تتحفنا صحيفتنا المتألقة فى سماء الصحافة العربية «المصرى اليوم» بحوارات صحفية عديدة رفيعة المستوى، سواء على مستوى الشخصيات التى تجرى معها هذه الحوارات أو فى نوعية الأسئلة وطريقة الحوار الجادة المتعمقة التى يقوم بها صحفيوها المتميزون.. ولكن مما لا شك فيه أن هناك بعض الحوارات التى نشرت فى الفترة الأخيرة، كنت أود من إدارة الصحيفة أن تضع فى صدرها تحذيراً واجباً وهو: «ننصح بعدم قراءة هذا الحوار إذا كان القارئ يعانى من ارتفاع فى ضغط الدم، أو سبق أن تعرض لجلطات فى المخ أو القلب»!!
إننى لا أكتب هذا على سبيل المزاح، بل أنا جاد جدا فيما أقول.. فمنذ عدة أيام قامت زوجتى الطبيبة بقياس ضغط الدم لى على سبيل الاطمئنان، حيث إننى مريض بارتفاع الضغط وأتناول دواءً يوميا، فوجدته -والحمد لله- فى الحدود المسموح بها.. وبعد ذلك بقليل لاحظت زوجتى أننى أبدو عابسا مهموما وبوجهى احمرار من يحاول أن يكظم غيظه، وفوجئت بطلبى منها أن تقيس لى الضغط مرة أخرى، فتعجبت وقالت إنك لم تفعل شيئا منذ أن قسته لك من نصف ساعة، سوى أنك قرأت صحيفة «المصرى اليوم»..
وأمام إصرارى قامت بقياس الضغط مرة أخرى فوجدته مرتفعا عن المرة السابقة بطريقة أدهشتها، فسألتنى: ماذا قرأت؟ فأشرت إلى صفحة كاملة بها حوار مع أحد مليارديرات هذا الزمان الأغبر من رجال الأعمال الذين جاء بهم الفكر الجديد ليحتلوا أعلى المناصب السياسية والقيادية فى حزب النظام الأوحد الذى تحور وتكعور، وتعدل وتبدل من الاتحاد الاشتراكى إلى الحزب الوطنى! القطب الكبير بالحزب والسند الأول والأكبر لفكرة توريث الحكم، التى بدا من الحوار معه أنه ينتظرها بفارغ الصبر!
ظهر ذلك من سؤال له عن رئيس مصر المحتمل بعد انتخابات 2011 فكانت إجابته فى حوالى ثلاثين سطراً، منها سطران فقط عن الرئيس حسنى مبارك وبقية السطور عن الوريث ومميزاته! بل إنه أضاف فى معرض الرد على سؤال آخر ما نصه: «علينا أن نأخذ فى الاعتبار أنه قد يكون فى رأى الرئيس أنه أعطى الكثير ويجد من حقه أن تذهب مسؤولية إدارة الدولة التنفيذية إلى شخص آخر مع الأخذ فى الاعتبار أن رئاسته للحزب الحاكم تجعله زعيما للأمة بلا منازع»!
هكذا أوضح وأبان القيادى البارز فى أمانة سياسات الحزب الحاكم السيناريو الذى يتمناه ويخطط له ثلة من المستفيدين تزين للنجل فكرة أنه الأولى والأحق برئاسة مصر الآن.. ولهذا أيضا قال عن مطالب د.البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير «إنها أمر مُبالغ فيه وغير واقعى!».
فى سؤال له عن تزايد الهوة بين الفقراء والأغنياء، أوضحت إجابته الرؤية الاجتماعية لرجال الفكر الجديد ومفجر ثورة التطوير، إذ يرى سيادته أن أحوال الفقراء فى مصر تحسنت كثيراً، وأن المشكلة فقط فى أن تطلعاتهم تتزايد، وفسر ذلك بأنه قبل ثورة يوليو كانت تطلعات الفقراء محدودة مثل شراء جلباب واحد فى السنة، ولم يكن يتوقع أن يأكل «لحمة» ولا يفكر فى مكان بالمدرسة لابنه.. أما الآن فهناك أكثر من 40 مليون موبايل فى أيادى المصريين، ومنهم بالطبع الفقراء، ويتطلعون إلى شراء تليفزيون ملون لا أبيض وأسود ويتكلمون كثيرا عن أسعار اللحمة!
ورؤية فيلسوف لجنة السياسات للإعلام الحر المستقل أنه غير منضبط وغير هادف وهو أكثر ما يقلقه على مستقبل البلد، لأن هذا الإعلام – وليس هو وأمثاله – السبب فى خلق حالة من الاكتئاب العام، وحض السلطات على مجابهة هذا الخطر بوصفه عناوين بعض الصحف المستقلة بأنها منشورات سرية لقلب نظام الحكم، ولست أفهم وصفه لها بالسرية!!
المجال لا يسمح بمناقشة رؤية رجل الأعمال والقيادى البارز فى لجنة سياسات الحزب لسياسة الخصخصة أو بالأحرى عملية بيع أصول الشركات والمصانع التى يملكها الشعب المصرى إلى حفنة معينة من المصريين والعرب والأجانب بطرق شبه سرية، حيث أفتى سيادته بأن عمليات البيع التى تمت حتى الآن هزيلة، فهو يريد الهرولة على هذا الطريق بأقصى قدر ممكن من السرعة قبل أن يتنبه أو يفيق الشعب من غفوته التى طالت!
كذلك فلن أناقش رأيه الشاذ بأنه لا يخشى من تأثير رأس المال على الحكم، وأن صورة رجال الأعمال تقدم دائما للمجتمع المصرى بقدر كبير من التحيز ضد هذه الفئة المظلومة والمفترى عليها!!
ولكنى سأعرج إلى موضوع أهم سئل فيه القطب الحزبى الكبير وهو موضوع إقامة المحطة النووية الأولى بمنطقة الضبعة، فأجاب بكل الفخر والاعتزاز: «رجل الأعمال الوحيد الذى تصدى بالرأى الآخر لموقع هذا المشروع هو أنا»، وهو لا يسمى هذا المشروع الذى يمكن أن يعيدنا مرة أخرى إلى مستوى الدول الناهضة المحترمة باسمه الحقيقى وهو المحطة النووية والمفاعل النووى، ولكنه يقول عنه باستهتار بالغ «محطة توليد الكهرباء» التى يمكن إقامتها فى أى مكان..
وأن ذلك المشروع سيؤثر على مشاريعه السياحية الملاصقة لموقع الضبعة، التى ينوى توسيعها لجذب أعداد أكبر من السائحين الأوروبيين الذين سيتولى رعايتهم وإمتاعهم الشباب المصرى القادر على حمل الحقائب وتنظيف الغرف وتقديم الطعام والشراب وغض البصر!!
فعلا.. من حقه أن يفخر هذا الرجل، فقد استطاع حتى الآن أن يجعل المشروع النووى حبيس الأدراج.. فوزير الكهرباء يتلعثم عند سؤاله عنه ويقر بأن كل شىء جاهز بالدرج، ولكنه ينتظر القرار السياسى الذى لا يعرف أحد موعدا له.. والسيد أمين السياسات يخدر الناس بتصريحات عن نجاح حزبه فى إحياء البرنامج النووى الذى لا يراه أحد!
لا أحد يعلم على وجه اليقين مَنْ صاحب القرار حول هذا الموضوع فى هذه المرحلة المشؤومة من تاريخ مصر، ولكن بالتأكيد فإن لهذا الملياردير قوته النافذة إلى مراكز صنع القرار.. وأعتذر لأى قارئ شعر بأعراض ارتفاع ضغط الدم بعد قراءته هذا المقال!