الإصابة بسرطان الثدي لا علاقة لها بالوراثة
يمكن تجنْب ما يصل إلى ثلث حالات سرطان الثدي إذا قللت المرأة من كميات الطعام التي تتناولها وزادت من ممارسة الرياضة. هذه هي النتيجة التي اتفق عليها الباحثون في مؤتمر أوروبي حول سرطان الثدي، عُقِد أواخر الشهر الماضي في برشلونه بإسبانيا، وتجدد فيه الجدل حول كيفية تأثير العوامل الحياتية في الإصابة بالمرض. ساعد الحرص على التشخيص المبكر، والالتزام بتبني أفضل العلاجات وعروض تصوير الثدي "mammogram screenings" على إبطاء الإصابة بسرطان الثدي بشكل كبير. ولكن الخبراء رأوا أخيراً أن التركيز ينبغي أن يتحول الآن إلى تغيير السلوكيات الحياتية مثل تطبيق أنظمة غذائية صحية، وتعزيز النشاط البدني والحركي والانتظام في مزاولة الرياضة. فقد خاطب البروفيسور كارلو لافيكيا، أستاذ علم الأوبئة في جامعة ميلانو الإيطالية، مؤتمراً علمياً عُقِد في مدينة برشلونة بإسبانيا الشهر الماضي قائلاً: لقد تحقق ما يمكن تحقيقه من خلال عروض تصوير الثدي، ونحن لا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك.. بل حان الوقت للانتقال إلى أمور أخرى. - حديث الأرقام: ونوه لافيكيا بالأرقام الصادرة عن الوكالة الدولية لبحوث السرطان، وهي جزء من منظمة الصحة العالمية، والتي توحي تقديراتها بأنه يمكن تفادي من 25 إلى 30 في المئة من حالات سرطان الثدي إذا حرصت المرأة على تحقيق الرشاقة وزاد إقبالها على الرياضة. وتتفق تعليقات لافيكيا مع النصيحة الصحية التي ازدهرت مؤخراً بأن تغيير أنماط العيش والتعامل بحزم مع أمور مثل التدخين والنظام الغذائي العشوائي والتعرض لأشعة الشمس.. كل هذا يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تقليل مخاطر الإصابة بسرطانات عدة. وفي السياق ذاته، أكدت الدكتورة ميشيل هولمز، من جامعة هارفارد، التي درست السرطان وتأثيرات نمط العيش، أن الناس قد يعتقدون خطأ أن احتمالات الإصابة بالسرطان تعتمد على جيناتهم (الوارثة) أكثر مما تعتمد على أسلوب حياتهم. وأضافت، في مقابلة أجرتها معها وكالة أسوشيتدبرس على الهاتف من كمبريدج بولاية ماساشوستس: إن الجينات حاضرة منذ آلاف السنين، ولكن إذا كانت معدلات الإصابة بالسرطان آخذة في التغير على مدى العمر، فليس لذلك علاقة كبيرة مع الجينات. - أكبر تهديد للنساء: ويعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين النساء. وفي أوروبا، كانت هناك نحو 421.000 حالة جديدة وما يقرب من 90.000 حالة وفاة في عام 2008، حسب آخر الأرقام المتاحة. وقد شهدت الولايات المتحدة خلال العام الماضي أكثر من 190.000 حالة جديدة و40.000 حالة وفاة. وتبلغ نسبة احتمال إصابة المرأة بسرطان الثدي في العمر واحدة من كل ثماني نساء. أما النساء البدينات فمن الأرجح أن يكن أكثر عرضة لتطور أي سرطان، بنسبة تصل إلى 60% من النساء ذوات الوزن الطبيعي، وذلك وفقاً لدراسة أجراها باحثون بريطانيون عام 2006. - تأثير الإستروجين: ويحدث الكثير من الإصابات بسرطانات الثدي بتأثير الإستروجين "estrogen"، وهو هورمون يتم إفرازه في الأنسجة الدهنية. ومن ثم، يشتبه الخبراء في أن المرأة الأكثر وزناً، باعتبار أن جسمها أكثر وزناً، باعتبار أن جسمها أكثر إفرازاً للإستروجين، هي المرجحة أكثر لأن تتحول إلى وقود لسرطان الثدي. بل إن الخبراء يعتقدون، أنه حتى في النساء النحيفات، تبدو ممارسة الرياضة أمراً لازماً، لأنها يمكن أن تساعد في تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان عن طريق تحويل المزيد من الدهون في العضلات. ومع ذلك، فإن أي مناقشة للعلاقة بين الوزن وسرطان الثدي تكون حساسة، لأن البعض قد يسيء تفسير ذلك ويعزوه إلى أن المؤسسات الطبية تردد هذا الكلام من باب إلقاء اللوم على المرأة بوصفها السبب في الأمراض التي تصاب بها. وأشارت تارا بوماونت، وهي ممرضة سريرية متخصصة في Breast Cancer Care، وهي وكالة خيرية بريطانية تهتم بشؤون العناية بمرضى سرطان الثدي، إلى أن وكالتها كانت دائماً على حذر بشأن تقديم النصائح حول تحسين أنماط العيش. وأشارت إلى أن هناك ثلاثة من عوامل الخطر الرئيسية التي تسبب سرطان الثدي، يبدو أن لا سيطرة لأحد عليها- ألا وهي: نوع الجنس، والعمر، والتاريخ العائلي. - لا تلوموا النساء: وقالت بوماونت: "من الصعب – بشكل لا يصدق – أن نفصل عوامل محددة عن بعضها البضع. لذا ينبغي بأي حال من الأحوال ألا تشعر النساء بأنهن مسؤولات عن الإصابة بسرطان الثدي". ومع ذلك، قالت كارين بن المتحدثة باسم Donna Europa، وهي جماعة ناشطة تركز اهتمامها على المصابين بسرطان الثدي المريض، إنه من المستحيل تجاهل الروابط التي تتزايد قوتها بين أنماط العيش وسرطان الثدي. وأضافت: وإذا كنا نعرف أن هناك اختيارات صحية، فإنه لا يمكننا ألا نوصي بها لمجرد أن الناس يخطؤون تأويل النصيحة ويشعرون بالذنب. وشددت على أنه إذا أردنا منع سرطان الثدي فإن هذه الرسالة تحتاج إلى الخروج إلى الناس، خاصة إلى الخروج إلى الناس، خاصة إلى الشابات. وهذا يعني ضرورة تجنب زيادة الوزن في مرحلة البلوغ، كما يوضح روبرت بان، وهو خبير في السرطان بالوكالة الدولية لأبحاث السرطان، مؤكداً أنه ليس من الواضح إن كانت النساء اللواتي يقللن أوزانهن يمكن أن يقللن من خطر الإصابة إلى المستوى الذي تكون عليه امرأة لم تكن بدينة أبداً. - الوزن ومخاطر الإصابة: ويقول موقع الجمعية الأمريكية للسرطان إن العلاقة بين الوزن ومخاطر الإصابة بالسرطان معقدة، مشيراً إلى أن المخاطر تبدأ بالنسبة للنساء اللواتي اكتسبن زيادة في الوزن وهُنّ بالغات، وليس للنساء اللواتي كن بدينات منذ طفولتهن. وتوصي الجمعية النساء بالحرص على ممارسة النشاط الحركي والرياضي لمدة تتراوح بين 45 و60 دقيقة بمعدل خمسة أيام أو أكثر في الأسبوع، للحد من خطر الإصابة بسرطان الثدي. تجنب تناول المشروبات الكحولية قد يساعد أيضاً، إذ يقدر الخبراء أن تناولها يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 4-10%. وبعد دراسات أجريت منذ سنوات عدة وربطت بين العلاج بالهورمونات البديلة والإصابة بالسرطان، تخلى الملايين من النساء عن هذا العلاج، مما أدى إلى انخفاض حاد في معدلات الإصابة بسرطان الثدي. وقال الخبراء إننا يمكن أن نرى انخفاضاً مماثلاً إذا أكلت المرأة بنظام أكثر صحة وزاولت الرياضة بقدر أكبر. وتقول الدكتورة ميشيل هولمز، الخبيرة في جامعة هارفارد إنه يمكن القول بسهولة إن تغيير النظام الغذائي والالتزام بالتغذية الصحية هما أسهل بكثير من التعامل مع عوامل الخطر المضادة المسببة لسرطان الثدي. وقد تزايدت معدلات الإصابة بسرطان الثدي زيادة مطردة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بالتوازي مع الارتفاع في معدلات الإصابة بالسمنة واستخدام الهورمونات التي تحتوي على الإستروجين بعد انقطاع الطمث. وقال البروفيسور لافيكيا: لقد تبيَّن أنه في دول مثل إيطاليا وفرنسا، حيث تبدي معدلات البدانة استقراراً واطراداً على مدى العقدين الماضيين، لا يمكن السيطرة على الوزن على مستوى السكان. وأضاف: من الصعب إنقاص الوزن، ولكنه ليس مستحيلاً، مؤكداً أن الفوائد التي يمكن أن نجنيها من الوقاية من السرطان تستحق ذلك.