معاملات إسلامية
الأيمان
اليمين في اللغة:
لليمين في اللغة معانٍ عديدة، منها:
أ) القوة: كما قال تعالي:{لأخذنا منه باليمين}[الحاقة: 45].
أي بالقوة.
ب) اليد اليمني: ويطلق علي عضو اليد اليمين، لأنه أقوي في الغالب.
ج) الحلف: ويطلق علي الحلف اسم اليمين؛ لأن الناس- قديما- كانوا إذا تحالفوا علي شيء، أخذ بعضهم بيد بعض.
د) البركة.
وتجمع كلمة يمين علي أيمان وأيمن وأيامن.
اليمين في الشرع:
اليمين هي عقد يقوي به الحالف ما عزم عليه من فعل شيء أو تركه.
مشروعية اليمين:
شرعت اليمين بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالي:{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}[النحل: 91].
وأمر الله -سبحانه- نبَّيِه-( بالحلف واليمين في ثلاثة مواضع من القرآن، فقال تعالي:{ويستنبؤنك أحق هو قل إي وربي إنه لحق}[يونس: 53].
وقال:{قل بلي وربي لتأتينكم}[سبأ:3].
وقال أيضا:{قل بلي وربي لتبعثن}[التغابن: 7].
وقد كان -النبي (- يحلف، ولا يحلف إلا لشيء عظيم، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:
( كان رسول الله -(- إذا اجتهد في الدعاء، قال: "والذي نفس أبي القاسم بيده" [أبو داود].
وقد أجمعت الأمة علي مشروعية اليمين، وما يترتب عليها من أحكام، وأن الأصل فيها أنها وضعت لتوكيد الشيء والمحلوف عليه.
ومن طرائف ما قاله ابن القيم أنه يجوز للفقيه أن يقسم علي فتواه، ليطمئن السائل إلي إجابة الفقيه له.
أنواع اليمين
ولليمين أنواع، بحسب الحكم الشرعي، واليمين بالله تعالي.
أولا: أنواع اليمين بحسب الحكم الشرعي:
1- اليمين الواجبة: وهي التي ينجي بها صاحبها إنسًا معصومًا من الهلاك.
2- اليمين المندوبة: وهي التي تتعلق بجلب نفع، أو دفع ضر، مثل الإصلاح بين المتخاصمين أو إزالة الأحقاد بين المسلمين.
3- اليمين المباحة: وهي التي يقسم بها الإنسان علي فعل شيء مباح أو تركه، أو يقسم علي ما هو صادق فيه أو يظن أنه غير صادق.
4- اليمين المكروهة: وهي اليمين التي يقسم بها صاحبها علي فعل شيء مكروه، أو ترك شيء مندوب.
5- اليمين المحرمة: وهي اليمين التي يقسم بها صاحبها علي شيء ويعلم أنه كاذب، فيما أقسم عليه.
أنواع اليمين بالله تعالي:
1- اليمين اللغو: هي الحلف من غير قصد اليمين ، بحيث لم تنعقد نية الذي نطق بالحلف علي ما يريد، بل لِسبقه لسانه إلي مايريد؛ أو هي أن يقسم الإنسان علي شيء، يظن أنه فيه صادق، وهو فيه كاذب، كأن يقول: والله ما كلمت فلانًا، ظنًا منه أنه لم يكلمه، وهو كلمه بالفعل.
ويمين اللغو لا كفارة فيه بإجماع العلماء، فعن عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها- قالت: أنزلت هذه الآية:{لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}[البقرة: 225].
في قول الرجل: لا والله، وبلي والله، وكلا والله.[متفق عليه].
2- اليمين المنعقدة: هي أن يقسم الإنسان علي فعل شيء أو تركه في المستقبل، ويعزم ويصمم علي ذلك وتسمي أيضا اليمين المعقودة، والمؤكدة، قال تعالي:{لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان}[المائدة: 89].
ولليمين المنعقدة حالات:
أ- أن يقسم علي فعل شيء، فيجب عليه بر اليمين: وفعل ما أقسم عليه كأن يقول: والله لأفعلن كذا، فعن عائشة-رضي الله عنها-، أن النبي-(- قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" [أحمد والبخاري وأصحاب السنن] .
فإن امتنع عن فعل ما أقسم عليه يأثم ويحنث، ويلزمه كفارة.
ب- أن يقسم علي ترك واجب، أو فعل معصية: كأن يقول :(والله لا أفعل كذا). فيجب عليه التوبة والاستغفار والكفارة، قال النبي -(:"من حلف علي يمين، فرأي غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" [أحمد ومسلم والترمذي].
جـ- أن يقسم علي ترك مندوب: كأن يقول:(والله لا أصوم نافلة). أو يقسم علي فعل مكروه، كأن يقول: والله لألتفتن في الصلاة. فالأفضل له أن يترك ما أقسم عليه، ويكفر عن يمينه، لقول النبي (: "فليأت الذي هو خير، وليكفرن عن يمينه"[مسلم].
د - أن يقسم علي فعل شيء مباح، أو ترك شيء مباح: كأن يقول: "والله لأدخلن هذه الدار، أو والله لا أدخل هذه الدار). فالأفضل أن يبر بقسمه، سواء بالفعل أو بالترك.
اليمين الغموس:
هي اليمين الكاذبة التي يقصد بها ضياع الحقوق، أو يقصد بها شيء من الفسق والخيانة،وسميت غموسًا، لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم، وهي من أكبر الكبائر، قال تعالي:{ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم}[النحل: 94]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما أن النبي ( قال : " الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس" [البخاري].
وقد حذر النبي ( من عاقبة هذه اليمين، وأوضح أن جزاءها النار، فعن عمران بن حصين أن النبي ( قال: "من حلف علي يمين مصبورة كاذبًا، فليتبوأ مقعده من النار" [أبو داود].
واليمين الغموس قد تكون علي شيء في الماضي أو الحاضر، سواء أقسم علي شيء نفيًا أو إثباتًا، ورأي جمهور العلماء أن اليمين الغموس أكبر من أن تكون لها كفارة ، بل تجب فيها التوبة والاستغفار، وقيل تجب فيها الكفارة كغيرها من الأيمان.
قواعد في اليمين:
هناك أمور يجب مراعاتها في اليمين، منها:
أ) العرف والنية هما الأساس في اليمين:
اليمين تبني علي العرف الذي اعتاده الناس، لا علي الألفاظ والكلمات التي يتلفظ بها الإنسان، فمن أقسم علي أن لا يأكل لحمًا، وأكل سمكًا، فلا حنث عليه، لأن اللحم في العادة غير السمك، وإن كان الله سبحانه وتعالي قد سماه لحمًا، إلا إذا كان ينوي دخول السمك في اللحم، أو كان معروفًا لدي الناس بأن السمك يدخل في اللحم.
ومن حلف علي شيء، ووري بغيره، فالعبرة بنيته لا بلفظه، فعن حنظلة قال: خرجنا نريد النبي ( ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي، فخلي سبيله، فأتينا النبي (، فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا، وحلفت، وحلفت أنه أخي، قال :"صدقت، المسلم أخو المسلم" [أبو داود وابن ماجة].
إلا إذا استحلف علي شيء، فالعبرة بنية المستحلف لا بنية الحالف، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي ( قال:"اليمين علي نية المستحلف".[مسلم وأبو داود والترمذي].
لا حنث مع النسيان أو الخطأ: إذا حلف إنسان أن يفعل شيئًا ففعله ناسيًا أو خطأ، فإنه لا يحنث. قال تعالي:{وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}[الأحزاب: 5].
وقال رسول الله ( :"إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"[أحمد وابن ماجة].
لا كفارة مع إكراه: فإذا أكره إنسان علي أن يقسم علي شيء، فأقسم، فلاكفارة عليه، لأنه مسلوب الإرداة، فسقط عنه التكليف.
لا كفارة مع الاستثناء: فإذا أقسم الإنسان علي أن يفعل شيئا واستثني، فلا كفارة عليه، كأن يقول:والله لأفعلن كذا إن شاء الله. فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله ( قال:"من حلف علي يمين، فقال (إن شاء الله) فلا حنث عليه" [الترمذي وابن ماجة ].
الكفارة وتكرار اليمين: إذا كرر الإنسان اليمين قبل أن يكفر عن يمينه الأول، فالجمهور علي أنه يجب عليه كفارة لكل يمين، قال بعض الفقهاء: عليه كفارة واحدة، إلا إذا اختلف موجب الكفارة، كظهار ويمين، فتجب الكفارة مرتين، بلا تداخل بين الاثنين.
شروط اليمين:
ويشترط لليمين العقل والبلوغ وقصد الحلف، فلا تصح من مجنون أو صبي أو نائم، وإذا لم يقصد الحالف اليمين، فهو يمين لغو ولا يحاسب عليه، كما يشترط الإسلام، لأن كفارة اليمين عبادة، ولا تصح عبادة من كافر، ولا يشترط لها الحرية، لأن العبد إذا كفر عن يمينه، فتكفيره عبادة، والعبد يؤدي العبادات.
261 - 294
الحقوق محفوظة لكل مسلم