لا يزال المشهد السياسى فى مصر العالق على مفترق طرق يلقى اهتمام الصحف العالمية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وتزايد الحديث عمن سيخلف الرئيس مبارك، ورأى تشاك فريليش، نائب مستشار الأمن القومى فى إسرائيل سابقا، أن الدور الإقليمى الذى تلعبه مصر لا تستطع أى من القوى الإقليمية الأخرى فى الشرق الأوسط أن تلعبه، فالمملكة العربية السعودية لم تتمكن قط من ترجمة ثرواتها النفطية إلى تأثير سياسى، وحتى تركيا التى تعاظم نفوذها بصورة كبيرة فى الآونة الأخيرة وترددت الأقاويل بشأن سحبها البساط من تحت مصر تفتقر إلى الزخم المطلوب للعب هذا الدور، فضلا عن أنها بدأت تعول بشكل متزايد على "المتشددين".
وقال الكاتب فى مستهل مقاله بصحيفة واشنطن تايمز الأمريكية: "إن مصر لطالما كانت منذ عهد الرئيس الراحل، أنور السادات، محور الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة لمحاولتها العديدة لإحلال السلام فى الشرق الأوسط، ورأب الصدع بين الأطراف المعنية وحقيقة الأمر، فبدون الرئيس مبارك ربما تتحول إلى كابوس محقق.
ومع ذلك لم تتسم العلاقات المصرية الأمريكية بالانسجام دوما، فالرئيس مبارك اختلف مع السياسة الأمريكية فى ملف العراق، وإيران، وعملية السلام، وليبيا، والإصلاح الداخلى، وعدد من القضايا الأخرى. ورغم ذلك، جمعت الدولتين علاقة متينة، خاصة أن مصر ما زالت تلعب دورها البناء فى المنطقة، فلا أحد ينكر أنها الدولة التى مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تسوية العناصر المتضاربة فى إستراتيجيتها الإقليمية على مدار العقود الأخيرة، ووطدت علاقتها مع الدول العربية المعتدلة، فى الوقت الذى احتوت فيه المتشددين، وروجت لعملية السلام وشكلت تحالفا لم يسبق له مثيل مع إسرائيل.
وبالمثل اتسمت العلاقة بين مصر وإسرائيل بالبرود، فمصر منعت أى تطبيع ثنائى، كما اختلفا حول أبرز القضايا، ورغم ذلك حافظت مصر على معاهدة السلام، وهذه بعض من الأسباب التى تحول دون لعب أى دولة أخرى دور مصر الإقليمى.
وتابع فريليش قائلاً: "مسألة مصر فى عصر ما بعد مبارك ستطرح عاجلا أم آجلا، سواء أكان جمال مبارك أو شخصًا غيره سينجح فى اعتلاء مقاليد السلطة والاحتفاظ بها، وفى هذه الحالة يمكن أن تستمر سياسيات مصر على النحو المعروف، أو سيكون هناك صراع على السلطة مع جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة المعارضة الوحيدة - والمحظورة سياسيا - التى بإمكانها الفوز.
ورأى الكاتب أن استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة لن يكون كابوساً لمصر وحدها، وإنما للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فجلوسها على كرسى الرئاسة معناه تحكمها فى أكبر دولة فى المنطقة من حيث تعداد السكان فضلا عن امتلاكها أكبر وأفضل جيش عربى.
وتساءل عما إذا كانت مصر ستظل قوة الاستقرار فى المنطقة فى حال حدوث ذلك، أم ستقوم بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وتعود للصراع مرة أخرى، وهل سيكون بإمكان مصر أن تمنع حربًا أخرى مستقبلية بين حزب الله وإسرائيل، وكيف سيكون ردها على هجوم إسرائيلى أو أمريكى محتمل على المنشآت النووية الإيرانية، وأضاف قائلاً: "إن عدد سكان مصر سيصل إلى 95 مليون نسمة بحلول عام 2025"، وهو ما ينذر بخطر واضح فى أن تصبح دولة فقيرة بلا أمل بغض النظر عمن سيتولى السلطة.
ومضى الكاتب يقول: "إنه من النادر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أن يواجهوا قضية إقليمية بهذا القدر من الأهمية، ولا يمكنهم عمل الكثير بشأنها"، مشيرا إلى أن كلا الدولتين لا تملكان سجلاً ناجحاً من التدخل فى السياسة العربية، وأى محاولة الآن منهما علنية للتأثير على الأحداث ربما تقوض من فرص جمال مبارك، خاصة أن النظام يتعرض لانتقادات واسعة لعلاقاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومولاته لهما.
وقال فريليش: "إنه يمكن القيام بعمليات سرية بغرض إضعاف المعارضة، ولكنه ليس من المرجح أن يستطيع أى لاعب خارجى أن يفعل أكثر مما يفعله جهاز الأمن المصرى، كما أشار إلى أنه لا يوجد أى خيار عسكرى خارجى واقعى.
واختتم قائلاً: "إنه عندما يتمكن جمال مبارك أو أى شخص معتدل آخر من تولى السلطة فسيكون من المهم للولايات المتحدة وإسرائيل المساعدة فى ترسيخ حكمه من خلال توفير بعض النجاحات المبكرة له، واستدرك قائلاً: "إن قدرتهما على فعل ذلك ستكون مقيدة للغاية، فلا يمكنهما عمل الكثير من أجل صياغة الأحداث".