وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
القول في تأويل قوله تعالى : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار } أما قوله تعالى : { وبشر } فإنه يعني : أخبرهم . والبشارة أصلها الخبر بما يسر المخبر به , إذا كان سابقا به كل مخبر سواه . وهذا أمر من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ بشارته خلقه الذين آمنوا به وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبماء جاء به من عند ربه , وصدقوا إيمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالحة , فقال له : يا محمد بشر من صدقك أنك رسولي وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي , وحقق تصديقه ذلك قولا بأداء الصالح من الأعمال التي افترضتها عليه وأوجبتها في كتابي على لسانك عليه , أن له جنات تجري من تحتها الأنهار خاصة , دون من كذب بك وأنكر ما جئت به من الهدى من عندي وعاندك , ودون من أظهر تصديقك وأقر بأن ما جئته به فمن عندي قولا , وجحده اعتقادا ولم يحققه عملا . فإن لأولئك النار التي وقودها الناس والحجارة معدة عندي . والجنات جمع جنة , والجنة : البستان . وإنما عنى جل ذكره بذكر الجنة ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها , فلذلك قال عز ذكره : { تجري من تحتها الأنهار } لأنه معلوم أنه إنما أراد جل ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنه جار تحت أشجارها وغروسها وثمارها , لا أنه جار تحت أرضها ; لأن الماء إذا كان جاريا تحت الأرض , فلا حظ فيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بينها وبينه . على أن الذي توصف به أنهار الجنة أنها جارية في غير أخاديد . كما : 425 - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا الأشجعي , عن سفيان , عن عمرو بن مرة , عن أبي عبيدة , عن مسروق , قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها , وثمرها أمثال القلال , كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى , وماؤها يجري في غير أخدود . * وحدثنا مجاهد , قال : حدثنا يزيد , قال : أخبرنا مسعر بن كدام , عن عمرو بن مرة , عن أبي عبيدة بنحوه . * وحدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن مهدي , قال : حدثنا سفيان , قال : سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة , فذكر مثله . قال : فقلت لأبي عبيدة : من حدثك , فغضب وقال : مسروق . فإذا كان الأمر كذلك في أن أنهارها جارية في غير أخاديد , فلا شك أن الذي أريد بالجنات أشجار الجنات وغروسها وثمارها دون أرضها , إذ كانت أنهارها تجري فوق أرضها وتحت غروسها وأشجارها , على ما ذكره مسروق . وذلك أولى بصفة الجنة من أن تكون أنهارها جارية تحت أرضها . وإنما رغب الله جل ثناؤه بهذه الآية عباده في الإيمان وحضهم على عبادته , بما أخبرهم أنه أعده لأهل طاعته والإيمان به عنده , كما حذرهم في الآية التي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعد لأهل الكفر به الجاعلين معه الآلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه , والتعرض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته .
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا
القول في تأويل قوله تعالى : { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا } قال أبو جعفر : يعني بقوله : { كلما رزقوا منها } من الجنات , والهاء راجعة على " الجنات " , وإنما المعنى أشجارها , فكأنه قال : كلما رزقوا من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل .
قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { هذا الذي رزقنا من قبل } فقال بعضهم : تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا . ذكر من قال ذلك : 426 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : { هذا الذي رزقنا من قبل } قال : إنهم أتوا بالثمرة في الجنة , فلما نظروا إليها قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . 427 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة , قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل : أي في الدنيا . 428 - وحدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قالوا : { هذا الذي رزقنا من قبل } يقولون : ما أشبهه به . * حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد مثله . 429 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , قالوا : { هذا الذي رزقنا من قبل } في الدنيا , قال : { وأتوا به متشابها } يعرفونه . قال أبو جعفر : وقال آخرون : بل تأويل ذلك : هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا , لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضا . ومن علة قائل هذا القول أن ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله . كما : 430 - حدثنا ابن بشار , قال : حدثنا ابن مهدي , قال : حدثنا سفيان , قال : سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة , قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها , وثمرها مثل القلال , كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى . قالوا : فإنما اشتبهت عند أهل الجنة , لأن التي عادت نظيره التي نزعت فأكلت في كل معانيها . قالوا : ولذلك قال الله جل ثناؤه : { وأتوا به متشابها } لاشتباه جميعه في كل معانيه . وقال بعضهم : بل قالوا : { هذا الذي رزقنا من قبل } لمشابهته الذي قبله في اللون وإن خالفه في الطعم . ذكر من قال ذلك : 431 - حدثنا القاسم بن الحسين , قال : حدثنا الحسين بن داود , قال : حدثنا شيخ من المصيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير , قال : يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها , ثم يؤتى بأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل , فيقول الملك : كل فاللون واحد والطعم مختلف . وهذا التأويل مذهب من تأول الآية . غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة والذي يدل على صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلين إن معنى ذلك : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا } فأخبر جل ثناؤه أن من قيل أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقا أن يقولوا : هذا الذي رزقنا من قبل . ولم يخصص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض . فإذ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها , فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة واستقرارهم فيها , الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة . فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله , كما هو من قيلهم في وسطه وما يتلوه , فمعلوم أنه محال أن يكون من قيلهم لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة : { هذا الذي رزقنا من قبل } هذا من ثمار الجنة . وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها ولما يتقدمه عندهم غيره : هذا هو الذي رزقناه من قبل ; إلا أن ينسبهم ذو غرة وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه , أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها , فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله : { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا } من غير نصب دلالة على أنه معني به حال من أحوال دون حال . فقد تبين بما بينا أن معنى الآية : كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقا , قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا . فإن سألنا سائل فقال : وكيف قال القوم : { هذا الذي رزقنا من قبل } والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه ؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنة قولا لا حقيقة له ؟ قيل : إن الأمر على غير ما ذهبت إليه في ذلك , وإنما معناه : هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا من الثمار والرزق , كالرجل يقول لآخر : قد أعد لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبيخ والشواء والحلوى , فيقول المقول له ذاك : هذا طعامي في منزلي . يعني بذلك أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه , لأن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعده له هو طعامه . بل ذلك مما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك أن يتوهم أنه أراده أو قصده ; لأن ذلك خلاف مخرج كلام المتكلم ; وإنما يوجه كلام كل متكلم إلى المعروف في الناس من مخارجه دون المجهول من معانيه . فكذلك ذلك في قوله : { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فني وعدم ; فمعلوم أنهم عنوا بذلك هذا من النوع الذي رزقناه من قبل , ومن جنسه في السمات والألوان على ما قد بينا من القول في ذلك في كتابنا هذا .
وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا
القول في تأويل قوله : { وأتوا به متشابها } قال أبو جعفر : والهاء في قوله : { وأتوا به متشابها } عائدة على الرزق , فتأويله : وأتوا بالذي رزقوا من ثمارها متشابها وقد اختلف أهل التأويل في تأويل المتشابه في ذلك , فقال بعضهم : تشابهه أن كله خيار لا رذل فيه . ذكر من قال ذلك : 432 * حدثنا خلاد بن أسلم , قال : أخبرنا النضر بن شميل , قال : أخبرنا أبو عامر عن الحسن في قوله : { متشابها } قال : خيارا كلها لا رذل فيها . 433 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : حدثنا ابن علية , عن أبي رجاء : قرأ الحسن آيات من البقرة , فأتى على هذه الآية : { وأتوا به متشابها } قال : ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه ؟ وإن ذلك ليس فيه رذل ! ! 434 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : حدثنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : قال الحسن : { وأتوا به متشابها } قال : يشبه بعضه بعضا ليس فيه من رذل . 435 - حدثنا بشر , قال : حدثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة : { وأتوا به متشابها } أي خيارا لا رذل فيه , وإن ثمار الدنيا ينقى منها ويرذل منها , وثمار الجنة خيار كله لا يرذل منه شيء . 436 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : ثمر الدنيا منه ما يرذل ومنه نقاوة , وثمر الجنة نقاوة كله يشبه بعضه بعضا في الطيب ليس منه مرذول . وقال بعضهم : تشابهه في اللون وهو مختلف في الطعم . ذكر من قال ذلك : 437 - حدثني موسى , قال : حدثنا عمرو , قال : حدثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره , عن أبي مالك وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { وأتوا به متشابها } في اللون والمرأى , وليس يشبه الطعم . 438 - حدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وأتوا به متشابها } مثل الخيار . * وحدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وأتوا به متشابها } لونه , مختلفا طعمه , مثل الخيار من القثاء . 439 - وحدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع بن أنس : { وأتوا به متشابها } يشبه بعضه بعضا ويختلف الطعم 440 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : حدثنا عبد الرزاق , قال : أنبأنا الثوري , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { متشابها } قال : مشتبها في اللون ومختلفا في الطعم . * حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج عن ابن جريج , عن مجاهد : { وأتوا به متشابها } مثل الخيار . وقال بعضهم : تشابه في اللون والطعم . ذكر من قال ذلك : 441 - حدثنا ابن وكيع . قال : حدثنا أبي , عن سفيان , عن رجل , عن مجاهد قوله : { متشابها } قال : اللون والطعم . 442 - حدثني المثنى , قال : حدثنا إسحاق , قال : حدثنا عبد الرزاق , عن الثوري , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ويحيى بن سعيد : { متشابها } قالا : في اللون والطعم . وقال بعضهم : تشابهه تشابه ثمر الجنة وثمر الدنيا في اللون وإن اختلف طعومهما . ذكر من قال ذلك : 443 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أنبأنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة { وأتوا به متشابها } قال : يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب . 444 - وحدثنا المثنى , قال : حدثنا إسحاق , قال : قال حفص بن عمر , قال : حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله : { وأتوا به متشابها } قال : يشبه ثمر الدنيا , غير أن ثمر الجنة أطيب وقال بعضهم : لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا الأسماء . ذكر من قال ذلك 445 - حدثني أبو كريب , قال : حدثنا الأشجعي ح , وحدثنا محمد بن بشار , قال : حدثنا مؤمل , قالا جميعا : حدثنا سفيان عن الأعمش , عن أبي ظبيان , عن ابن عباس - قال أبو كريب في حديثه عن الأشجعي - : لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا الأسماء وقال ابن بشار في حديثه عن مؤمل قال : ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء . * حدثنا عباس بن محمد , قال : حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش , عن أبي ظبيان عن ابن عباس , قال : ليس في الدنيا من الجنة شيء إلا الأسماء . 446 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أنبأنا ابن وهب , قال : قال عبد الرحمن بن زيد في قوله : { وأتوا به متشابها } قال : يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا , التفاح بالتفاح , والرمان بالرمان , قالوا في الجنة : { هذا الذي رزقنا من قبل } في الدنيا , { وأتوا به متشابها } يعرفونه , وليس هو مثله في الطعم . قال أبو جعفر : وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية , تأويل من قال : { وأوتوا به متشابها } في اللون والمنظر , والطعم مختلف . يعني بذلك اشتباه ثمر الجنة وثمر الدنيا في المنظر واللون , مختلفا في الطعم والذوق ; لما قدمنا من العلة في تأويل قوله : { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } وأن معناه : كلما رزقوا من الجنان من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا . فأخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا ذلك من أجل أنهم أتوا بما أتوا به من ذلك في الجنة متشابها , يعني بذلك تشابه ما أتوا به في الجنة منه والذي كانوا رزقوه في الدنيا في اللون والمرأى والمنظر وإن اختلفا في الطعم والذوق فتباينا , فلم يكن لشيء مما في الجنة من ذلك نظير في الدنيا . وقد دللنا على فساد قول من زعم أن معنى قوله : { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } إنما هو قول من أهل الجنة في تشبيههم بعض ثمرات الجنة ببعض , وتلك الدلالة على فساد ذلك القول هي الدلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله : { وأتوا به متشابها } لأن الله جل ثناؤه إنما أخبر عن المعنى الذي من أجله قال القوم : { هذا الذي رزقنا من قبل } بقوله : { وأتوا به متشابها } . ويسأل من أنكر ذلك فيزعم أنه غير جائز أن يكون شيء مما في الجنة نظير الشيء مما في الدنيا بوجه من الوجوه , فيقال له : أيجوز أن يكون أسماء ما في الجنة من ثمارها وأطعمتها وأشربتها نظائر أسماء ما في الدنيا منها ؟ فإن أنكر ذلك خالف نص كتاب الله , لأن الله جل ثناؤه إنما عرف عباده في الدنيا ما هو عنده في الجنة بالأسماء التي يسمى بها ما في الدنيا من ذلك . وإن قال : ذلك جائز , بل هو كذلك قيل : فما أنكرت أن يكون ألوان ما فيها من ذلك نظائر ألوان ما في الدنيا معه بمعنى البياض والحمرة والصفرة وسائر صنوف الألوان وإن تباينت فتفاضلت بفضل حسن المرآة والمنظر , فكان لما في الجنة من ذلك من البهاء والجمال وحسن المرآة والمنظر خلاف الذي لما في الدنيا منه كما كان جائزا ذلك في الأسماء مع اختلاف المسميات بالفضل في أجسامها ؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك , فلن يقول في أحدهما شيء إلا ألزم في الآخر مثله . وكان أبو موسى الأشعري يقول في ذلك بما : 447 - حدثني به ابن بشار , قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب , ومحمد بن جعفر , عن عوف عن قسامة عن الأشعري , قال : إن الله لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة , وعلمه صنعة كل شيء , فثماركم هذه من ثمار الجنة , غير أن هذه تغير وتلك لا تغير وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله : { وأتوا به متشابها } أنه متشابه في الفضل : أي كل واحد منه له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه . قال أبو جعفر : وليس هذا قولا نستجيز التشاغل بالدلالة على فساده لخروجه عن قول جميع علماء أهل التأويل , وحسب قول بخروجه عن قول أهل العلم دلالة على خطئه
وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
القول في تأويل قوله تعالى : { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال أبو جعفر : والهاء والميم اللتان في " لهم " عائدتان على الذين آمنوا وعملوا الصالحات , والهاء والألف اللتان في " فيها " عائدتان على الجنات . وتأويل ذلك : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات فيها أزواج مطهرة . والأزواج جمع زوج , وهي امرأة الرجل , يقال : فلانة زوج فلان وزوجته . وأما قوله { مطهرة } فإن تأويله أنهن طهرن من كل أذى وقذى وريبة , مما يكون في نساء أهل الدنيا من الحيض والنفاس والغائط والبول والمخاط والبصاق والمني , وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والريب والمكاره . كما : 448 - حدثنا به موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما { أزواج مطهرة } فإنهن لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن 449 - وحدثني المثنى , قال : حدثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { أزواج مطهرة } يقول : مطهرة من القذر والأذى . 450 - حدثنا محمد بن بشار , قال : حدثنا يحيى القطان , عن سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : لا يبلن ولا يتغوطن ولا يمذين . 451 - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري , قال : حدثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد نحوه , إلا أنه زاد فيه : ولا يمنين ولا يحضن . 452 - وحدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : مطهرة من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد . * وحدثني المثنى بن إبراهيم , قال : حدثنا سويد بن نصر , قال : حدثنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن مجاهد مثله . 453 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : لا يبلن ولا يتغوطن , ولا يحضن , ولا يلدن , ولا يمنين , ولا يبزقن . * أخبرنا المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد نحو حديث محمد بن عمرو , عن أبي عاصم . 454 - وحدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة : { ولهم فيها أزواج مطهرة } إي والله من الإثم والأذى . 455 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر , ومن كل مأثم . 456 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن قتادة قال : مطهرة من الحيض والحبل , والأذى . 457 - وحدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثني ابن أبي جعفر عن أبيه , عن ليث , عن مجاهد , قال : المطهرة من الحيض والحبل . 458 - وحدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , عن عبد الرحمن بن زيد : { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال المطهرة : التي لا تحيض ; قال : وأزواج الدنيا ليست بمطهرة , ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام ؟ قال ابن زيد : وكذلك خلقت حواء حتى عصت , فلما عصت قال الله : إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة 459 - وحدثت عن عمار , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع عن الحسن في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : يقول : مطهرة من الحيض . * حدثنا عمرو بن علي , قال : حدثنا خالد بن يزيد , قال : حدثنا أبو جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , عن الحسن في قوله : { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : من الحيض . 460 - وحدثنا عمرو , قال : حدثنا أبو معاوية , قال : حدثنا ابن جريج , عن عطاء قوله : { لهم فيها أزواج مطهرة } قال : من الولد والحيض والغائط والبول , وذكر أشياء من هذا النحو .
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
القول في تأويل قوله تعالى : { وهم فيها خالدون } قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنات خالدون , فالهاء والميم من قوله { وهم } عائدة على الذين آمنوا وعملوا الصالحات , والهاء والألف في " فيها " على الجنات , وخلودهم فيها : دوام بقائهم فيها على ما أعطاهم الله فيها من الحبرة والنعيم المقيم .