أسماؤنا انكسرت
هدأت جفون الليل ذات مساء
وتهادت بانحدار الأمنيات
غبارٌ كئيبٌ ... وصغيرة قرب مثواها تصلي:
لا تمسحوا عني الغبار – وصيتي-
غريبة أنا وسط الركام
وقد ذبلت زهور الطفولة
أقّلب الأشلاء بطرف،
أسماؤنا انكسرت قبل جفافها
وهنا سقطت أمانينا ...
أحسبها تفر الآن من خسف المكان والذاكرة
تنسحب قبل انتهاء الوقت بوقت يسير
وتغسلنا مثلما يغسل مجرى النهر حصاه
ومثلما تحترق البسمة بثغر محكوم بالقتل مرارا
تعتذر ونصفح،
فما أطيبنا - نحن المدفونون بدون صلاة -
ما أصفانا نطوي رؤانا دون بكاء
ما أجملنا، وقد ضج الليل بنا
دون حياة تنفض كفيها المتسخين من هذا الطين
ثم تغيب عن الأنظار
أمدُّ بصوتي
أبعد من حدود الصوت:
لا تمسحوا عني الغبار – وصيتي –
واتركوني في حضنها أمدا
فإني أخاف بلا حضن أمي
وإني أموت بلا حضن أمي
وإني أتيه بلا حضن أمي
وبدونه أجهل من أنا،
ومن أي حب أتيت
وكيف زرعت بحقل غبار
وكيف سأعبر نحو انتهائي الأخير
ومن سيلقن لحن الصباح،
إلى بلبل لا ينام بدون غناء
ومن سيضمد بعيد الرحيل أنين الجراح
كنت أكفكف دمع المشيع في الجنازة
فلا النهايات تنتهي، ولا الموت يتعب
ولا المآسي تشيب
أدعو الضحايا بأسمائها المستعارة دون التباس
بأوصافها المخيفة
يا مقتولا تحت النافذة، يا مخنوقا،
يا خصلة عامت فوق الأشلاء
قوموا من مراقدكم، ولا تتركوا من الموت أثراً
اجمعوا أجسادكم... ركِّبوا الأجزاء في أماكنها،
حسب العمر، ولون الشعر، وملح الدمع،
فإنا سنمضي عما قليل باتجاه السماء،
فلا تمسحوا عن جبيني الغبار
واتركوني حيث أنا
في قلبها، سيكون الخوف أقلَّ فتكا
وأمي تمنُّ عليَّ بساعدين وقبلة
ودعاءٍ، طويل، حزينٍ،
لنجدةٍ أتت بعد أوانها
وأمي تصلي، وتحسن صقل الوجوه الصفر
وتغمض عينَيَّ عما يحيط بقلبي الصغير
مثل ملاك كسير الجناح
سفْرٌ يديّ إلا من الإسمنت المشظى
وقد صاح ديك المنيّة مع الفجر
تحلّقنا حوله بصمتٍ يُجِلّ المواعيد
واقترعنا لمن سوف يخرج من موته
قبل شروق الشمس إلى موته،
ويعتق من لعنة الاسمنت قبل غيره
ومن سوف يصلُ سماء الله أولاً،
ويشكو لها اختناق الزهر الجميل
واحتراق الشعر الطويل، وانحناء البيوت على أهلها،
وانسحاب الهواء المباغت.
بانتظار الرحيل الأخير
وحين يستقر الكلام على صفة
تحار دموع الثكالى
بين موتين، وموعد يلازمني،
وعند ضفة النهر المصفى من الوجع،
هناك هناك لن يمسحوا
عني الغبار،
بجنتي .