقد انتشر الإيدز المعروف بمرض نقص المناعة، وبدأ يتزايد فى السنوات الأخيرة بصورة مرعبة فلقد ذكرت منظمة الصحة العالمية فى اجتماعها المنعقد فى باريس فى يونيه عام 1986 ذكرت أن عدد الذين يحملون فيروس الإيدز يتراوحون ما بين خمسة عشر مليون شخصاً.
هذا فى عام 1986 فما بالنا كم بلغ عددهم الآن؟؟!!
وقد خصصت أمريكا ألفى مليون دولار سنوياً للإيدز.
ومما يثير الرعب والخوف أن هذا المرض لم ينج من براثنه أحد من المصابين به على الإطلاق حتى الآن رغم هذه الملايين التى تنفق بسخاء فى الأبحاث للوصول إلى علاج لهذا المرض الفتاك، ولن يصلوا إلى العلاج الحقيقى على الإطلاق، ما دامت الأسباب الحقيقية لانتشاره لازالت موجودة. وهى إنتشار الزنا والشذوذ الجنسى بكل صورة.
وهذا ما أكدته الأبحاث والدراسات العلمية فى أن هؤلاء هم أكثر الناس إصابة
بهذا المرض الخطير.
هذا بالإضافة إلى الأمراض الخطيرة الأخرى التى انتشرت كالسرطان والزهرى والهربس والسيلان وغيرها.
وتحقق قول من لا ينطق عن الهوى بأبى هو وأمى إذ يقول:
" لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع والأسقام التى لم تكن فى أسلافهم" ([13]) . أليس ربك هو القائل:
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ([14])
أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
* * *
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله .. واشهد أن محمداً رسول الله .
وبعد...
فيا أيها الأحباب:
وأخيراً : لا ملجأ من الله إلا إليه
فلا سعادة للبشرية عامة، وللمسلمين خاصة، إلا بالعودة لمنهج الله عز وجل الذى خلق الإنسان وحده، وهو وحده الذى يعلم ما يسعده وما يفسده {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ([15])
فمنهج الله لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقدرها إنما ينظمها ويطهرها ويرفعها عن المستوى الحيوانى والبهيمى وبرقيها إلى أسمى المشاعر والعواطف، التى تليق بالإنسان كإنسان، ويقيم العلاقة بين الرجل والمرأة فقط على أساس من المشاعر النبيلة الرقيقة الراقية الطاهرة فيقول سبحانه:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ([16])
ويهيئ منهج الله المناخ الطاهر النظيف ليتنفس المسلم فى جو إجتماعى طاهر نقى يتفق مع الفطرة السوية.
بل ويحدد منهج الله كثيراً من الضمانات الوقائية التى تحمى المجتمع المسلم من الوقوع فى مستنقع الرذيلة الآسن العفن.
ثم يعاقب بعد ذلك من ترك هذه الضمانات طائعاً مختاراً، وراح ليتمرغ فى وحل الرذيلة والفاحشة وليعيث فى الأرض الفساد.
وهذا هو قمة الخير للإنسانية كلها، ولتعيش الجماعة كلها، فى هدوء وأمان. إذ أن منطق العقلاء يقول:
لو أن إنساناً أصيب فى طرف من أطرافه بمرض السرطان وقرر الأطباء أنه إذا لم يبتر هذا الطرف فإن الداء سوف يسرى فى جميع الجسد ويقضى على حياة صاحبه. أما يكون من الرحمة أن نستأصل هذا الطرف للإبقاء على حياته بإذن الله جل وعلا.
كذلك الفرد إذا استعصى علاجه ولم تؤثر فيه تربية ولم تنفعه موعظة ولم يقبل نصيحة وتأصلت روح الجريمة فى نفسه وقام منتهكاً للأعراض مضيعاً للحرمات.
أيكون الأخذ على يديه لكف شره عن الجماعة كلها قسوة وعنف؟!! لا والله بل إنها الرحمة والحكمة بعينها مصداقاً لقول ربنا عز وجل:
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ([17])
ومن هنا جاء منهج الله بهذه الأحكام ليحفظ على الإنسانية عرضها وشرفها ونسلها.
فقال سبحانه: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ([18])
أما إذا كان الزانى محصناً فإنه يرجم كما دلت على ذلك السنة الصحيحة. ([19]) وقد عاقب الله قوم
لوط أشد العقاب لانتكاس فطرتهم وخروجهم عن منهج الله الذى أمرهم به نبى الله لوط على نبينا وعليه الصلاة والسلام. قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ([20])
وقال تعالى فى حقهم:
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ([21])
وعن أبن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول الله :
" من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". ([22])
وبعد .. أيها الأحبة فلقد آن الأوان بعد ما رأينا هذه المآسى أن نفيئ جميعاً إلى منهج الله، وأن نكفر بمنهج الشرق الملحد، ومنهج الغرب الكافر.
إذ لا سعادة فى الدنيا والآخرة إلا بالعودة إلى منهج الله بعد الله أحرقنا لفح الهاجرة القاتل، وأرهقنا طول المشى فى التيه والطلام.
وها هو الإسلام لازال يعرض نفسه كمخلص للبشرية كلها من كل أمراضها وعللها لأن هذه الحياة البشرية من خلق الله ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح
من صنع الله.
وأخيراً أردد مع مؤمن آل فرعون:
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ([23])
اللهم أرزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ورضواناً، اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة ولا تحرمنا الزيادة أنت ولى ذلك ومولاه وصلى الله على نبينا محمداً وعلى آله وصحبيه أجمعين.
(*) ألقيت هذه الخطبة بمسجد مجمع الإيمان بالمنصورة .
(1) سورة آل عمران: 102.
(2) سورة النساء: 1
(3) سورة الأحزاب: 70 ، 71.
(4) هذه خطبة الحاجة التى كان النبى يستفتح بها خطبة ودروسه ومواعظه، وللعلامة الألبانى رسالة نافعة فيها فراجعها.
(1) صحيح: {ص.ج.: 5832} ، رواه البخارى (5/94) فى الشركة ، والترمذى رقم (2174) فى الفتن.
(2) صحيح: {ص.ج.: 6250}، رواه مسلم رقم (49) فى الإيمان، والترمذى رقم (2173) فى الفتنن وأبو داود رقم (114) فى صلاة العيدين، رقم (4340) فى الملاحم، والنسائى (8/111) فى الإيمان، وابن ماجه رقم (4013) فى الفتن.
(1) صحيح: {ص.ج.: 5790}، رواه مسلم رقم (50) فى الإيمان، وأحمد فى مسنده (1/458).
(2) سورة المائدة: 105.
(1) صحيح: {ص.ج.: 5749}، رواه الترمذى رقم (3059)، (2169) فى الفتن، وأبو داود رقم (4338) فى الملاحم، وابن ماجه رقم (4005) فى الفتن، وأحمد فى المسند رقم (2).
(2) متفق عليه: {ص.ج.: 7176}، رواه البخارى (13/9-10 ، 91-92) ، ومسلم (8/165 – 166). وابن حبان (1906).
(1) سورة طه: 123 – 126.
(2) سورة الأعراف: 97 – 99.
(1) صحيح: {ص.ج.: 7978}، رواه ابن ماجه (4019)، وأبو نعيم فى الحلية (8/333، 334)، ورواه الحاكم (4/540) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبى وهو جزء من حديث "يا معشر المهاجرين، خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن... الحديث".
(2) سورة النجم 1،4.
(1) سورة الملك: 14.
(2) سورة الروم: 21.
(1) سورة البقرة: 179.
(2) سورة النور: 2 – 3.
(1) عن جابر بن عبد الله الأنصارى: أن رجلاً من أسلم أتى رسول الله r فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله r فرجم، وكان قد أحصن والحديث رواه أبو داود والترمذى وصححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود رقم (3725).
(2) سورة النمل: 54 – 58.
(3) سورة الحجر: 74.
(4) صحيح: {ص.ج.: 6589}، أخرجه أبو داود رقم (4462) فى الحدود، والترمذى رقم (1456) وابن ماجه رقم (2561)، وابن الجارود (820)، والدار قطنى (341)، والحاكم (4/355)، وأحمد (1/300).
(1) سورة غافر: 44.