د. أيمن غريب قطب .
إن مشكلة مجتمعاتنا الآن هي أن نحقق لنا موقعا وأن نسعى سعيا حثيثا نحو الحداثة والتقدم. ويرتبط هذا بالتغيرات السريعة والنوعية خاصة تلك التي سادت وازدادت معدلاتها في العصر الحديث والتي هي من سمات العصر الحالي.
ويعد التحديث كما أشارت الدراسات هدفا ونتيجة لعملية التغير الاجتماعي بصرف النظر عن نوع هذا التغير ومداه .ويقصد بالتغير الاجتماعي في هذا الصدد الحركة الإيجابية للمجتمع نحو الأمام…أو تقدمه وتطوره .
وتعد مشكلة التحديث والتقدم والتطور مشكلة كل المجتمعات خاصة النامية منها . حيث أصبح السباق بين الأمم والمجتمعات سباقا حضاريا يفوق كل التصورات والتخيلات العلمية من قبل. ولقد أضحت المسافة بين البلدان المتقدمة والنامية مسافة شاسعة .
وقد تكون هذه المشكلة من أهم المشكلات التي تفرض نفسها على ساحة العلوم الاجتماعية وخاصة علم النفس المعاصر. ولعل أهم ما تعالجه هو البحث في خصائص عملية التحديث ولماذا سارت بعض المجتمعات بسرعة أكبر من غيرها نحو التقدم ؟ وما هي أهم المقومات الشخصية والاجتماعية التي ساعدت على حدوث ذلك ؟
ولقد أظهرت العديد من النظريات والإسهامات النظرية والإمبريقية فيما يطلق عليه سيكولوجية التحديث إلى أن التحديث يعزى إلى عوامل شخصية ونفسية . وتتفق جميعها على أهمية وطبيعة المتغيرات الاجتماعية للتحديث كما تنص عليها نظريات التغير الاجتماعي.
ولكنها تختلف فيما بينها في تحديد العوامل النفسية وتعريفها. وقد أسفرت الدراسات المنبثقة عن هذه النظريات إلى إمكانية التسليم بوجود مجموعة من العوامل أو الخصائص النفسية التي تعد أوضح ما يميز شخصية الإنسان في المجتمعات المتقدمة أو المتحضرة بصرف النظر عن الاعتبارات الثقافية أو القومية أو العرقية أو الاجتماعية .
وتشير إحدى النظريات إلى أن التحديث في الشخصية يعد حالة عقلية state of mind تتضمن مجموعة من الاتجاهات والقيم وأسلوب الحياة أو المعيشة والتعبير والتفكير والعمل . حيث يفترض أنها من متطلبات هذه الحالة ومتطلبات الحياة العصرية . وتنعكس هذه الحالة على بعض الخصائص النفسية والاجتماعية التي تتطلبها الحياة في المجتمع العصري الحديث.
إن الشخصية المتميزة بسمات الحداثة هي الشخصية التي لديها قدرة على تقبل الخبرات والأفكار الجديدة والانفتاح الفكري أو النزعة الديمقراطية أي تقبل الرأي والرأي الآخر والمناقشة والحوار والتحلي بآداب الحوار والاستعداد لتقبل الخبرات الجديدة وممارستها والميل إلى تغيير أسلوب الحياة لمسايرة مقتضيات العصر
وعدم رفض كل ما هو جديد دون أي مبرر مقنع أو التشبث غير الواعي بكل ما هو قديم والمرونة في تغيير أسلوب العمل والحياة أو المذاكرة ومن ثمة الاستعداد لاكتساب وتبني آراء جديدة حول عدد من القضايا والمشكلات العامة والمحيطة وتبني أو تكوين وجهات نظر ناضجة إزاء عدد كبير من القضايا والمشكلات الاجتماعية والقومية والإقليمية وحتى العالمية وتقبل الاختلاف مع الآخرين في وجهات النظر والمعتقدات والأفكار ومراعاة ذلك في المناقشة واتخاذ القرار وحرية الفكر والتصرف ومرونة العمل والتفكير وعدم التردد أو الحرج في تبني الأفكار البناءة أ والمقنعة .
إن كل هذه السمات إذا ما حرصت أساليب التربية والتعليم ومؤسسات التنشئة داخل مجتمعاتنا في تكوينها لدى الأطفال والشباب لكان ذلك أكبر مساهم ومسير للحداثة داخل مجتمعاتنا واتجاهها نحو التقدم. فالمجتمعات العصرية والمتقدمة لا تتقدم ولا يمكن لها أن تحقق التحديث بمؤسساتها ومنشآتها المادية فقط وإنما في الأساس من خلال شخصيات الأفراد داخل هذه المجتمعات والتغير أولا وأخيرا نحو الأفضل . فما أحوجنا الآن إلى ذلك وبالأخص من خلال الإعداد العلمي والأساليب التربوية السديدة. فبالتعليم والعلم فقط يمكن لنا أن ننافس المجتمعات المتحضرة ونسير في حذوها بل وننافسها وقد نتعداها أيضا نحو التقدم والحداثة.
|