مقدمة في الإعجاز الرقمي
في هذا المبحث إجابة عن تساؤلات حول الإعجاز الرقمي، كيف نعدّ الحروف والكلمات، وما هي فوائد هذا العلم، وما هي الضوابط التي ينبغي مراعاتها، وما هي قصة رشاد خليفة، وما هي حقيقة حساب الجمَّل، ولماذا يعارض بعض العلماء هذا العلم... لنقرأ.
الحمد لله الذي أودع في كلّ آية من آيات كتابه أسراراً لا تُحصى وعجائبَ لا تـنقضي ومعجزاتٍ لا تنفد، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم. اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن دعوة لا يُستجاب لها.
إن الذي يتدبَّر كتاب الله تعالى يلاحظ أنه كتاب مُحكَم، فكلّ آية من آياته تتميّز بدقة كلماتها وبلاغة معانيها وقوّة أسلوبها، بالإضافة إلى ذلك هنالك إحكام مذهل في أعداد الكلمات والحروف.
فالإعجاز البياني للقرآن لا ينكره أحد من العقلاء، والإعجاز الغيْبِيّ واضح بيِّن في كتاب الله تعالى، ومثله الإعجاز التشريعي، أما الإعجاز العلمي فقد بات أمراً لا يخفى على أحد، وبخاصة أننا نعيش في عصر التقدم العلمي. وإن الذي يتابع إعجاز القرآن من الناحية العلمية والكونية يرى في كل يوم بحثاً جديداً حول حقائق تحدَّث عنها القرآن منذ قرون طويلة، ولم تكشف عنها الأبحاث العلمية إلا مؤخراً.
إن إعجاز القرآن لا يقتصر على الإعجاز البياني والعلمي والتشريعي والغيبي، إنما هنالك إعجاز رياضي يقوم على لغة الأرقام. فقد نظَّم الله تعالى آيات القرآن وسوره وكلماته وحروفه بنظام محكم يقوم على الرقم سبعة، كدليل على أن هذا القرآن منَزَّل من ربّ السَّموات السَّبع تبارك وتعالى.
ويجب أن نؤكّد وبقوّة أن معجزات القرآن البلاغيّة والعلميّة والكونية والطبية والتشريعيّة والغيْبيّة، وغير ذلك من وجوه الإعجاز، لا زالت مستمرة ومتجدّدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وما النظام الرقمي الذي نراه اليوم إلا قطرة من بحرٍ زاخرٍ بالمعجزات والعجائب والأسرار- إنه بحر القرآن العظيم الذي قال عنه الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه: (ولا تنقضي عجائبه) [رواه الترمذي].
الإعجاز الرقمي للقرآن هو العلاقات الرقمية بين حروف القرآن وكلماته وآياته وسوره، والتي أودعها الله في كتابه لتكون برهاناً ماديّا ملموساً لأولئك الماديين على أن القرآن كتاب الله تعالى. وفي هذا البحث سوف نعيش رحلة ممتعة في رحاب حروف القرآن وكلماته، ونكتشف أن القرآن أكبر وأعظم مما نتصور، كيف لا وهو كتاب رب العالمين تبارك وتعالى.
ومن إعجاز القرآن أن معجزته لا تظهر إلا بتوقيت محدد. فالمعجزة الرقمية التي تظهر اليوم مناسبة لعصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه في القرن الحادي والعشرين. ومن هنا تنبع عظمة القرآن في مخاطبته لكل قوم بلغة عصرهم.
ولو كانت المعجزة الرقمية بهذه السهولة لتم كشفها منذ زمن بعيد، إلا أن حكمة الله تعالى اقتضت إخفاء هذا الجانب الإعجازي من كتابه حتى يأتي الزمن المناسب، وذلك ليكون للمعجزة أثرها في هداية البشر إلى طريق الله عز وجل، ولتكون برهاناً مادياً على صدق رسالة الله إلى عباده.
ومن ميزات المعجزة الرقمية الجديدة أن أسرارها كثيرة، ويستطيع المؤمن أن يبحر في أعماقها ليرى عجائب القرآن وأسراره، وليعيش أجمل لحظات مع كتاب ربه، فما أحلى الإيمان عندما يمتزج بالعلم ليكون طريقاً للوصول إلى رضوان الله تعالى والقرب منه.
ويمكن القول بأن الإعجاز الرقمي موجود في كل آية من آيات القرآن، وهذا الإعجاز هو بمثابة توقيع من الله تبارك وتعالى على أنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثل آية من القرآن. ولكن السؤال: هل يمكن للبشر أن يأتوا بمثل مقطع من آية من القرآن؟
إن النظام الرقمي المذهل للحروف المقطعة هو برهان مادي ورياضي على أن القرآن كتاب معجزات وليس كتاب أساطير كما يدعي بعض الملحدين عندما يقولون إن القرآن يحوي حروفاً لا معنى لها.
ويمكن القول بأن الله تعالى بعلمه المسبق يعلم أنه سيأتي عصر تتطور فيه علوم الرياضيات، ويكثر فيه الملحدون، لذلك فقد أودع في كتابه حروفاً مقطَّعة في أوائل السور، وأخفى إعجازها حتى جاء عصر الرقميات الذي نعيشه اليوم، ليكون التحدي بهذه الحروف أبلغ وأقوى. وهذا شأن المعجزة تأتي بالشكل الذي برع فيه المشككون، لتُعجزهم في اختصاصهم، وتبين لهم أن القرآن هو كلام الله الحقّ.
تجدر الإشارة إلى أن المعطيات الرقمية التي انطلقنا منها وبنينا عليها بحثنا هي معطيات ثابتة يقينية لا يعارضها أحد. فالمرجع الذي استخرجنا منه هذه المعجزة هو القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم والرسم العثماني، أو ما يسمى بمصحف المدينة المنورة أو «المصحف الإمام».
أما طريقة معالجة هذه المعطيات فهي طريقة علمية تسمى طريقة صفّ الأرقام، أو المصفوفات، أو السلاسل العشرية. حيث نقوم بصف الأرقام القرآنية حسب تسلسلها في كتاب الله تعالى، ثم نقرأ العدد الناتج كما هو لنجده من مضاعفات الرقم سبعة!! وهذه هي فكرة الاكتشاف القرآني الجديد الذي نقدمه للسادة العلماء والإخوة القراء في هذا البحث.
وسوف يلمس القارئ لأبحاثنا العددية أننا لم نُقحم أي رقم من خارج القرآن، ولم نحمّل النصوص القرآنية ما لا تحتمله من التأويلات، ولم نأت بشيءٍ من عندنا، بل كل ما فعلناه هو اكتشاف علاقات رقمية موجودة في القرآن الكريم.
وعلى ضوء هذه الأسس الثابتة سوف نستنتج أن التناسقات السباعية في القرآن لا يمكن أن تكون من عند بشر، لأنها فوق طاقة البشر، وهي دليل رياضي على أن الذي أنزل القرآن هو ربّ السَّموات السبع سبحانه وتعالى.
وأخيراً نسأل المولى تبارك وتعالى أن يتقبّل منّا هذا العمل ويجعله خالصاً نبتغي به رضوانه عزَّ وجلَّ، وأن ينفع به كل من يطّلع عليه، وأن يجعل في هذا العمل هداية لكلّ من يشكّ بكتاب الله، ومزيداً من الإيمان لكل من يحبّ كتاب الله عزَّ وجلَّ.
ـــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
المراجع
- القرآن الكريم، برواية حفص عن عاصم (مصحف المدينة المنورة).
- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.
- إشراقات الرقم سبعة، عبد الدائم الكحيل، إصدار جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، دبي 2006.