العلم والدين
بقلم: بسام جرار
تجربة علميّة تجري هذه الأيام – أيلول 2008م - في مكان بين فرنسا وسويسرا تكلفتها ما يقارب عشرة مليارات دولار، وُيتوقع أن يكون لها انعكاسات هامة في الحقل العلمي المتعلق بأصل نشأة الكون. وقد قامت إذاعة لندن بفتح حوار بين المستمعين - وكذلك على صفحة الإذاعة الإلكترونيّة – يتعلق بالدين والعلم من حيث التوافق أو التعارض. ومن خلال استطلاع للآراء يرى 60% من المشاركين أنْ لا تعارض بين الدين والعلم، في حين يرى 40% أنّ هناك تعارضاً. وقد تيسّر لي أن استمع إلى بعض المداخلات من قِبل المشاركين، والمذيع أيضاً، فساءتني الطريقة التي يتم فيها تناول مثل هذه المسألة الحساسة. وذكرني ذلك بما كان عليه كثير من الناس في القرن الماضي من سطحيّة وضحالة عند تناول القضايا الدينيّة.
هل يتناقض العلم مع الدين؟!
سؤال لا يجاب عنه بنعم أو لا حتى نجيب عن:
أولاً: عن أي دين نسأل؟ لأنّه لا يمكن وضع كل الأديان في سلة واحدة، وهذا الخلط يجعلنا ندرك أنّ طرح المسألة لا يزيد عن كونه تضليلاً.
ثانياً: عن أي علم نسأل؟ فهناك الفرضيّة العارية عن الدليل، وهناك النظريّة التي قامت عليها الأدلة غير القاطعة، وهناك الحقائق التي قامت عليها الأدلة القاطعة.
ثالثاً: عن أي مسألة دينيّة نسأل؟ وهل هي حقيقة دينيّة أم دون ذلك؟
إذا كان الدين وحياً ربانياً فلا يتصور أن تتناقض حقائقه مع الحقائق العلميّة، لأنّ الذي خلق هو الذي أنزل. وإذا كان الدين الحق يطرح الحقيقة ابتداءً فإنّ العلم يسعى إليها حتى يصلها. ومن هنا لا بد من التناقض مع حقائق الدين قبل الوصول إلى الحقيقة. فالدين الحق لا يتناقض مع الحقيقة، وقد يتناقض مع النظريّة أو الفرضيّة. ومن هنا على البشريّة أن تستبشر بارتقاء العلم، لأنّه يقربها من الحقيقة فيوحدها، لأنّ الاختلاف هو ثمرة عدم اليقين. انظر قوله تعالى:" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ". فصلت:53
كان أبرز ما طرحه مذيع راديو لندن التناقض المحتمل بين النتائج المحتملة للتجربة المشار إليها وما تنص عليه الأديان من أنّ السماوات والأرض خُلقت في ستة أيام. ولا يعنينا هنا ما ورد عند النصارى واليهود، وإنما يعنينا تسليط الضوء على هذه المسألة كما وردت في القرآن الكريم، ليتبين أنّ الاستشكال يقوم في الذهن نتيجة لتناول المسائل بسطحيّة.
هل خلقت السماوات والأرض في ستة أيام؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإجابة عن أسئلة تسبق، مثل: ما هو مفهوم اليوم في القرآن الكريم؟ وما هي السماوات، وما حدودها؟
الدارس لعلم الفلك يلاحظ أنّ مفهوم اليوم يختلف باختلاف دورة الأجرام السماويّة حول نفسها؛ فيوم الأرض يساوي 24 ساعة، ويوم القمر يساوي شهراً قمرياً، ويوم الشمس يساوي 25 يوماً من أيام الأرض، ويوم مجرة درب التبّانة يختلف عن يوم مجرة أخرى...الخ. والمهم أنّ اليوم هو وحدة زمنيّة غالباً ما تقاس بدورة جرم سماوي، ومن هنا تتعدد الأيام بتعدد الأجرام.
والدارس للقرآن الكريم يلاحظ أنّ مفهوم اليوم يختلف أيضاً:
"... وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ". الحج: 47
"... في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ". السجدة: 5
"... في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ". المعارج: 4
فهناك إذن يوم مقداره ألف سنة مما نعد، وهناك يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهناك يوم مقداره نهار كأيام الصيام، وهناك يوم القيامة ولا ندري مقداره...الخ. وعليه فقد خلقت السماوات والأرض في ستة أيام لا ندري مقدارها، وإنما هي ست وحدات زمنيّة متماثلة.
يضاف إلى هذا أنّ ماهيّة السماوات وحدودها غير معروفة؛ فهناك السماوات، وهناك الكرسي يسعها وهو أكبر منها، وهناك العرش. وقد يكون ما نسميه اليوم بالكون المعروف مجرد سماء دنيا، وقد يكون غير ذلك. فأي معرفة لدينا إذن تسمح لنا بالحديث عن التناقض أو عدمه بين العلم والدين؟!