بسم الله الرحمن الرحيم
الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، والتجربة معلم جيد للإنسان لا سيما في الحياة العملية المتكررة والتي توصل إلى قيم ومبادئ وعادات وتقاليد تنتظم فيها أمور الحياة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في نساء قريش: "نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ"(رواه البخاري، 3/1266، ح 3251. ومسلم 4/1818، ح 2337) وقال صلى الله عليه وسلم في الأشعريين: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم"(رواه البخاري، 2/880، ح 2354. ومسلم 7/171، ح 2500). وهكذا جميع الأمم والشعوب على اختلاف أزمانها وبيئاتها، لا تخلو من ممارسة قيم فاضلة ومن تمجيد وتفاخر بالفضائل والمُثُل وإن اختلفت في مقدار ذلك، وهذا كله من بقايا الفطرة التي خلق الله عليها الأمم وكما قال صلى الله عليه وسلم: "وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ"(مسلم، صحيح مسلم، 4/2197، ح2865) ثم ما يقتضيه الاجتماع البشري من الأخذ بجملة من القيم التي يقوم عليها أمن المجتمع ومصالحه وحاجاته، وكذلك ما بقي من آثار الرسالات في سائر الأمم، فإن "الأنبياء جاءوا بالحق وبقاياه في الأمم وإن كفروا ببعضه . حتى مشركو العرب كان عندهم بقايا من دين إبراهيم"(ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 9/138). إلا أن هذه القيم والتجارب التي جاءت من الأمم والثقافات الأخرى اشتملت على المساوئ التالية: 1- احتوت على قيم سلبية شنيعة كالنظام الطبقي في الهند الذي "لم يعرف تاريخ أمة من الأمم نظاماً أشد قسوة على الإنسان واستهانة بكرامته وهدراً لقيمته منه"(الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص58) ومثل التنطع في الغيرة إلى حد وأد البنات ودفنهن أحياء عند أهل الجاهلية. 2- اتجهت بالقيم "وجهة نظرية، ولا سيما في بيان حدود الأسماء والأشياء، وشغلوا بهذه القضايا فجاءت بحوثهم بعيدة الصلة بالواقع متضمنة للتطويل والتكلف وبيان البيان الواضح والوقوع أحياناً في أنواع من السفسطة"(العمرو، الأخلاق بين المدرستين السلفية والفلسفية، ص91-92). 3- أنه "ليس فيها من العلوم والأعمال ما تسعد به النفوس وتنجو من العذاب، فليس في حكمتهم العملية(الحكمة العملية: مصطلح مرادف للقيم والأخلاق) عبادته وحده لا شريك له واتباع مرضاته واجتناب مساخطه، ومعلوم أن النفوس لا سعادة ولا فلاح لها إلا بذلك"(ابن القيم، مفتاح دار السعادة، 2/120-121). 4- أن القيم الفاضلة التي اهتموا بها قصّروا في بيانها "فلم يبينوا متعلقاتها ولم يجدوا حداً فاصلاً بين ما تحصل به السعادة وما لا تحصل به، فإنهم لم يذكروا متعلق العفة ولا عماذا تكون ولا مقدارها الذي إذا تجاوزه العبد وقع في الفجور"(ابن القيم، مدارج السالكين، 3/444) وعليه فإنه لا بد من عرض هذه القيم على الدين الإسلامي وقيمه التربوية المحكمة, واعتبار ما جاء في الوحي المنزل معياراً للحكم عليها وبيان حقها من باطلها مع قبول كل ما هو مستحسن من القيم التي أنتجتها تجارب الأمم والعادات والحاجات والحضارات فالقيم التربوية الإسلامية أصل وغيرها فروع تحتكم إليها ويؤخذ منها ما يوافق التصور والهدي الإسلامي. والناس في استفادتهم من القيم التربوية الأخرى على ثلاثة أضرب: الأول: من يقبل عليها وليس عنده رصيد من القيم التربوية التي جاء بها الإسلام، فهو مخطئ. الثاني: من يعرض عنها بالكلية، فهو جامد. الثالث: من يقبل بكليته على القيم التربوية الإسلامية ثم يستفيد بعد ذلك مما وافقها من القيم التربوية والحِكم التي توافق شريعة الإسلام، فهو محق إن شاء الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين