الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. وبعد:
العفاف مركز شرفٍ, ومورد عز وفخار, للمجتمعات الإسلامية, وهو من أخص مميزاتها, وأولى اهتماماتها, ومن أهم ما يسعى إلى المحافظة عليه أهلها, إذ به يرتفع شأنهم ويتميز منهجهم, ويسمو قدرهم, مما أغاض أعدائهم من ذوي النفوس الدنيئة والأفكار المنحرفة, والمناهج الضالة, من علمانيين ومتغربين, فسعوا جاهدين إلى النيل منه ونقض عراه, عبر خطط مدروسة, وأفكار مدسوسة, باثين سمومهم وسط المجتمع المسلم عبر وسائلهم المتعددة من منابر إعلامية أو كتابات صحفية, أو صيحات ومطالبات سياسية, يبغون من وراء ذلك كله هدم قيم الإسلام وتفشي قيم الكفر والانحلال, زاعمين بذلك أن هذا هو التقدم وأن البقاء على العادات والتشريعات هو مركز التخلف وعنوان التأخر, حتى قال احدهم وهو يتحدث عن قضية المرأة ما نصه:" وإن كانت قضيتها أقسى لأنها محكومة لا بتقاليد فقط, بل بتشريعات وعادات تزعم أنها دائمة" , وقال أيضاً وهو يتكلم عن قوامة الرجل على المرأة وأنها تعتبر سيطرة وملكية خاصة ما نصه:" يسيطر على المجتمع التقليدي ـ أي المسلم المحافظ ـ خوف عصابي مزمن من مسألة فقدانه السيطرة على المرأة........وهؤلاء هم غالباً من دعاة تعدد الزوجات والتسري, وأنصار الملكية الخاصة ـ أي قوامة الرجل على امرأته ـ ودعاة القيم الأخلاقية والرجولية التقليدية المرتبطة بمجتمعات قديمة ـ أي مجتمعات المسلمين الأولى ـ لا نستطيع أن نقول إلا أن الزمن قد تجاوزها, أو أن علينا أن نتجاوزها إذا أردنا أن نتقدم أو أن ندخل العصر الحديث" ( قضية المرأة ـ المقدمة / محمد الخطيب/ وزارة الثقافة دمشق)
فهذا أنموذج بسيط لبعض أفكارهم الهدامة, وتصوراتهم الخاطئة حول المرأة, وهم بذلك كله يسعون لهدم سياج العفاف, وتحطيم موازين الحياء, من خلال دعاواهم الهدامة على مرتكزات القيم, و معالم الكرامة للمرأة المسلمة, والتي ننتقي منها هنا أهمها وهي: الحجاب, والاختلاط, والقرار في البيوت.
- الحجاب:
الحجاب عبادة أمر الله بها, وليست عادة فرضها الزمن, أو ترسخت عبر التاريخ, دل على ذلك أدلة الكتاب والسنة المرجعان الوحيدان في التشريعات والأحكام الإسلامية ومنها:
• قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (59:الأحزاب) قالت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن:" لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية" أخرجه أبو داود.
والجلابيب: جمع جلباب، والجلباب: هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به، أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك؛ حتى يعرفن بالعفة فلا يُفتتن ولا يَفتن غيرهن فيؤذيهن.
قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
وقال محمد بن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.
• وقال سبحانه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ...الآية ) (31:النور)
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني بذلك: ما ظهر من اللباس، فإن ذلك معفو عنه، ومراده بذلك رضي الله عنه: الملابس التي ليس فيها تبرج وفتنة.
وأما ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بالوجه والكفين، فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، وأما بعد ذلك فقد أوجب الله عليهن ستر الجميع، كما سبق في الآيات الكريمات من سورة الأحزاب وغيرها.
ويدل على أن ابن عباس أراد ذلك: ما رواه علي ابن أبي طلحة عنه أنه قال: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة)، وقد نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم والتحقيق، وهو الحق الذي لا ريب فيه.
وأما ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: :"يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه - فهو حديث ضعيف الإسناد لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من رواية خالد بن دريك، عن عائشة، وهو لم يسمع منها، فهو منقطع؛ ولهذا قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث: هذا مرسل، خالد لم يدرك عائشة.. ولأن في إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته.. وفيه علة أخرى ثالثة، وهي: عنعنة قتادة عن خالد بن دريك وهو مدلس.
• وقال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (32:الأحزاب)
نهى سبحانه في هذه الآيات نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين، وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجال، وهو: تليين القول وترقيقه؛ لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، ويظن أنهن يوافقنه على ذلك، وأمر بلزومهن البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو: إظهار الزينة والمحاسن، كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا.
وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن، فغيرهن أولى بالتحذير والإنكار، والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن.
ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن.
• وقال الله عز وجل: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (53: الأحزاب) فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء، وأبعد عن الفاحشة وأسبابها، وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معشر المسلمين، تأدبوا بتأديب الله، وامتثلوا أمر الله، وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة، ووسيلة النجاة والسلامة. ( عن رسالة الحجاب والسفور/ ابن باز بتصرف)
وليس مقصود الحجاب فقط هو تستر المرأة بالجلباب وتغطيت بدنها به, وإن كان هذا من أهم مقاصده, لكن مقصوده أبعد من ذلك: فهو حجب كل وسائل الفتنة عن المرأة ومنها, وحمايتها من كل أسباب الرذيلة وهدم سياج العفاف, فكل ما خالف هذا المقصود فهو ليس بحجاب.
لذلك تجد أن أول ما يدعو إليه دعاة الرذيلة هو نزع الحجاب, وكشف الوجه وتميع معنى العباءة في نفس المرأة, لأن نزع الحجاب سبيل تسهيل كل مأربهم الضالة من اختلاط النساء بالرجال, وعمل المرأة بجوار الرجل في مكتب وأحد, ومحادثة المرأة للرجل في السوق والأماكن العامة, وقيادة المرأة للسيارة, وغيرها, لأنه إذا نزع الحجاب تيسر كل ذلك إذ لم يعد عند المرأة ما يمنعها من فعل شيء مما سبق ذكره إذا كان الوجه مكشوفاً والحجاب منزوعاً, والرجال ينظرون إليها بدون مانع ولا حاجز. لذلك تجد كبيرهم الذي علمهم الرذيلة وسنها لهم ـ قاسم أمين ـ يقول في كتابه ( تحرير المرأة) : كيف يمكن لامرأة محجوبة أن تتخذ صناعة أو تجارة للتعيش منها.........كيف يمكن لتاجرة محجوبة أن تدير تجارتها بين الرجال..." إلى أخر كلامه الذي يدلل على مدى ما يسعى إليه من نزع الحجاب وإحلال السفور بدلا منه.
فإذا هدم سياج الحجاب سهل الدخول إلى الاختلاط والسماح به, لأنه لم يعد عند المرأة ما يمنعها عن مخالطة الرجال وقد نزعت حجابها.
- الاختلاط:
مما لا يختلف فيه اثنان ما غرز الله في الذكر والأنثى من انجذاب كل واحد منها إلى الآخر ـ حتى تتحقق حكمة التناسل البشري ـ لذلك جعل الله بحكمته البالغة ضوابط وحدود تضبط هذا التجاذب, ومنع من ترتب المفاسد عليه من قيامه على غير وجهه الشرعي, لذلك كله حرم الاختلاط بين الجنسين, وأمر بقيام العلاقة بينهما على وجهها الشرعي بالزواج, وضبط ما عداه في العلاقة بضوابط شداد, فقال تعالى مخاطباً صحابة رسول الله صلى لله عليه وسلم عن نسائه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (53:الأحزاب) فإذا كان هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم مع زكاة نفوسهم, وطهارة قلوبهم, ومع أزواج رسوله صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين, صاحبات الحياء الكامل والدين المتين, مع خلو زمنهم من دواعي الشهوة, ومثيرات الفتن, وأخبر أن قيام الحجاب بينهم عند سؤال الحاجات هو أطهر لقلوب أمهات المؤمنين وصحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم , فكيف بحال نساء اليوم ورجاله الذين قد فسدت أخلاقهم, وكثرت دواعي الشهوة في مجتمعاتهم والله المستعان, فإن قيام هذا الحجاب بينهم عند قضاء الحاجات, بمنع الاختلاط وضبط التعامل بميزان الشرع القائم على درء المفاسد وجلب المصالح أولى وأحرى.
وقد ثبتت التجارب, وشهد الواقع, بمفاسد عظيمة ترتبت على هذا الاختلاط بين الجنسين, من فشو الرذيلة, وانتشار الزنا وأولاد الزنا ـ حتى أصبحت أمريكا وحدها فقط تنتج كل سنة مليون ولد من الزنا، بل واشتكى من مخاطر الاختلاط من عاشره وراء مفاسده من نساء ورجال ـ غير ما في الاختلاط من قيام العلاقات المشبوهة المنتهية بالأسى وخاصة في حق المرأة وذويها, وإن دخول الاختلاط في المجتمعات المحافظة لأعظم سبيل إلى إفسادها وهدم سياج عفافها, لذلك ترى دعاة الفساد ينادون صباحا مساء بالسماح للمرأة بالعمل في كل المجلات, حتى في المصنع والورشة وغيره التي لا تتفق مع فطرة المرأة, وليس هذا غيرة منهم على المرأة وتلبية لحاجتها التي قد تكون من وراء العمل, بل لتحقيق أغراضهم الهدامة ومأربهم الضالة من حلول الفساد بدل الصلاح, وانتشار الرذيلة بدل الفضيلة حتى تشبع غرائزهم الشهوانية, وتلبى مطالبهم الحيوانية.
لذلك نهى الله عن تبرج الجاهلية في قوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (33:الأحزاب)
"في هذه الآية حذر سبحانه النساء من التبرج تبرج الجاهلية وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" (متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا)، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" (مسلم) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الفتنة بهن عظيمة ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب وتبرجن فيه تبرج الجاهلية وكثرت بسببه الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد ، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق". ( عن رسالة لابن باز رحمه الله حول الاختلاط في لتعليم)
- القرار في البيوت:
من حكمة الله الذي خلق الذكر والأنثى أن جعل تكوين كل واحد منهما مختلف عن الآخر, ليقوم كل واحد منهما بواجبه في الحياة على أكمل وجه وأحسنه, فالمرأة قوي فيها جانب العاطفة, والرجل قوي فيه جانب العقل وقوة البدن ليتحمل المشاق ويفكر في الإنتاج وجمع المال, لذلك كلف الله الرجل بالنفقة على من تحته من نساء, وكلف المرأة بالرعاية لشؤون البيت ورعاية الأطفال, إذ النفقة والسعي لها من واجبات الرجال, فهم الذين يجب عليهم جمع المال والإتيان به قال تعالى: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) (الطلاق:17) وقال صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع وكل مسئول عن رعيته...إلى أن قال والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها وولده ومسئولة عن رعيتها" ( متفق عليه) وبهذا الحديث تتحدد مسؤولية الرجل ومسؤولية المرأة, فالرجل مسئول عن رعاية أهله بالتكسب لهم والنفقة عليهم, والمرأة مسئولة عن رعاية بيتها والعناية بشؤونه.
فهذه هي مهمة المرأة الحقيقية والتي تتناسب مع فطرتها السوية, و تتوافق مع خلقتها البدنية وتتماشى مع تكوينها النفسي.
لذلك أمر الله المرأة بالقرار في البيت, وأمر الرجل بالسعي في الدنيا والبحث عن الرزق فقال تعالى في شأن المرة: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ ) (33:الأحزاب), وهذا هو لأمر المتوافق مع طبيعة المرأة الضعيفة, التي تغلبها العاطفة وتسيطر على تصرفاتها, وهذا من حكمة الله الذي يعلم ما خلق:( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (14:الملك) حتى تحنوا على ولدها وتصبر على معاناة تربيته ورضاعة, وما يلحقها من ذلك من مشقة, فتصبر عطفا على ولدها وحبا له, وهذا ما لا تجده عند الرجال الذين تغلب عليهم الشدة وقلة الصبر من معاناة الأطفال, وهذا يوصلنا إلى أن قرار المرأة في بيتها هو أصلح لها ولولدها وزوجها ومجتمعها, وأحفظ لدينها وحيائها, وأرعى لعفافها وكرامتها.
ولكن دعاة التغريب وحملة راية الفساد يأبون إلا أن تخرج المرأة من دارها ويّدعون أن بقائها في منزلها تعطيل لمُقدَراتِها, وشل لقُدراتها, وإهمال لنصف المجتمع, غافلين أو متغافلين أن بقاء المرأة في بيتها لا يعني تعطيلها عن خدمة مجتمعها أو قيامها بواجبها واستفادتها من قُدراتها, بل بقائها في بيتها هو تفريغ لها لواجبها الأسمى وتحقيق للفائدة العظمى منها لها ولمجتمعها, فهي في المنزل تربي للمجتمع, وتصنع الرجال وتحفظ النساء, فهي تبنى الإنسان وتُقوِّم سلوكه وتحقق استفادة المجتمع كله منه, وهذا والله هو أعظم واجب تقوم به وأكمله, فإذا كان الرجل يخرج من منزله ليعمل من أجل أن يبنى المجتمع, أو يُطعم ويَسقي, فإن المرأة تصنع الإنسان الذي يصنع المجتمع, وتربي الأجيال الذين يرتقى بهم, وهذا والله أعظم وأكرم من عمل الرجل الذي يتعامل مع الجماد والإنسان كجسد, أما المرأة فهي تتعامل مع الإنسان كروح تحيى بحياتها مجتمعات وتموت بموتها أخرى.
وقد شكي من خروج النساء من منازلهم وتركهم مهمتهم الأولى ـ وهي تربية الأجيال ـ الغرب أنفسهم الذين جربوا ذلك وفقدوا بسببه كثيراً من معاني الحياة الحقيقة, إذ أنه بعمل المرأة وخروجها من بيتها يتعطل المجتمع كله, فيقول أحد أركان النهضة الإنجليزية:إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشاء عنه من الثروة فإن نتيجته هادمة لبناء الحياة المنزلية, لأنه يهاجم هيكل المنزل ويقوض أركان الأسرة ويمزق الروابط الاجتماعية ويسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم وصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة إذ وضيفتها الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها مع القيام باحتياجاتهم البيتية.
ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير المنازل, وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال, وانطفأت المحبة الزوجية وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والمحبة اللطيفة وصارت زميلة في العمل والمشاق, وصارت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والتوادد الزوجي والأخلاق التي عليها مدار حفظ الفضيلة. انتهى كلامه. ( عن رسالة عمل المرأة بين الشرع المطهر والواقع الملموس/ فيصل العمري)
وهذه شهادة مجرب عاش واقع خروج المرأة من بيتها وعدم قرارها فيه, والعاقل من أعتبر بغيره, وكفي بالذي خلق الثقلين بصيراً وخبيرا فقد أمر المرأة بقرارها في بيتها و وجهها إلى رعاية شؤونه ونهاها عن ترك هذه المهمة العظيمة, حتى يتكامل المجتمع, ويقوى بنائه ويصلح حاله.
وكل من ترك ما أمر الله به إلى ما نهاه عنه وجد من مغبة ذلك ومفسدته ما يندم عليه حين لا ينفع الندم.
وبهذا نصل إلى نهاية المطاف من تبين سياج العفاف وشد عراه, و الذي يسعى أرباب الفساد ودعاة التغريب إلى نقض عراه وهدم بنائه, من خلال الدعوة إلى السفور والاختلاط وترك المرأة لبيتها, وما يلحقها بعد ذلك من مصائب ومفاسد لا يعلمها إلا الله والله المستعان.
فاحذر أخي المسلم واحذري أختي المسلمة من الاغترار بكيدهم أو الانخداع بمكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال, حتى ولو تلبسوا بلباس الدين أو تمسحوا بكلمات الشريعة, وعليكم بالأمر العتيق الذي يُحفظ به الدين وتقوم به الشريعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.