كنت أتحدث مع احدى الأخوات العزيزات حول قضية مهمة نعاني منها جميعاً وهي عزوف كثير من أخواتنا الطيبات عن خوض مجال الدعوة بقوة لا سيما وهن يملكن مواهب وقدرات وذلك لأسباب كثيرة، وكنا نتحدث ونستغرب كيف تترك الأخت المثقفة الداعية وخاصة المعلمة وعضوة هيئة التدريس في جامعاتنا الساحة وهي تملك بين جنبيها قلباً مقبلاً على ما يحب الله وتعلم من التوجيهات الربانية والأحاديث النبوية ما لا يعلم غيرها بفضل الله؟ كيف تهنأ بالنوم والأكل والحياة وهي تدرك مدى الحاجة الماسة لحضورها في ساحة الدعوة؟ كيف يطيب لها عيش وهي ترى فتياتنا معرضات لكل أنواع الشبه والشهوات؟
ترى هل غاب عن الأذهان فضل الدعوة الكبير وأجرها الجزيل، وأين التنافس الذي تكررت الدعوة إليه في الكتاب العزيز؟
تذكرت على الفور الآية الكريمة في سورة آل عمران حيث يقول الله عز وجل: "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" آية 146. الربانيون كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما هم الحلماء والفقهاء، ويقال: الرباني: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره. يعلق الإمام ابن سعدي رحمه الله على هذه الآية الكريمة قائلاً: أي وكم من نبي قاتل معه جماعات كثيرون من أتباعهم الذين ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك فما ضعفت قلوبهم ولا وهنت أبدانهم ولا استكانوا أي لم يذلوا لعدوهم بل صبروا وثبتوا وشجعوا أنفسهم.أ.هـ. يقول ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالماً معلماً عاملاً. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: هم الذين يغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها.
وإذا وجد في الرجال طائفة ممن يتصفون بهذه الصفات يقومون بدورهم في المجتمع رغبة في عظيم المنزلة عند الله فإن وجود الربانيات ممن يتصفن بصفات العلم والعمل وتربية الناس بالإيمان وتحبيب العمل الصالح لشرائح النساء المختلفة بالطرق والوسائل المختلفة يعتبر من أعظم الحاجات في وقتنا. وإن المرأة تسأل كما الرجل عن وقتها وعن علمها وهل قامت بما يجب عليها من تبليغه والدعوة إلى الله عز وجل، كما أن من رزقها الله مواهب مختلفة مسؤولة عنها ومحاسبة على التقصير في تسخيرها لنصرة دين الله في الأرض. وربما يكون هناك أعذار وإلقاء اللوم على الزوج أو الأب أو عدم تيسر بعض الأمور فإن كل عائق لابد له من حل إذا وجدت العزيمة على الأمر. وإن العائق الحقيقي في نظري والمرض الكبير هو الاستسلام لهذه الظروف وعدم محاولة تغييرها وإيجاد الحلول لها.
قرأت مرة كلمات جميلة للأستاذ أحمد أمين المصري في كتابه" المسؤولية": إن رجل العقيدة إذا لم يجد الوسائل سعى إلى إيجادها. وإذا كانت المرأة تواجه عدم تعاون من زوجها مثلاً فإنها تستطيع بما وهبها الله عز وجل من عاطفة أن تستعطفه وأن تحمله على إجلالها وإعظامها وأن لا تمل من تعليمه أنه بوقوفه معها ودعمه لها يضع نفسه بين أشراف القوم. وإن أبرز صفات الربانيات علمهن وعملهن بهذا العلم وشديد تمسكهن بالدين وقيامهن بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصبرهن على القيام بهذه الأمور. ومن صفاتهن التعاون فيما بينهن على الخير وعدم التنازع والاختلاف على أمور صغيرة والتواصي على أن يكن يداً واحدة في طريق الدعوة.
يقول المنفلوطي في النظرات: لا يستطيع الباطل أن يهزم الحق في ميدان، لأن الحق وجود والباطل عدم، إنما يصرعه جهل العلماء بقوته، ويأسهم من غلبته، وإغفالهم النداء به والدعاء إليه. ويروى عن الإمام الشافعي أنه قال في الليث بن سعد:"هو أفقه من مالك، ولكن أصحابه لم يقوموا به" بمعنى أنهم لم ينشروا علمه، وهكذا الدين لا ينتشر إلا بجهود المؤمنين والمؤمنات الربانيين والربانيات، فيا أيتها الربانية تعاهدي قلبك، ولا تحرمي نفسك من الأجر العظيم الذي وعد الله به الدعاة إليه، واغتنمي الفرص المتاحة اليوم والأبواب المشرعة، وتيقني أن الكلمة الصادقة المخلصة تبلغ الآفاق وأنت لا تشعرين، واعلمي أن الأمة تنتظر عطاءك اليوم قبل الغد:
لقد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل