بتـــــاريخ : 11/4/2009 12:15:35 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1527 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 62

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا

    القول في تأويل قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } قال أبو جعفر : أما الذين آمنوا فهم المصدقون رسول الله فيما أتاهم به من الحق من عند الله , وإيمانهم بذلك : تصديقهم به على ما قد بيناه فيما مضى من كتابنا هذا . وأما الذين هادوا , فهم اليهود , ومعنى هادوا : تابوا , يقال منه : هاد القوم يهودون هودا وهادة . وقيل : إنما سميت اليهود يهود من أجل قولهم : { إنا هدنا إليك } . 7 156 914 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا : { إنا هدنا إليك } . 7 156

    وَالنَّصَارَى

    القول في تأويل قوله تعالى : { والنصارى } . قال أبو جعفر : والنصارى جمع , واحدهم نصران , كما واحد سكارى سكران , وواحد النشاوى نشوان . وكذلك جمع كل نعت كان واحده على فعلان , فإن جمعه على فعالى ; إلا أن المستفيض من كلام العرب في واحد النصارى نصراني . وقد حكي عنهم سماعا " نصران " بطرح الياء , ومنه قول الشاعر : تراه إذا زار العشي محنفا ويضحي لديه وهو نصران شامس وسمع منهم في الأنثى نصرانة , قال الشاعر : فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف يقال : أسجد : إذا مال . وقد سمع في جمعهم أنصار بمعنى النصارى , قال الشاعر : لما رأيت نبطا أنصارا شمرت عن ركبتي الإزارا كنت لهم من النصارى جارا وهذه الأبيات التي ذكرتها تدل على أنهم سموا نصارى لنصرة بعضهم بعضا وتناصرهم بينهم . وقد قيل إنهم سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها " ناصرة " . 915 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج : النصارى إنما سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة . ويقول آخرون : لقوله : { من أنصاري إلى الله } . 61 14 وقد ذكر عن ابن عباس من طريق غير مرتضى أنه كان يقول : إنما سميت النصارى نصارى , لأن قرية عيسى ابن مريم كانت تسمى ناصرة , وكان أصحابه يسمون الناصريين , وكان يقال لعيسى : الناصري . 916 - حدثت بذلك عن هشام بن محمد , عن أبيه , عن أبي صالح , عن ابن عباس . 917 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قال : إنما سموا نصارى لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى ابن مريم , فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { الذين قالوا إنا نصارى } قال : تسموا بقرية يقال لها ناصرة , كان عيسى ابن مريم ينزلها .

    وَالصَّابِئِينَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { والصابئين } قال أبو جعفر : والصابئون جمع صابئ , وهو المستحدث سوى دينه دينا , كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه . وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره تسميه العرب صابئا , يقال منه : صبأ فلان يصبأ صبأ , ويقال : صبأت النجوم : إذا طلعت , وصبأ علينا فلان موضع كذا وكذا , يعني به طلع . واختلف أهل التأويل فيمن يلزمه هذا الاسم من أهل الملل . فقال بعضهم : يلزم ذلك كل من خرج من دين إلى غير دين . وقالوا : الذين عنى الله بهذا الاسم قوم لا دين لهم . ذكر من قال ذلك : 918 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق جميعا , عن سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال : { الصابئون } ليسوا بيهود ولا نصارى ولا دين لهم . * - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن الحجاج بن أرطأة , عن القاسم بن أبي بزة , عن مجاهد , مثله . 919 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن الحجاج , عن مجاهد , قال : الصابئون بين المجوس واليهود لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم . 920 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عنبسة , عن حجاج , عن قتادة , عن الحسن مثل ذلك . 921 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح : الصابئين بين اليهود والمجوس لا دين لهم . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . * - حدثنا القاسم ; قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج , قال مجاهد : الصابئين بين المجوس واليهود , لا دين لهم . قال ابن جريج : قلت لعطاء : " الصابئين " زعموا أنها قبيلة من نحو السواد ليسوا بمجوس ولا يهود ولا نصارى . قال : قد سمعنا ذلك , وقد قال المشركون للنبي : قد صبأ . 922 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { الصابئون } قال : الصابئون : دين من الأديان , كانوا بجزيرة الموصل يقولون : " لا إله إلا الله " , وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله . قال : ولم يؤمنوا برسول الله , فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : هؤلاء الصابئون . يشبهونهم بهم . وقال آخرون : هم قوم يعبدون الملائكة , ويصلون إلى القبلة . ذكر من قال ذلك : 923 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه , عن الحسن , قال : حدثني زياد : أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس . قال : فأراد أن يضع عنهم الجزية . قال : فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة . 924 - وحدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { والصابئين } قال : الصابئون قوم يعبدون الملائكة , ويصلون إلى القبلة , ويقرءون الزبور . 925 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية قال : الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور . قال أبو جعفر الرازي : وبلغني أيضا أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة , ويقرءون الزبور , ويصلون إلى القبلة . وقال آخرون : بل هم طائفة من أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك : 926 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : حدثنا أبي عن سفيان , قال : سئل السدي عن الصابئين فقال : طائفة من أهل الكتاب .

    مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم } قال أبو جعفر : يعني بقوله : { من آمن بالله واليوم الآخر } من صدق وأقر بالبعث بعد الممات يوم القيامة وعمل صالحا فأطاع الله , فلهم أجرهم عند ربهم , يعني بقوله : { فلهم أجرهم عند ربهم } فلهم ثواب عملهم الصالح عند ربهم . فإن قال لنا قائل : فأين تمام قوله : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين } ؟ قيل : تمامه جملة قوله : { من آمن بالله واليوم الآخر } لأن معناه : من آمن منهم بالله واليوم الآخر فترك ذكر منهم لدلالة الكلام عليه استغناء بما ذكر عما ترك ذكره . فإن قال : وما معنى هذا الكلام ؟ قيل : إن معناه : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من يؤمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم . فإن قال : وكيف يؤمن المؤمن ؟ قيل : ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته من انتقال من دين إلى دين كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان , وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى , وبما جاء به , حتى أدرك محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن به وصدقه , فقيل لأولئك الذين كانوا مؤمنين بعيسى وبما جاء به إذ أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم : آمنوا بمحمد وبما جاء به , ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع ثباته على إيمانه وتركه تبديله . وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين , فالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم , وبما جاء به , فمن يؤمن منهم بمحمد , وبما جاء به واليوم الآخر , ويعمل صالحا , فلم يبدل ولم يغير , حتى توفي على ذلك , فله ثواب عمله وأجره عند ربه , كما وصف جل ثناؤه . فإن قال قائل : وكيف قال : فلهم أجرهم عند ربهم , وإنما لفظه من لفظ واحد , والفعل معه موحد ؟ قيل : " من " وإن كان الذي يليه من الفعل موحدا , فإن معنى الواحد والاثنين والجمع والتذكير والتأنيث , لأنه في كل هذه الأحوال على هيئة واحدة وصورة واحدة لا يتغير , فالعرب توحد معه الفعل وإن كان في معنى جمع للفظه , وتجمع أخرى معه الفعل لمعناه , كما قال جل ثناؤه : { ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } 10 42 : 43 فجمع مرة مع من الفعل لمعناه , ووحد أخرى معه الفعل ; لأنه في لفظ الواحد , كما قال الشاعر : ألما بسلمى عنكما إن عرضتما وقولا لها عوجي على من تخلفوا فقال : تخلفوا , وجعل " من " بمنزلة الذين . وقال الفرزدق : تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فثنى يصطحبان لمعنى " من " . فكذلك قوله : { من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم } وحد آمن وعمل صالحا للفظ من , وجمع ذكرهم في قوله : { فلهم أجرهم } لمعناه , لأنه في معنى جمع . وأما قوله : { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } فإنه يعني به جل ذكره : ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة , ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده . ذكر من قال عنى بقوله : { من آمن بالله } مؤمنو أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : 927 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط بن نصر , عن السدي : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } الآية , قال : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي , وكان سلمان من جندسابور , وكان من أشرافهم , وكان ابن الملك صديقا له مواخيا , لا يقضي واحد منهم أمرا دون صاحبه , وكانا يركبان إلى الصيد جميعا . فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباء , فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي , فسألاه ما هذا , فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما , فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما , فنزلا إليه , فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله , أمر فيه بطاعته , ونهى عن معصيته , فيه : أن لا تزني , ولا تسرق , ولا تأخذ أموال الناس بالباطل . فقص عليهما ما فيه , وهو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى . فوقع في قلوبهما وتابعاه فأسلما , وقال لهما : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام , فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه , حتى كان عيد للملك , فجعل طعاما , ثم جمع الناس والأشراف , وأرسل إلى ابن الملك فدعاه إلى صنيعه ليأكل مع الناس , فأبى الفتى وقال : إني عنك مشغول , فكل أنت وأصحابك , فلما أكثر عليه من الرسل , أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم , فبعث الملك إلى ابنه , فدعاه وقال : ما أمرك هذا ؟ قال : إنا لا نأكل من ذبائحكم , إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم , فقال له الملك : من أمرك بهذا ؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك , فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني ؟ قال : صدق ابنك , قال له : لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك , ولكن اخرج من أرضنا ! فأجله أجلا . فقال سلمان : فقمنا نبكي عليه , فقال لهما : إن كنتما صادقين , فإنا في بيعة بالموصل مع ستين رجلا نعبد الله فيها , فأتونا فيها . فخرج الراهب , وبقي سلمان وابن الملك ; فجعل يقول لابن الملك : انطلق بنا , وابن الملك يقول : نعم , وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز . فلما أبطأ على سلمان , خرج سلمان حتى أتاهم , فنزل على صاحبه وهو رب البيعة , وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان , فكان سلمان : معهم يجتهد في العبادة , ويتعب نفسه , فقال له الشيخ : إنك غلام حدث تتكلف من العبادة ما لا تطيق , وأنا خائف أن تفتر وتعجز , فارفق بنفسك وخفف عليها ! فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به أهو أفضل , أو الذي أصنع ؟ قال : بل الذي تصنع ؟ قال : فخل عني . ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال : أتعلم أن هذه البيعة لي , وأنا أحق الناس بها , ولو شئت أن أخرج هؤلاء منها لفعلت ؟ ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء , وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من هؤلاء , فإن شئت أن تقيم ههنا فأقم , وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق . قال له سلمان : أي البيعتين أفضل أهلا ؟ قال : هذه . قال سلمان : فأنا أكون في هذه . فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة عالم البيعة بسلمان , فكان سلمان يتعبد معهم . ثم إن الشيخ العالم أراد أن يأتي بيت المقدس , فقال لسلمان : إن أردت أن تنطلق معي فانطلق , وإن شئت أن تقيم فأقم . فقال له سلمان : أيهما أفضل أنطلق معك أم أقيم ؟ قال : لا بل تنطلق معي . فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى , فلما رآهما نادى : يا سيد الرهبان ارحمني يرحمك الله , فلم يكلمه , ولم ينظر إليه , وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس , فقال الشيخ لسلمان : اخرج فاطلب العلم فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض . فخرج سلمان يسمع منهم , فرجع يوما حزينا , فقال له الشيخ : ما لك يا سلمان ؟ قال : أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم , فقال له الشيخ : يا سلمان لا تحزن , فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه وهذا زمانه الذي يخرج فيه , ولا أراني أدركه , وأما أنت فشاب لعلك أن تدركه , وهو يخرج في أرض العرب , فإن أدركته فآمن به واتبعه ! فقال له سلمان : فأخبرني عن علامته بشيء . قال : نعم , هو مختوم في ظهره بخاتم النبوة , وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة . ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد , فناداهما فقال : يا سيد الرهبان ارحمني يرحمك الله , فعطف إليه حماره , فأخذ بيده فرفعه , فضرب به الأرض ودعا له , وقال : قم بإذن الله , فقام صحيحا يشتد , فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه يشتد . وسار الراهب فتغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان . ثم إن سلمان فزع فطلب الراهب , فلقيه رجلان من العرب من كلب فسألهما : هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته , قال : نعم راعي الصرمة هذا , فحمله فانطلق به إلى المدينة . قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط . فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما , فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم . فبينا هو يوما يرعى , إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه , فقال : أشعرت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟ فقال له سلمان : أقم في الغنم حتى آتيك له . فهبط سلمان إلى المدينة , فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوله . فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد , فأرسل ثوبه . حتى خرج خاتمه , فلما رآه أتاه وكلمه , ثم انطلق , فاشترى بدينار ببعضه شاة وببعضه خبزا , ثم أتاه به , فقال : " ما هذا " ؟ قال سلمان : هذه صدقة قال : " لا حاجة لي بها فأخرجها فيأكلها المسلمون " . ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما , فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : " ما هذا " ؟ قال : هذه هدية , قال : " فاقعد " , فقعد فأكلا جميعا منها . فبينا هو يحدثه إذ ذكر أصحابه , فأخبره خبرهم , فقال : كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك , ويشهدون أنك ستبعث نبيا ; فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : " يا سلمان هم من أهل النار " . فاشتد ذلك على سلمان , وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك , فأنزل الله هذه الآية : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر } . فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى حتى جاء عيسى , فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا . وإيمان النصارى أنه من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه , حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم , فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا . 928 - حدثنا القاسم , قال : حدثني الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد قوله : { إن الذين آمنوا والذين هادوا } الآية . قال سلمان الفارسي للنبي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم , قال : لم يموتوا على الإسلام . قال سلمان : فأظلمت علي الأرض . وذكر اجتهادهم , فنزلت هذه الآية , فدعا سلمان فقال : " نزلت هذه الآية في أصحابك " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي فهو على خير ومن سمع بي اليوم ولم يؤمن بي فقد هلك " . وقال ابن عباس بما : 929 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين } إلى قوله : { ولا هم يحزنون } . فأنزل الله تعالى بعد هذا : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } . 3 85 وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا من اليهود والنصارى والصابئين على عمله في الآخرة الجنة , ثم نسخ ذلك بقوله : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } . 3 85 فتأويل الآية إذا على ما ذكرنا عن مجاهد والسدي : إن الذين آمنوا من هذه الأمة , والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله واليوم الآخر , { فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . والذي قلنا من التأويل الأول أشبه بظاهر التنزيل , لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان بعض خلقه دون بعض منهم , والخبر بقوله : { من آمن بالله واليوم الآخر } عن جميع ما ذكر في أول الآية .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()