الخرطوم: كشفت الحركة الشعبية لتحرير السودان، عن حصولها على موافقة مصر بالاعتراف بنتيجة الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان مطلع العام المقبل بما فيها خيار الانفصال.
وعبرت الحركة عن ارتياحها لجلسة مجلس الأمن الدولي في جلسته التي خصصها أول من أمس حول الأوضاع في السودان وحث فيها شريكي اتفاقية السلام الشامل - المؤتمر الوطني والحركة الشعبية - على ضرورة إجراء الاستفتاء على تقرير المصير في مواعيده.
ومن المقرر أن يقترع جنوب السودان المنتج للنفط في يناير عام 2011 على الانفصال، في استفتاء تحدد موعده في اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 20 عاماً، مع الشمال.
وأقام اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب بين الشمال والجنوب حكومة ائتلافية في الخرطوم وحكومة متمتعة بحكم ذاتي محدود في الجنوب. والى جانب الاستفتاء وعد أيضا بإجراء انتخابات وطنية مقررة في فبراير عام 2010 وتقسيم عائدات النفط بين الجانبين.
وقال الأمين العام للحركة الشعبية ، باقان أموم، لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن: "إن طرفي اتفاقية السلام من الحكومة السودانية والحركة الشعبية حضرا جلسة مجلس الأمن الدولي التي انعقدت أول من أمس بصفة مراقب، وعبر عن ارتياحه للمداولات التي تمت في الاجتماع بين أعضائه".
وأضاف "الاجتماع والمداولات كانت جيدة ونقف مع ما خلص إليه المجلس بأن يتم إجراء الاستفتاء على تقرير المصير في مواعيده واحترام خيار شعب جنوب السودان في حالة اختيارهم الوحدة أو الانفصال".
وتابع: "إن المندوب المصري خلال اجتماع جمعهما أكد وقوف القاهرة مع إجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير للجنوب في مواعيده، وتابع "السفير المصري كان واضحا معنا، وقال لنا إن بلاده مع إجراء الاستفتاء في مواعيده وإنها ستعترف بنتائجه حتى لو كان الانفصال خيار الجنوبيين"، مشيرا إلى أن السفير المصري يرى أهمية قيام علاقات مميزة مع طرفي اتفاقية السلام لضمان عدم العودة إلى الحرب مجددا.
وردا على مقترح مصر عبر وزير خارجيتها للفترة الانتقالية بعد إجراء الاستفتاء في مواعيده، قال أموم: "إن مندوب مصر قال إن تمديد الفترة الانتقالية من عدمها شأن سوداني وإن بلاده لن تتدخل فيه".
وأشار أموم إلى أن اجتماعات ممثلي الأعضاء الدائمين والجدد كانت مثمرة، وأنهم أكدوا جميعا استعداد بلادهم الاعتراف الكامل بنتيجة الاستفتاء على تقرير المصير بما فيها اختيار الانفصال واستقلال جنوب السودان، وقال إنه التقى مندوبي كل من الولايات المتحدة، ومصر، وأوغندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة إلى جانب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام كل على حدة.
وأضاف أن الاجتماعات تركزت حول مسار تنفيذ اتفاقية السلام الشامل والاستعدادات لإجراء الاستفتاء على تقرير المصير في مطلع العام القادم ودور قوات الأمم المتحدة في حماية السلام والأوضاع المضطربة في دارفور.
وكان مجلس الأمن الدولي قد شدد في جلسته أول من أمس، التي خصصت للوضع في السودان على التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل وإجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير في موعده في التاسع من يناير/ كانون الثاني المقبل.
وحث الأعضاء الدائمون في المجلس الأطراف كافة على العمل على تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وإجراء الاستفتاء لشعب جنوب السودان في بيئة ديمقراطية. وأمنّ أعضاء مجلس الأمن على مواقف دولهم في الاعتراف بنتيجة الاستفتاء في حالتي الوحدة أو الانفصال.
واتفق أعضاء مجلس الأمن على متابعة الوضع في السودان بصورة شهرية والطلب من الأمانة العامة للأمم المتحدة بمتابعة أوضاع تنفيذ الاتفاقية ورفع تقرير شهري لأعضاء مجلس الأمن عن الوضع في السودان وحث طرفي اتفاقية السلام لمناقشة أوضاع ما بعد الاستفتاء على حق تقرير المصير.
تصعيد جنوبي
وكانت "الشعبية" قد شنت في وقت سابق، هجوما عنيفا ضد الرئيس السوداني عمر البشير ووصفت حكمه بأنه أشبه بنظام الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، واستنكرت دعوته "نفرة الوحدة".
وتكهن أموم باختيار الجنوبيين للانفصال من الشمال بسبب سياسات المؤتمر الوطني والرئيس عمر البشير، وقال: "نستغرب دعوة البشير لـ "نفرة الوحدة" بعد ضياع الوقت، حيث لم يقدم شيئا منذ خمس سنوات، كان يمكن أن يغري الجنوبيين بالتصويت لصالح الاستفتاء".
واعتبر في تصريحات سابقة له أن قطار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه قد ولى.. ولم تبق قطرة أمل واحدة لوحدة السودان، "إلا إذا قام المؤتمر الوطني باحتلال الجنوب عسكريا.. وبالتالي فلن تكون وحدة.. وإنما احتلال".
وهدد بالعودة إلى الحرب مجددا في حالة تأجيل الاستفتاء، والذي يعتبر بمثابة دعوة لنقض اتفاقية السلام. كما أشار إلى أن عرقلة الاستفتاء أو محاولة إلغائه ستؤدي أيضا إلى أن يقوم برلمان الجنوب باتخاذ قرارات وخيارات أخرى بديلة.
واستنكر أموم "إشارات الرئيس البشير للجنوب بتزوير الانتخابات وإمكانية تزوير الاستفتاء"، وقال: : "هم آخر من يتكلم لأنهم أكبر المزورين، وهو ما أكدته الانتخابات السابقة"، وأضاف: "كل ما يفعلونه يراكم من الأزمات في البلاد".
ويعد أموم من أبرز قيادات الحركة الشعبية ومن صقورها. ويقول إن برنامج نظام "الإنقاذ الوطني" إقصائي وسيكون من نتائجه تقسيم السودان، وقال إن الحركة الشعبية ستظل حزبا في الشمال حتى إذا انفصل الجنوب، وستقوم بمواجهة التحديات التي فشل في مواجهاتها المؤتمر الوطني، ومن بينها قضايا الوحدة والتنوع والتعددية العرقية والدينية.
شبح التقسيم"
تقول تقارير إعلامية أنه من المتوقع على نطاق واسع أن يختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء لكن محللين حذروا من خطورة العودة إلى الصراع إذا عرقل الشمال الاقتراع أو رفض تسليم السيطرة على حقول النفط الجنوبية المربحة.
وكانت دراسة للمعهد الوطني الديموقراطي ومقره الولايات المتحدة، كشفت في وقت سابق أن الغالبية الساحقة من السودانيين الجنوبيين ستصوت لصالح قيام دولة مستقلة في الجنوب في الاستفتاء المقرر إجراؤه عام 2011.
يأتي هذا في الوقت الذي حذر فيه سياسيون سودانيون من مخاطر محتملة إزاء انفصال الجنوب وحددوا عدداً من المكاسب التي يمكن أن تتحقق حال استمرار السودان موحداً عقب الاستفتاء المرتقب في 2011.
ونبّه أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. عوض الكرسني لإمكانية ظهور دولة في منطقة البحيرات في حالة انفصال الجنوب، إضافة إلى إرتفاع معدل الجريمة بظهور عصابات تتحول إلى قوى رديفة، مضيفاً أنّ القوى الدولية تلعب دوراً كبيراً في خيار الوحدة والانفصال.
من جانبه، قال المحلل السياسي د. عطاء البطحاني إنّه في حالة الوحدة سيجني المؤتمر الوطني مكاسباً بتثبيت نفوذه الاقتصادي كسلطة حزب واحد وحدد خسائر الوطني في تعرضه لحراك سياسي غير مضمون النتائج، وأضاف أنّ الحركة الشعبية ستستفيد من تثبيت مقاعدها في الحكومة وتنمية الجنوب في حالة استمرار الوحدة، وتخسر بفقدان سيطرتها على البترول في حالة الانفصال، أمّا القوى الشمالية وحركات دارفور فستخسر في حال الانفصال دعم الحركة لها وستكسب في حال الوحدة حصر قوى الانفصال داخل الوطني،
أما حركات دارفور ستزيد عليها الضغوط في حال الوحدة للقبول بالحل السلمي، وقال إن الفاعلين الأساسيين في جعل خيار الوحدة جاذبة هم الشريكان والأحزاب الشمالية والأحزاب الجنوبية الأخرى.