مقدمة
يقيناً أن أمام كل ملة ومذهب، أو كل فريق ومجموعة، جملة تحديات عصرية أهمها التعاضد البيني والتكاتف وإيجاد الموانع الذاتية الداخلية للصمود في وجه زعزعات العصرنة والعولمة!
ومهما بلغتْ قوةُ طائفة ما أو فريق ما فإنه في دائرة المواجهة، إنْ لم نقل الخطر، في عصرٍ تكثر فيه الطروحاتُ المتناقضة، أو المتناقضات عموماً..
فعصر اليوم لا سابق له من حيث انتشار الكم المعلوماتي وعلى كافة المستويات وبتلك الطرق وبذاك القدْر من اليسر والسهولة! بالإضافة إلى ذاك التناحر بين الاتجاهات الفكرية والعلمية المطروحة! فضلاً عن ثورة التقنيات ونمط الحياة الجديدة..!
فلو أخذنا مسألة الصحة مثلاً لَرأينا الطب والطب البديل، وخرافة التوفيق بينهما، بينما الحقيقة أو الواقع هو تناحر المدرستين أو التيارين بغضِّ النظر عن قوة كل منهما أو شرعية ومنطقية المستوى المنتشر به..!
فالطب "الحديث" لا يُغفِل أهميةَ الناحية الطبيعية في التغذية والوقاية من الأمراض بل العكس تماماً، ولا يحتاج بمنظومته العلمية المتطورة وأبحاثه "التجريبية والمخبرية".. إلى طب مساعد أو بديل... ولكن مع كل هذا لا نجد الساحة الصحية مُلكاً له وحده رغم كل الإنجازات التي حققها والتطور الذي شهده!
وكذلك مسألة الدين!
فلم يعد الخطر على الدين من اللادينيين أو اللادينية، بل من تناحر الشرق والغرب، والسماوي والأرضي، والكتابي واللاكتابي!
فهناك التراث الشرقي، من الصين والهند إلى مصر والعراق والشام! وهناك الطروحات الغربية الفلسفية والمنطقية الجدلية، والعلمية البحتة والعلمية الممزوجة ببعض الأفكار والمبادئ الشرقية..!
وكذلك السياسة وسائر المجالات! والقانون الوحيد هو أن القوي يأكل الضعيف وأن لا حياة إلا للقوي..
فنجد التحالفات الجديدة والاندماجات وتغيُّر التوجُّهات.. وما إلى هنالك من ضرورات المرحلة العصرية!
ولعل الدين أكثر المعنيين بضرورة التنبُّه لأخطار المرحلة الحالية وأهمية إيجاد الحلول المناسبة لاجتياز المرحلة بأمان وسلامة!
فإذا كان هذا هو الحال عموماً فما هي تحديات "الطائفة العلوية" العصرية، وهل من نور يلوح في الأفق؟!
الأخطار المحدقة بالطائفة العلوية
تختلف رؤية حجم الأخطار وتقدير شدتها من شخص إلى آخَر، فالمتفائل يراه بشكل والمتشائم يراه بشكل آخَر، وكذلك القوي والضعيف..
ولكن لا شك أن هناك أخطاراً كبيرة بقدْرٍ لا يمكن الاختلاف على وجودها أو الاشتباه بدرجة جدِّيتها..!
ولئن كان الاتفاق على العموميات أسهل أنواع الاتفاق وأيسره فإن الأمر في حالتنا هذه أصعب من غيره حتماً!
فالأخطار المحدقة بالطائفة العلوية "عموماً" تشابه نوعاً ما الأخطار المحدقة بكثير من الأقليات الدينية، ولكن الأمر شتان في الحقيقة والواقع!
فالأقليات المسلمة وغير المسلمة تُرعى من قِبل مرجعيات على مستوى التحديات أو دونه، أما "الطائفة العلوية" فلا "مرجعية رسمية" عندها، ولا "نظام مؤسساتي داخلي" لديها!
وهذا لا يجعلها عُرضة للأخطار أكثر فحسب، وإنما يُغيِّر من طبيعة تلك الأخطار، إنْ من حيث الشكل أو المضمون؛ بمعنى: يمكن أن يكون خطر الانهيار واحداً بالنسبة لمختلف الطوائف والأقليات لكن الأمر بالنسبة للطائفة العلوية مختلف تماماً!
فالمرجعية ــ في حال وجودها ــ يمكن أن تلعب دوراً مهماً في إبعاد شبح مثل هكذا خطر، أو يمكنها تفاديه كلياً، أو يمكنها التعامل معه في حال حصوله تعاملاً إيجابياً إصلاحياً..!
والمرجعية هنا هي المرجعية بالمعنى العام، أي سياسية ودينية واجتماعية وثقافية.. مرجعية أشخاص ومرجعية بُنى وفِكر ومؤسسات..!(1)
إن الخطر المحدق بالطائفة العلوية اليوم هو أخطر خطر إذ أنه من الخفاء بمكان يصعب التنبُّه إليه أو تقدير خطورته، وهو: بقاء الطائفة على وضعها الحالي حيناً من الزمن! بمعنى: الاستمرار بالوضع الراهن إلى حين تفاقم الأزمات وبروز المعضلات..
والمشكلة الحقيقية أنه ليس ثمة إجماع، أو شبه إجماع، على أن الوضع اليوم سيئ ويُنذر بسوء إذا ما أُغفل وأُهمل، بل على العكس، إذ نسمع من حين إلى آخَر أصوات "مستهترين" تقول: لِمَ تلك الضجة حول وضع الطائفة..؟ الطائفة بخير، وستبقى على خير..!!
فلو عُرفت المشكلة، أو لو أُقِرَّ بوجودها، لَسُعِيَ إلى حلِّها! ولكن تجاهلها أو الغفلة عنها هي مشكلة أكبر!
والمصيبة أن الوضع اليوم لا يحتاج إلى كبير عناء في تحليله وفهم مداليله والتنبُّؤ بما سيؤول إليه! إذ صورة التشتت والاختلاف والتناحر بادية بشكل واضح جداً في الصورة العلوية العامة، وهي نذير التفتت والانهيار!
ففي نواة تركيبة الطائفة العلوية الداخلية اليوم بذرة كفيلة بإحداث تلك الكارثة إذا ما تُركت الأمور على طبيعتها اليوم، فضلاً عن حرب لا هوادة فيها، فكرية وسياسية ودينية، من قِبل بقية الطوائف؛ فأين العلويون اليوم من الأخطار المحدقة بهم؟!
مشاكل الطائفة العلوية
هناك مشاكل جمة عند الطائفة العلوية، منها الداخلية ومنها الخارجية، ولعلنا بتشخيصها وذِكر أهمها نستطيع التوطئة والتمهيد لإيجاد حلّ مناسب لها، أو لمعظمها؛ أو المشاركة بالإسهام بحلٍّ محتملٍ لها، لو بطريقة جيدة للتعامل معها!
* أهم مشاكل الطائفة العلوية الداخلية:
1- الخلافات البينية العميقة في قضايا دينية أساسية خاصة.
2- عدم وضوح بالهوية المذهبية! فالعلويون ــ بأجمعهم ــ يوالون آل بيت رسول الله (ص)، ولكنهم ــ بغالبيتهم ــ يخالفون الشيعة الأم في قضايا "هامة" كسفارة بعض الرجال للإمام المهدي ــ ع ــ! فضلاً عن خلافات مماثلة وغير مماثلة لا يسع ذكرها في هذه العجالة هنا.
3- وجود تشتت وتناحر على أساس عشائري خفي في بعض الأحيان والأماكن وجلي في أحيان وأماكن أُخرى.
4- عدم وجود بُنى ومؤسسات دينية أو اجتماعية حقيقية، فاعلة أو قادرة أو مستقلة..
5- أخيراً، وهو الأهم: عدم وجود مرجعية لدى الطائفة العلوية، واحدة أو متعددة! مرجعية بالمعنى الحرفي والحقيقي للكلمة! فقد يُقال: لكل قرية أو عشيرة مرجعيتها كما للطائفة مرجعيتها "الدينية" ولكن الحقيقة تقول أن لكل قرية وعشيرة مفرِّقها أو مفرِّقيها!... وعموماً، بغياب المرجعية الرسمية لا سبيل للقول بوجود مرجعية حقيقية، ولا أمل بوجود مثل هكذا مرجعية في المستقبل المنظور!!(2)
* أهم مشاكل الطائفة العلوية الخارجية:
1- خلافات عميقة ــ خفية أو علنية ــ مع سائر الفِرق والطوائف الإسلامية.
2- أزمة ثقة حقيقية بين الطائفة العلوية وبقية الطوائف..
3- وجود عداوات قديمة مع بعض الطوائف القوية والفاعلة في الساحة الإسلامية اليوم.
4- ضعف الطائفة الداخلي يشكِّل أحد عوامل ضعفها الخارجي أو مشاكلها الخارجية!
تحديات العصر والحلول الممكنة لدى الطائفة العلوية..
لا شك أن أحداً لا يملك عصاة سحرية، وأن الحل يحتاج إلى وقت ليس بقصير وإلى جهود كبيرة ومضنية، وإلى تكاتف وتعاضد.. بعد إيمان وهمّة..
على الطائفة العلوية اليوم أن تعي حجم الأخطار المحدقة بها، وأن تتوحَّد على العمل على حلّ أزماتها الداخلية بيدها ومشاكلها الخارجية بيدها وبيد المخلصين من سائر الفِرق والطوائف الإسلامية، وهم كُثر ولله الحمد!
يجب أن تقتنع بوجود خطر حقيقي وكبير، ثم يجب أن يتنازل أبناؤها لبعضهم البعض، وينزعوا ما في قلوبهم من غلٍّ تجاه بعضهم، ويتوحَّدوا لله ويثقوا بنصره الأكيد لكل المخلصين والشرفاء في الأرض، ولن يستطيعوا البدء بالمسير نحو الحل والانفراج إذا ما استمروا في تزييف الواقع وإخفاء الحقيقة والقول بعدم وجود مشكلة بحجمٍ يستدعي الاستنفار!
وليس أمامهم سوى هذا الحل الوحيد، أو: الانهيار وما يعنيه، إنْ عاجلاً أو آجلاً!
يجب أن يعمل كل إنسان ــ منهم ــ بطاقته ومجاله، ويوحِّدوا الصفوف ويرصّوها! وهذه ليست أحلام وردية أو موضوع إنشائي لا أصل له في الواقع! بل ما نقوله وننشده بيد الجميع إذا توفَّرت الرغبة والإرادة، وحتى في حال توفر المطلوب جزئياً فإنه قد يكون كافياً بجهاد أكبر من المؤمنين بهذه القضية، قضية الإصلاح الحقيقي! فالفساد لا يمكن أن يستمر وما بُني على خطأ سينتهي كبدايته..!
إذاً، يجب أن يُعاد النظر في كل شيء، بدءاً من الأسباب التي قادت إلى الوضع الحالي وانتهاءً بالرؤى المستقبلية للطائفة العلوية في كنف الإسلام "العام الرسمي"، والحقيقي(3)!
لا حياة إلا بالمحبة والصدق والإخلاص.. ولا نعيم كالحب والتسامح، ولا جنة كالتوحّد..
وبهذا أُنهي هذه المقالة المتواضعة، وأستميح جميع القراء من علويين وغيرهم من المسلمين وغير المسلمين عُذراً، وأسأل الجميع الدعاء؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفقير لله تعالي