بتـــــاريخ : 11/5/2009 2:19:00 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1151 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 164

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض } اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . فقال بعضهم : أنزلها عليه احتجاجا له على أهل الشرك به من عبدة الأوثان , وذلك أن الله تعالى ذكره لما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } فتلا ذلك على أصحابه , وسمع به المشركون من عبدة الأوثان قال المشركون : وما الحجة والبرهان على أن ذلك كذلك , ونحن ننكر ذلك , ونحن نزعم أن لنا آلهة كثيرة ؟ فأنزل الله عند ذلك : { إن في خلق السموات والأرض } احتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على الذين قالوا ما ذكرنا عنهم . ذكر من قال ذلك : 1987 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , قال : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } فقال كفار قريش بمكة : كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } إلى قوله : { لآيات لقوم يعقلون } فبهذا يعلمون أنه إله واحد , وأنه إله كل شيء وخالق كل شيء . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن أهل الشرك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ آية ] , فأنزل الله هذه الآية يعلمهم فيها أن لهم في خلق السموات والأرض وسائر ما ذكر مع ذلك آية بينة على وحدانية الله , وأنه لا شريك له في ملكه لمن عقل وتدبر ذلك بفهم صحيح . ذكر من قال ذلك : 1988 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن أبيه , عن أبي الضحى , قال : لما نزلت : { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } قال المشركون : إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية ! فأنزل الله تعالى ذكره : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } . . الآية . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق بن الحجاج , ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : حدثني سعيد بن مسروق , عن أبي الضحى , قال : لما نزلت { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } قال المشركون : إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية ! فأنزل الله تعالى ذكره { إن في خلق السموات والأض واختلاف الليل والنهار } . . الآية . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : حدثني سعيد بن مسروق , عن أبي الضحى , قال : لما نزلت هذه الآية حمل المشركون يعجبون ويقولون : تقول إلهكم إله واحد , فلتأتنا بآية إن كنت من الصادقين ! فأنزل الله : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } . . . الآية . 1989 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أرنا آية ! فنزلت هذه الآية : { إن في خلق السموات والأرض } 1990 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يعقوب القمي عن جعفر , عن سعيد , قال : سألت قريش اليهود , فقالوا : حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات ! فحدثوهم بالعصا وبيده البيضاء للناظرين , وسألوا النصارى عما جاءهم به عيسى من الآيات , فأخبروهم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله . فقالت قريش عند ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنزداد يقينا , ونتقوى به على عدونا ! فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه , فأوحى إليه : إني معطيهم , فأجعل لهم الصفا ذهبا , ولكن إن كذبوا عذبتهم عذابا لم أعذبه أحدا من العالمين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ذرني وقومي فأدعوهم يوما بيوم " فأنزل الله عليه : { إن في خلق السموات والأرض } الآية , إن في ذلك لآية لهم , إن كانوا إنما يريدون أن أجعل لهم الصفا ذهبا , فخلق الله السموات والأرض واختلاف الليل والنهار أعظم من أن أجعل لهم الصفا ذهبا ليزدادوا يقينا . 1991 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا أنه منه ! فقال الله : إن في هذه الآيات لآيات لقوم يعقلون . وقال : قد سأل الآيات قوم قبلكم , ثم أصبحوا بها كافرين . والصواب من القول في ذلك , أن الله تعالى ذكره نبه عباده على الدلالة على وحدانيته وتفرده بالألوهية دون كل ما سواه من الأشياء بهذه الآية . وجائز أن تكون نزلت فيما قاله عطاء , وجائز أن تكون فيما قاله سعيد بن جبير وأبو الضحى , ولا خبر عندنا بتصحيح قول أحد الفريقين يقطع العذر فيجوز أن يقضي أحد لأحد الفريقين بصحة قول على الآخر . وأي القولين كان صحيحا فالمراد من الآية ما قلت . { إن في خلق السموات والأرض } . يعني تعالى ذكره بقوله : { إن في خلق السموات والأرض } إن في إنشاء السموات والأرض وابتداعهما . ومعنى خلق الله الأشياء : ابتداعه وإيجاده إياها بعد أن لم تكن موجودة . وقد دللنا فيما مضى على المعنى الذي من أجله قيل " الأرض " ولم تجمع كما جمعت السموات , فأغنى ذلك عن إعادته . فإن قال لنا قائل : وهل للسموات والأرض خلق هو غيرها فيقال : إن في خلق السموات والأرض ؟ قيل : قد اختلف في ذلك , فقال بعض الناس : لها خلق هو غيرها , واعتلوا في ذلك بهذه الآية , وبالتي في سورة الكهف : { ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم } 18 51 وقالوا : لم يخلق الله شيئا إلا والله له مريد . قالوا : فالأشياء كانت بإرادة الله , والإرادة خلق لها . وقال آخرون : خلق الشيء صفة له , لا هي هو ولا غيره . قالوا : لو كان غيره لوجب أن يكون مثله موصوفا . قالوا : ولو جاز أن يكون خلقه غيره وأن يكون موصوفا لوجب أن تكون له صفة هي له خلق , ولو وجب ذلك كذلك لم يكن لذلك نهاية . قالوا : فكان معلوما بذلك أنه صفة للشيء . قالوا : فخلق السموات والأرض صفة لهما على ما وصفنا واعتلوا أيضا بأن للشيء خلقا ليس هو به من كتاب الله بنحو الذي اعتل به الأولون . وقال آخرون : خلق السموات والأرض وخلق كل مخلوق , هو ذلك الشيء بعينه لا غيره . فمعنى قوله : { إن في خلق السموات والأرض } : إن في السموات والأرض .

    وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { واختلاف الليل والنهار } يعني تعالى ذكره بقوله : { واختلاف الليل والنهار } وتعاقب الليل والنهار عليكم أيها الناس . وإنما الاختلاف في هذا الموضع الافتعال من خلوف كل واحد منهما الآخر , كما قال تعالى ذكره : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } 25 62 بمعنى : أن كل واحد منهما يخلف مكان صاحبه إذا ذهب الليل جاء النهار بعده , وإذا ذهب النهار جاء الليل خلفه ; ومن ذلك قيل : خلف فلان فلانا في أهله بسوء , ومنه قول زهير : بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم وأما الليل فإنه جمع ليلة , نظير التمر الذي هو جمع تمرة , وقد يجمع ليال فيزيدون في جمعها ما لم يكن في واحدتها . وزيادتهم الياء في ذلك نظير زيادتهم إياها في رباعية وثمانية وكراهية . وأما النهار فإن العرب لا تكاد تجمعه لأنه بمنزلة الضوء , وقد سمع في جمعه " النهر " قال الشاعر : لولا الثريدان هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنهر ولو قيل في جمع قليله أنهرة كان قياسا .

    وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { والفلك التي تجري في البحر } يعني تعالى ذكره : إن في الفلك التي تجري في البحر . والفلك هو السفن , واحده وجمعه بلفظ واحد , ويذكر ويؤنث كما قال تعالى ذكره في تذكيره في آية أخرى : { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون } 36 41 فذكره , وقد قال في هذه الآية : { والفلك التي تجري في البحر } وهي مجراة لأنها إذا أجريت فهي الجارية , فأضيف إليها من الصفة ما هو لها .

    بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ

    وأما قوله : { بما ينفع الناس } فإن معناه : ينفع الناس في البحر .

    وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وما أنزل الله من السماء من ماء } يعني تعالى ذكره بقوله : { وما أنزل الله من السماء من ماء } وفيما أنزله الله من السماء من ماء , وهو المطر الذي ينزله الله من السماء .

    فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

    وقوله : { فأحيا به الأرض بعد موتها } وإحياؤها : عمارتها وإخراج نباتها , والهاء التي في " به " عائدة على الماء والهاء والألف في قوله : { بعد موتها } على الأرض , وموت الأرض : خرابها ودثور عمارتها , وانقطاع نباتها الذي هو للعباد أقوات وللأنام أرزاق .

    وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وبث فيها من كل دابة } يعني تعالى ذكره بقوله : { وبث فيها من كل دابة } وإن فيما بث في الأرض من دابة . ومعنى قوله , { وبث فيها } وفرق فيها , من قول القائل : بث الأمير سراياه : يعني فرق . والهاء والألف في قوله : " فيها " عائدتان على الأرض . والدابة الفاعلة من قول القائل دبت الدابة تدب دبيبا فهي دابة , والدابة اسم لكل ذي روح كان غير طائر بجناحيه لدبيبه على الأرض .

    وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وتصريف الرياح } يعني تعالى ذكره بقوله : { وتصريف الرياح } وفي تصريفه الرياح , فأسقط ذكر الفاعل وأضاف الفعل إلى المفعول , كما قال : يعجبني إكرام أخيك , يريد إكرامك أخاك وتصريف الله إياها : أن يرسلها مرة لواقح , ومرة يجعلها عقيما , ويبعثها عذابا تدمر كل شيء بأمر ربها . كما : 1992 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وتصريف الرياح والسحاب المسخر } قال : قادر والله ربنا على ذلك , إذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح , إنما هي عذاب على من أرسلت عليه . وزعم بعض أهل العربية أن معنى قوله : { وتصريف الرياح } أنها تأتي مرة جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا ; ثم قال : وذلك تصريفها . وهذه الصفة التي وصف الرياح بها صفة تصرفها لا صفة تصريفها , لأن تصريفها تصريف الله لها , وتصرفها اختلاف هبوبها . وقد يجوز أن يكون معنى قوله : { وتصريف الرياح } تصريف الله تعالى ذكره هبوب الرياح باختلاف مهابها .

    وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون } يعني تعالى ذكره بقوله { والسحاب المسخر } وفي السحاب جمع سحابة , يدل على ذلك قوله تعالى ذكره : { وينشئ السحاب الثقال } 13 12 فوحد المسخر وذكره , كما قال : هذه تمرة وهذا تمر كثير في جمعه , وهذه نخلة وهذا نخل . وإنما قيل للسحاب سحاب إن شاء الله لجر بعضه بعضا وسحبه إياه , من قول القائل : مر فلان يجر ذيله : يعني يسحبه . فأما معنى قوله : { لآيات } فإنه علامات ودلالات على أن خالق ذلك كله ومنشئه إله واحد , { لقوم يعقلون } لمن عقل مواضع الحجج وفهم عن الله أدلته على وحدانيته . فأعلم تعالى ذكره عباده بأن الأدلة والحجج إنما وضعت معتبرا لذوي العقول والتمييز دون غيرهم من الخلق , إذ كانوا هم المخصوصين بالأمر والنهي , والمكلفين بالطاعة والعبادة , ولهم الثواب وعليهم العقاب . فإن قال قائل : وكيف احتج على أهل الكفر بقوله : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار } الآية في توحيد الله , وقد علمت أن أصنافا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السموات والأرض وسائر ما ذكر في هذه الآية مخلوقة ؟ قيل : إن إنكار من أنكر ذلك غير دافع أن يكون جميع ما ذكر تعالى ذكره في هذه الآية دليلا على خالقه وصانعه , وأن له مدبرا لا يشبهه [ شيء ] , وبارئا لا مثل له . وذلك وإن كان كذلك , فإن الله إنما حاج بذلك قوما كانوا مقرين بأن الله خالقهم , غير أنهم يشركون في عبادته عبادة الأصنام والأوثان ; فحاجهم تعالى ذكره فقال إذ أنكروا قوله : { وإلهكم إله واحد } وزعموا أن له شركاء من الآلهة : إن إلهكم الذي خلق السموات , وأجرى فيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبين في سيرهما وذلك هو معنى اختلاف الليل والنهار في الشمس والقمر , وذلك هو معنى قوله : { والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس } وأنزل إليكم الغيث من السماء , فأخصب به جنابكم بعد جدوبه , وأمرعه بعد دثوره , فنعشكم به بعد قنوطكم , وذلك هو معنى قوله : { وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها } . وسخر لكم الأنعام فيها لكم مطاعم ومآكل , ومنها جمال ومراكب , ومنها أثاث وملابس , وذلك هو معنى قوله : { وبث فيها من كل دابة } وأرسل لكم الرياح لواقح لأشجار ثماركم وغذائكم وأقواتكم وسير لكم السحاب الذي بودقه حياتكم وحياة نعمكم ومواشيكم ; وذلك هو معنى قوله : { وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض } . فأخبرهم بأن إلههم هو الله الذي أنعم عليهم بهذه النعم , وتفرد لهم بها . ثم قال : { هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء } 30 40 فتشركوه في عبادتكم إياي , وتجعلوه لي ندا وعدلا ؟ فإن لم يكن من شركائكم من يفعل ذلكم من شيء , ففي الذي عددت عليكم من نعمتي وتفردت لكم بأيادي دلالات لكم إن كنتم تعقلون مواقع الحق والباطل والجور والإنصاف , وذلك إني لكم بالإحسان إليكم متفرد دون غيري , وأنتم تجعلون لي في عبادتكم إياي أندادا . فهذا هو معنى الآية . والذين ذكروا بهذه الآية واحتج عليهم بها هم القوم الذين وصفت صفتهم دون المعطلة والدهرية وإن كان في أصغر ما عد الله في هذه الآية من الحجج البالغة , المقنع لجميع الأنام تركنا البيان عنه كراهة إطالة الكتاب بذكره .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()