قضيتُ فى المغرب عدة أيام، ووجدت أن فيها بطالة مرتفعة، وفيها أمية بنسبة عالية، وفيها سوء حال كثير، شأنها شأن أى بلد عربى، ولكن فيها ما يمكن أن يبدد كل هذه المشاكل، وغيرها، فى ظرف سنوات قليلة من الآن!
فالسؤال الأساسى الذى أبحث عن إجابته فى كل بلد أذهب إليه، هو: كيف يتصرف هذا البلد، أياً كان مستوى غناه، أو فقره، مع قضية التعليم؟!.. وهناك، فى المغرب كان الواضح أنهم أدركوا بسرعة، ما لا نريد أن ندركه نحن إلى هذه اللحظة، وهو أن التعليم، بوضعه الحالى، ليس أبداً مشكلة علينا أن نواجهها بكل حسم، وإنما هو، حين يصير تعليماً حقيقياً، حل لكل مشاكلنا، ولو أننا أدركنا جيداً هذه الحقيقة الساطعة، ثم رحنا نعمل على أساسها، بجدية، فسوف يكون فى إمكاننا القضاء على أزمات كثيرة تحاصرنا حالياً، من كل اتجاه!
فماذا فعلوا هناك؟!.. الجواب هو أن الحكومة راحت تتطلع إلى خزانتها العامة، ثم تقارن بين ما فيها من مال، وبين ما هو مطلوب للإنفاق من جانبها، كحكومة، على تعليم رعاياها تعليماً عصرياً، وقد تبين لها من خلال المقارنة، أن عينها، كحكومة، بصيرة، ولكن يدها قصيرة، بمعنى أنها تريد بصدق أن تنفق على التعليم، ولكنها لا تجد الفلوس الكافية عندها، ولا تريد فى الوقت ذاته، أن تخدع نفسها، أو تخدع المواطنين، فتقول إنها سوف تقدم لهم تعليماً مجانياً، لأنها تعلم أن الكلام عن إتاحة «التعليم المجانى» فى أى بلد، كلام فارغ، فلا يوجد فى حقيقة الأمر أى شىء مجانى، سواء كان تعليماً أو غير تعليم، وإنما هناك تكلفة لكل خدمة عامة، وإذا لم تدفع الحكومة تكلفة هذه الخدمة العامة فى حالة التعليم، من جيبها فإن المواطن الراغب فى تعليم أولاده، يدفعها من جيبه هو، مباشرة، فى صورة دروس خصوصية، أو تعليم فى مدارس خاصة، أو حتى عفريت أزرق.. المهم أنه يدفعها فى كل الحالات!
مرة أخرى.. ماذا فعلوا هناك؟!
ما فعلوه، بإيجاز، أنهم أيقنوا تماماً أن الحكومة، فى أى مكان، لن تقدم التعليم المفترض تقديمه، لأن إمكاناتها قليلة، ولن تقدمه المدارس أو الجامعات الخاصة، لأن هدفها الأول هو الربح، وليس التعليم، وهذا حقها، لأنها استثمار فى البداية والنهاية.
إذن، لا يبقى إلا التعليم الأهلى، الذى يتلقاه الطالب فى مدارس وجامعات أهلية، لا تهدف بطبيعتها إلى الربح، وإنما تهدف إلى التعليم فى الأول، وفى الآخر، وقد كان قرار الحكومات المغربية المتعاقبة، وليست الحالية فقط، إعفاء كل مقتدر يفكر فى إنشاء مدرسة أو جامعة أهلية، من قدر محدد من الضرائب، وإتاحة الأرض له، بسعر مخفض، وهو الحاصل الآن!
ولابد أن قراراً من هذا النوع، قد حقق هدفين، أولهما أن ينجز القطاع الخاص، فى هذا المجال، مهمة قومية كان على الحكومة، أن تنجزها، وأن ينقذها من مأزق لا تعرف كيف تتصرف فيه!!