غاية العاشق وصلاً يلملم شتات روحه، ويجمعه مع من يحب، وكلما ازداد اللقاء صعوبة كلما جادت قريحة العاشق الشاعر أكثر، وراح يعطي المبررات والأسباب التي دفعته إلى التعلق بحبيبته حتى لا تأخذه في الهوى لومة لائم، فينسج حبال الوصل في خياله ويعقدها بناصية حبيته، ثم يحلّق جناحاً يحاول الوصول إلى شواطيها ليصف لنا كيف تنعكس صورتها من مرايا عينيه الصافية ويبث لنا معاناته وما يلقاه في سبيل الوصول إليها.
هذه القصيدة التي أجمع النقاد على أنها تحتوي أجمل بيت في الوصف حيث شبه فيه الشاعر دمع حبيبته باللؤلؤ الذي يسيل على حقول الورد في خديها وشبه أسنانها بحبات البرد الصافية وشفتيها بكرم عنب.
وشاعر القصيدة هو الخليفة يزيد بن معاوية الذي جعله والده ولياً لعهده، ولمّا مات معاوية بُويع يزيد بالخلافة وكان يقول الشعر، وغزله رقيق، وكانت وفاته عام 64هـ.
والقصيدة من البحر البسيط.
نَالَتْ عَلى يدِها مَا لَمْ تَنَلْهْ يدِي
نَقْشًا عَلى مِعْصٍَم أوْهتْ بِه جَلَدِي
كَأَنّهُ طُرْقُ نَملٍ في أَنامِلِهَا
أَو رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّحْبُ بِالبرَدِ
وَ قَوْسُ حَاجِبِها مِنْ كُلّ ناحِيةٍ
وَنبلُ مُقْلتِهَا تَرْمي بِه كَبِدِي
مَدَّت مَوَاشِطُهَا في كَفِّهَا شَرَكًا
تَصِيدُ قَلِبي بِهَا مِنْ دَاخِل الجَسدِ
إِنْسِيَّةٌ لَوْرَأَتْها الشَّمسُ مَا طَلعَتْ
مِنْ بَعْدِ رْؤْيَتهَا يَوْماً على أَحَدِ
سَأَلْتُهَا الوَصْلَ قَالَتْ: لاَ تَغُرَّبِنَا
مَنْ رَامَ مِنَّا وِصَالا مَاتَ بِاْلكَمَدِ
فَكَمْ قَتِيلٍ لَنَا بالحُبِّ مَاتَ جَوَىً
مَنَ الْغَرَام، وَلمْ يُبْديءْ وَ لمْ يُعدِ
فَفُلْتُ: اسْتَغْفُر الرحَّمْنَ مِنْ زَللٍ
إِنَّ المِحُبَّ قَلِيلُ الصَّبْرِ وَالْجَلَدِ
قَدْ خَلَّفَتْنِي طِريحًا وَهيَ قَائِلَةٌ
تَأمَّلُوا كَيْف فِعلُ الظَّبْيِ بالأَسدِ
قَالَتْ لِطَيْفِ خَيَالٍ زَارني وَمضَى:
بِالله صِفْهُ، ولاَ تَنْقُصُ ولاتزِدِ
فَقَالَ: خَلَّفْتُهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمأ
وَقُلْتِ: قِفْ عَنْ وُرُدِ الماَءِ، لَمْ يرِدِ
قَالَتْ:صَدَقْتَ، الوفَاَ في الحُبِ شيمته
يَا بردَ ذَاكَ الذَّي قَالتْ عَلى كبِدِي
وَاسْترجعَعَتْ سَأَلَتْ عَنّي،فَقيل لهَا
مَا فيِه مِنْ رَمَقٍ، دَقَّتْ يَدًا بيدِ
وَأَمْطَرَتْ لُؤلؤُاً مِنْ نَرِجٍس، وَسَقَتْ
وَرْدًا، وَعضَّت عَلَى العنَاب بالْبردِ
وَأَنشدَتْ بِلسَان الحاِل قَائِلةً
مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلا مَطلٍ وَلا مدَدِ
وَ اللهِ مَا حَزِنَتْ أُختٌ لِفقْد أَخٍ
حٌزْني عَلَيْهِ وَلا أُمٌّ عَلى وَلَدِ
إِنْ يَحسِدوني عَلى مَوتي، فَوَاأسَفي
تّى عَلى الموَتِ لا أَخلُو مِنَ الْحسَدِ