يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
القول في تأويل قوله تعالى : { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم } يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك أصحابك يا محمد , أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به , وعلى من ينفقونه فيما ينفقونه ويتصدقون به ؟ فقل لهم : ما أنفقتم من أموالكم وتصدقتم به فأنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لآبائكم وأمهاتكم وأقربيكم , ولليتامى منكم والمساكين وابن السبيل , فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم , وهو محصيه لكم حتى يوفيكم أجوركم عليه يوم القيامة , ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه . والخبر الذي قال جل ثناؤه في قوله : { قل ما أنفقتم من خير } هو المال الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من النفقة منه , فأجابهم الله عنه بما أجابهم به في هذه الآية . وفي قوله : { ماذا } وجهان من الإعراب : أحدهما أن يكون " ماذا " بمعنى أي شيء , فيكون نصبا بقوله : " ينفقون " , فيكون معنى الكلام حينئذ : يسألونك أي شيء ينفقون , ولا ينصب ب " يسألونك " . والآخر منهما الرفع . وللرفع في " ذلك " وجهان : أحدهما أن يكون " ذا " الذي مع " ما " بمعنى " الذي " , فيرفع " ما " ب " ذا " و " ذا " ب " ما " , و " ينفقون " من صلة " ذا " , فإن العرب قد تصل " ذا " وهذا كما قال الشاعر :
عدس ما لعباد عليك إمارة
أمنت وهذا تحملين طليق
ف " تحملين " من صلة " هذا " , فيكون تأويل الكلام حينئذ : يسألونك ما الذي ينفقون . والآخر من وجهي الرفع أن تكون " ماذا " بمعنى أي شيء , فيرفع " ماذا " , وإن كان قوله : { ينفقون } واقعا عليه , إذ كان العامل فيه وهو " ينفقون " لا يصلح تقديمه قبله , وذلك أن الاستفهام لا يجوز تقديم الفعل فيه قبل حرف الاستفهام , كما قال الشاعر :
ألا تسألان المرء ماذا يحاول
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
وكما قال الآخر :
وقالوا تعرفها المنازل من منى
وما كل من يغشى منى أنا عارف
فرفع " كل " ولم ينصبه بعارف . إن كان معنى قوله : " وما كان من يغشى منى أنا عارف " جحود معرفة من يغشى منى , فصار في معنى ما أحد . وهذه الآية [ نزلت ] فيما ذكر قبل أن يفرض الله زكاة الأموال . ذكر من قال ذلك : 3237 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين } قال : يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة , وإنما هي النفقة ينفقها الرجل على أهله والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة . 3238 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم ؟ فنزلت : { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل } فذلك النفقة في التطوع والزكاة سوى ذلك كله . قال : وقال مجاهد : سألوا فأفتاهم في ذلك ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما . 3239 - حدثنا محمد بن عمرو , قال ثنا أبو عاصم , قال : ثني عيسى , قال : سمعت ابن أبي نجيح في قول الله : { يسألونك ماذا ينفقون } قال : سألوه فأفتاهم في ذلك فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما . 3240 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : وسألته عن قوله : { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين } قال : هذا من النوافل , قال : يقول : هم أحق بفضلك من غيرهم . وهذا الذي قاله السدي من أنه لم يكن يوم نزلت هذه الآية زكاة , وإنما كانت نفقة ينفقها الرجل على أهله , وصدقة يتصدق بها , ثم نسختها الزكاة , قول ممكن أن يكون , كما قال : وممكن غيره . ولا دلالة في الآية على صحة ما قال , لأنه ممكن أن يكون قوله : { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين } الآية , حثا من الله جل ثناؤه على الإنفاق على من كانت نفقته غير واجبة من الآباء والأمهات والأقرباء , ومن سمي معهم في هذه الآية , وتعريفا من الله عباده مواضع الفضل التي تصرف فيها النفقات , كما قال في الآية الأخرى : { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة } 2 177 وهذا القول الذي قلناه في قول ابن جريج الذي حكيناه . وقد بينا معنى المسكنة , ومعنى ابن السبيل فيما مضى , فأغنى ذلك عن إعادته .