بتـــــاريخ : 7/31/2010 9:41:01 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 996 0


    روح الأرواح

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : د.علي بن عمر بادحدح | المصدر : www.qudwa1.com

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام روح الأرواح


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد ..

    فإن الله خلق الإنسان من قبضة طين ونفخة روح ، ويسر للجزء الطيني غذاءه من الأطعمة والأشربة التي تنمو بها الأجساد، وتقوى بها الأبدان، وأما الروح فهي السر الأعظم الذي لا يعرف كنهه البشر { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فهذه الروح لا يمكن تغذيتها ولا تقويتها ، ولا حمايتها ووقايتها إلا من طريق خالقها وبارئها { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .



    ولقد جعل الله للروح ما تسمو به وترتقي ، وما ترق به وتشف ، وتسعد به وتلتذ ، فتصبح حنيئذ في تمام النقاء والصفاء ، وكمال القوة والنشاط ، ألا وإن أعظم ما تحيى به الروح وتسعد ذكر خالقها الذي به تتغذى ، ومعراجها الذي فيه تترقى ، وزينتها التي بها تتحلى ، وعدتها التي بها تتقوى ، فالذكر : \" منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ، ومن منعه عزل ، وهو قوت قلوب القوم التي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً ، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بوراً ، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق ، ودواء أسقامهم الذي إذا فارقهم انتكست منهم القلوب ، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت توصلهم إلى علام الغيوب ، به يستدفعون الآفات ، ويستكشفون الكربات ، وتهون عليهم به المصيبات ، إذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم ، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم ، وهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون ، يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً ويوصل الذاكر إلى المذكور ويجعله ذاكراً مذكوراً \"[تهذيب المدارج ص:463] ، فلله در ابن القيم ما أبدع وصفه ، وما أعمق فهمه ، فتأمل تلك المعاني ولنمض معاً لمزيد من الإيضاح والإفصاح عن روح الأرواح .



    الذكر هو العبادة المطلوبة بلا حد ينتهى إليه { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً } وبلا وقت تختص به { ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى} وبلا حال تستثنى منه { الذي يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } .



    وهذه تذكرة في الذكر نبدأ فيها بمعنى الذكر ودلالته، ونثني بمكانته وأهميته ونقف مع فوائده وآثاره، ونعرج على أقسامه وأنواعه، والله أسأل أن يجعلنا من الذاكرين، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين .



    أولاً : معنى الذكر ودلالته

    الذكر: ضد الغفلة والنسيان ، والغفلة : ترك الذكر عمداً ، وأما النسيان : فتركه عن غير عمد .

    ولذا فالغفلة مذكورة في القرآن الكريم في معرض النهي والتحذير كما في قوله تعالى : { واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} وكقوله جل وعلا : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } .

    بينما النسيان ليس كذلك لعدم صدوره عن قصد ومن هنا جاء التوجيه القرآني العظيم { واذكر ربك إذا نسيت }.



    والذكر يشمل معنيين :

    الأول : بمعنى التذكر واستحضار الشيء في الذهن كقولك ذكرت حادثة كذا وكذا إذا استحضرتها في ذهنك ، ومرت دقائقها بمخيلتك ، وهذا المعنى ضد النسيان ، ومنه قوله تعالى :{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } ، فأصل الذكر : التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له ومنه قوله تعالى :{ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } أي تذكروها [ المفهم7/6 ] .



    والثاني:هو النطق باللسان ، وهو استعمال غالب ، فإذا قلت : فلان يواظب على الأذكار ، أي يتلفظ بها ومنه قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً } .



    والذكر عندنا هنا يشمل على الاثنين ، فالذكر معنى التذكر مقصود به تذكر الله واستحضار عظمته وخشيته ، ومراقبته ونعمته حتى يكون القلب له معظماً ، ومنه خائفاً وله مراقباً، ولنعمته شاكراً .



    وكذلك الذكر اللساني إذ هو ثمرة ذلك ، وشاهد عليه ، ومترجم عنه ، فمن عظّم الله في قلبه سبّح وهلّل وكبّر بلسانه ، ومن خافه تضرع ودعا \" وسمي القول باللسان ذكراً ؛ لأنه دلالة على الذكر القلبي ، غير أنه قد كثر اسم الذكر على القول اللساني حتى صار هو السابق إلى الفهم \" [ المفهم7/6 ] .



    ثانياً : مكانة الذكر وأهميته

    1- ذكر الله أكبر

    قال تعالى :{ اتل ما أوحي من الكتب وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون } والآية واضحة الدلالة في أن الذكر ليس كبيراً فحسب بل هو أكبر ، وذلك يدل على أهمية كبرى ، ومكانة عظمى .

    ذكر العلماء والمفسرون عدة معانٍ جديرة بالاهتمام توضح كون الذكر أكبر ، وهاهي أقدمها لك واضحة ميسرة :



    الأول: ذكر الله أكبر من كل شيء ، فهو أفضل العبادات ؛ لأن المقصود بالطاعات كلها : إقامة ذكره ، فهو سر الطاعات وروحها ؛ لأن حقيقته هي التعلق بالله واستحضار عظمته ، واستشعار مراقبته ، واستذكار نعمته ، والعبادات كلها - بهذا المعنى – ذكر .

    الثاني: أن المعنى أنكم إذا ذكرتموه ذكركم ، فكان ذكره لكم أكبر من ذكركم له ، وهذا معنى عظيم فأنت أيها الإنسان الضعيف العاجز يذكر الله القوي القادر ، أنت الفقير الحقير يذكر الله الغني العظيم ، فما أعظمه من ذكر ! وما أسماها من مكانة ! .

    الثالث : ولذكر الله أكبر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر ، بل إذا تم الذكر محق كل خطيئة ومعصية ، فيالله ما أكبر هذا الذكر [ انظر تهذيب المدارج ص:463 ] .



    2- أجر الذكر أعظم

    لئن كان الذكر ذاته أكبر ؛ فإن أجره أعظم ، وتأمل معي هذا الحديث الذي يدل على ذلك ، إنه حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه - عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ! قالوا : بلى يارسول الله ، قال :ذكر الله عز وجل ) .



    الله أكبر ما أعظم هذا الأجر ! إنه أعظم من إنفاق الأموال وإزهاق الأرواح في سبيل الله ، وتأمل كيف عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث بطريقة تبرر وتؤكد عظمة هذا الأجر .



    لقد بدأ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالسؤال الذي يلفت النظر ويسترعي الانتباه ، وجعل مضمون السؤال فيما يهم المؤمنين ؛ حتى تتهيج النفوس وتتحفز المشاعر ، ويكونوا بالإجابة متعلقين ، وبالعلم بها شغوفين ، وللعمل مبادرين ، فقال لذلك كله : ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم …) .



    ثم انتقل بالمقارنة الملموسة بأعمال معروفة بعظمتها وكثرة أجرها ، وجعل الذكر أكثر منها أجراً فقال : ( وخير لكم من أعطاء الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم ) فقارن الذكر وأجره بالإنفاق المالي ، وهو عبادة متعدية النفع عظيمة الجر لاحتياجها إلى مجاهدة النفس ، ومغالبة شحها وشهوتها في التملك والاستزادة ، وكذلك قارن الذكر بالجهاد العملي الذي تبذل في المهج والأرواح .



    ثم في آخر الحديث، وبعد تطلع الصحابة وتشوقهم قال لهم : ( ذكر الله عز وجل ) ، فكانت طريقة عرضه أبلغ في إبراز المعنى والتأكيد على أهمية الذكر ورفعة مكانته .



    3- صلة الذكر بالعبادات أوثق

    إن الذكر لبّ الطاعات ، وجوهر العبادات ، وهو أساس كثير من الفرائض والشعائر الظاهرة ، إنه يكون قبلها تهيئة لأدائها ، ويكون معها كجزء من أعمالها وأركانها ، ويكون بعد الفراغ منها ختام لها .



    ولنضرب المثل بالصلاة ؛ فإن الذكر يسبقها ، فالآذان ذكر يشتمل على التكبير والتهليل والنطق بالشهادتين ، ومن السنة متابعة المؤذن ، وبعد الفراغ من الأذان يسن قول الذكر المأثور عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آتِ محمد الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة ) [ رواه البخاري] ، وقبل الصلاة الوضوء وهو من شروطها ، وبعد الفراغ منه ذكر أيضاً كما في حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ- أو يسبغ- الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) [ رواه مسلم ] وزاد الترمذي : ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) .



    والصلاة غايتها الذكر بنص القرآن في قوله تعالى :{ وأقم الصلاة لذكري} وركنها الأول : \" تكبيرة الإحرام\" ذكر ، وركنها الأعظم : \"قراءة الفاتحة\" ذكر ، وفي ركوعها تسبيح باسم الله العظيم ، وفي سجودها تسبيح باسمه الأعلى ، وفي الرفع من الركوع حمد وذكر ، وفيما بين السجدتين استغفار وذكر .



    وبعد الصلاة وانقضائها أمر بالذكر { فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم } ،وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستغفر ثلاثاً بعد السلام عليكم ، كما في حديث ثوبان – رضي الله عنه - قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) [ رواه مسلم ] ، والأذكار الواردة في أعقاب الصلوات كثيرة ، فهذه الصلاة كلها ذكر وثناء ، وتضرع ودعاء .



    والحج مثل ثانٍ ، ففيه يوق الحق تبارك وتعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروا كما هداكم } ، وهو من مبدئه ذكر إذ عند الإحرام يبدأ بالتلبية ،أفض

    1) وهي ذكر ترفع به الأصوات معلنة التوحيد ، والاستجابة لرب الأرض والسماوات ، والطواف والسعي ذكر وتكبير وتهليل وقد قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ) ، وموقف عرفات كله أذكار ودعوات ، وفيه قال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - : ( خير ما قلت أنا والنبيين من قبلي : لا إله إلا الله ) .

    وفي ختام الحج وصية بالذكر:{ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } .



    بل حتى في الجهاد ، وعند التحام الصفوف ، وقعقعة السيوف ، ولقاء الحتوف ، يأتي الأمر بالذكر :{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون } .



    4- أهل الذكر أسبق

    الذكر أكبر ، وأجره أعظم ، وأهله أسبق كما ورد ، فقي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال :( سبق المفرِّدون ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات ) [ رواه مسلم ] .



    وفي معنى المفردين قال ابن قتيبة : \" الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى \" ، وقال ابن الأعرابي : \" فرد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي \" ، وأما الأزهري فقال : \" هم المتخلقون من الناس بذكر الله تعالى \" [ انظر مسلم بشرح النووي17/4 والمفهم 7/9 ] والمقصود أنهم متميزون عن غيرهم ، ومنفردين عن سواهم بخصلة مهمة جعلتهم السابقين ألا وهي كثرة الذكر .



    5- أهل الذكر أرفع

    إن أهل الذكر ليسوا سابقين للبشر فحسب ، بل هم في مقام المباهاة والمضاهاة للملائكة الكرام : { الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} ، الملائكة المفطورون على الطاعة ، والمجبولون على العبادة الذين{ يسبحون الليل والنهار لا يفترون } ؛ لأن أصل خلقهم وغاية وجودهم الذكر والتنسك ، ومع ذلك كله ؛ فإن أهل الذكر من المؤمنين في مكانة رفيعة عالية حتى باهى الله بهم ملائكته ، ويكفي في شرف الذكر أن الله يباهي ملائكته بأهله [ تهذيب المدارج ص 466 ] .



    وإليك الإيضاح بالدليل من حديث معاوية - رضي الله عنه - عند مسلم : \" أن النبي – صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال : ما أجلسكم هنا ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، فقال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما والله لم استحلفكم تهمة لكم ، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم ملائكته \" والمباهاة : المفاخرة [ النهاية1/169] فالله يفاخر بهؤلاء الذاكرين ملائكته المقربين ، بل إن مجالس الذكر هي بغية الملائكة التي تبحث عنها ، وتجتمع عليها ، وتتنادى إليها ، كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً يتبعون مجالس الذكر ، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم ، وحفّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ) [ رواه مسلم ] . والحديث المشهور : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) [ رواه مسلم ] .



    وأعظم من كل ما ذكر ما جاء في قوله تعالى : { كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون، فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } فأي شرف أعظم ، وأي فخر أكبر من أن يذكرك رب العالمين ، وإليك مزيد من التفصيل والإيضاح في الحديث القدسي عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة والجلال أنه قال : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) .



    ثالثاً : فوائد الذكر وآثاره

    1- الذكر مثوبة وأجر

    المسلم حريص على الثواب ، ويستكثر من الحسنات ، ويجتهد في الطاعات ، وأنت – أخي القارئ - ما من شك أنك كثيراً ما تفكر في كيفية زيادة رصيدك من الحسنات ، مع كثرة الأعمال والمشكلات ، وتعاظم الملهيات والمغريات ، ومن هنا أقول لك وبكل قوة ووضوح إن الذكر من أعظم أبواب الأجر ، ولعلي أعرض لك طائفة يسيرة من النصوص الكاشفة عن الجر العظيم والثواب الجزيل للذكر وهي غيض من فيض :



    أ- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين ، فتلك تسع وتسعون ، وقال في تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) [ رواه مسلم ] .



    ب- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان العظيم ) [ متفق عليه ].



    ج- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( من قال لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتب له بها مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال سبحان وبحمده سبحان الله العظيم ) [ متفق عليه ] .



    د- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ) [ رواه مسلم ] .



    هـ- عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : ( كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال : أيعجز أحكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ، فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب كل يوم ؟ قال : يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة ) [ رواه مسلم ] .



    2- الذكر سلامة وحفظ

    جعل الله للذكر فائدة الحفظ للذاكر من وسواسة الشيطان ، همزه ولمزه ونفخه ، فالذاكر محفوظ - بإذن الله - لا يمسّه أذى له من الذكر حصن حصين ، وسياج متين ؛ لأن في قلبه تذكر الله ، وعلى لسانه ذكر الله ، وإليك الإيضاح بالدليل :

    أ- عن عبدالله بن خبيب – رضي الله عنه – قال : قال – صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ) [ رواه أبو داود والترمذي ] .

    ب- عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( إذا نودي لصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضى النداء أقبل ، حتى إذا ثوّب بالصلاة أدبر ، حتى إذا قضى التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ) [ متفق عليه ] .

    ج- عن أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( من قال إذا خرج من بيته : بسم الله توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : كفيت ووقيت ، وتنحى عنه الشيطان ) [ رواه الترمذي ] .

    د- عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال :قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( ما من عبد مسلم يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة :بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء ) [ رواه أبو داود والترمذي ] .

    هـ- عن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) [ متفق عليه ] .



    فتأمل معي هذا الأثر العظيم الذي تناله إن كنت من الذاكرين ! قم انظر إلى ما حولك ، ومن حولك فسترى من به مس من الجن ، أو عطب من السحر ، أو إغواء من الشيطان ، وأنت بنعمة الله سالم من كل ذلك ، بل إن كثرة ذكر الله - عز وجل - أمان من النفاق ؛ فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل، قال الله تعالى في المنافقين : { ولا يذكرون الله إلا قليلاً } ، قال كعب : \" من أكثر ذكر الله - عز وجل - برئ من النفاق \" [ الوابل الصيب ص:172،173 ] وما أجمل ما قاله أبو خلاد المصري في بيان تحصين الذكر حيث قال : \" من دخل الإسلام دخل في حصن ، ومن دخل المسجد فقد دخل في حصنين ، ومن جلس في حلقة يذكر الله - عز وجل - فيها فقد دخل في ثلاثة حصون ) [ الوابل الصيب ص:180 ] .



    3- الذكر حياة وعلم

    الذكر حياة القلوب ، والغفلة مواتها ، فالذكر يحي القلوب بإحياء المعاني الإيمانية ، ودوام الصلة بالله ، ففي صحيح البخاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ) وفي رواية لمسلم : ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت ) .



    وليس بين الحديثين اختلاف \" فإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت \" فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة ، وباطنه بنور المعرفة ، وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل ، وباطنه باطل ، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر عمن يعاديه وليس ذلك في الميت [ الفتح 11/210،211 ] .



    وإذا كان القلب حياً ، كان عامراً بالإيمان ، ومن ثم فإن الموعظة تؤثر فيه ، والذكرى تنفعه ، والوعد يطمعه ويرغبه ، والوعيد يردعه ، فهو كامل الحياة ، عظيم التأثر ومن ثم فإنه يكون :

    أ - ليناً لا قاسياً { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } ومن مات قلبه قسا { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله } وذكر أن رجلاً قال للحسن : \"يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال:أذبه بالذكر \" ، وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة، اشتدت به القسوة ، فإذا ذكر الله ذابت تلك القسوة [ الوابل الصيب ص: 153 ] .



    إن القرآن العظيم يحرّك القلوب الحية : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } ، بل إن أثره أعظم كما قال تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } .

    ب - متذكراً لا ناسياً ، ومعتبراً لا غافلاً :{ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الأولباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } لما رأى عظمة الخلق ذكر وسبح الخالق ، وفكره وذكره أثمرا توجهاً وخضوعاً له ، ومن ثم توّجه بالدعاء والتضرع : { فقنا عذاب النار } .



    ومن كانت هذه صفة قلبه من اثر الحياة بالذكر ؛ فإن قلبه يكون في أفضل أحوال العلم والفقه، والاستيعاب والإدراك ، فالله - جل وعلا - يقول : { واتقوا الله ويعلمكم الله } فمن ذكر ربه زكا قلبه ، وزاد فهمه ، ومن ذكر الله زاده الله فقهاً وعلماً ، حتى يبلغ إلى درجة يكون في قلبه من الشفافية والصفاء ، ما يفرق به وبين الحق والباطل : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم } وأما من مات قلبه حرم العلم وحجب الفقه ؛ لأن\" صدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر ، فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته ، كان الصدأ متراكباً على قلبه ، وصداه بحسب غفلته ، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه ، فيرى الباطل في صورة الحق ، والحق في صورة الباطل ؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم ، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه ، فإذا تراكم عليه الصدأ وأسود ، وركبه الران فسد تصوره وإدراكه \" [ الوابل الصيب ص:89 ] .



    4- الذكر عبودية وإعانة

    إن الذاكر يستحضر مع الذكر معنى عبوديته لربه ، واستعانته به ؛ لأن ألفاظ الأذكار إقرار بتعظيم الله ، وتنزيه له عما لا يليق به ، وحمده على آلائه وإعلان لتوحيده وهذا يستشعره الذاكر عندما يقول على سبيل المثال- سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهكذا.



    ولا شك أن من وحد ربه وعظمه فإنه يستشعر فقره إليه، وذله بين يديه فيتوجه له مستعيناً به ومن جهة أخرى فإن الذكر يكون في سائر الأحوال وبالتالي فإنه عند بدء كل عمل، أو تحول حال يذكر الله فيتذكر حاجته للاستعانة به، فمثلاً عندما يخرج من بيته هناك ذكر مأثور فإذا قاله تذكر استعانته بربه في حفظه وفي طلب رزقه، وإذا ركب سيارته - أو دابته - ذكر الله فتذكره ، وشعر بحاجته إلى استعانته به ، وكذا إذا لبس ثوبه أو خلعه ، وإذا نام أو استيقظ وهكذا .



    ولنأخذ مثلاً واضحاً في البسملة الذي يستحب ذكرها عند بدء كل عمل لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( كل عمل لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع ) ولورود البسملة في كثير من الأذكار عند الشروع في الأعمال ، فعند الطعام بسملة ، وعند دخول البيت بسملة أو الخروج منه بسملة أيضاً وهكذا .



    وهنا يأتي المعنيان :

    الأول : إذا قال\"بسم الله \" تذكر خالقه ومولاه ، وأنه عبده الذليل الذي يلهج بذكره ، ويهتف باسمه ، ويعترف بفضله كما هي عادة عبيد الدنيا ، لا يفتأ الواحد منهم يذكر في كل أمر سيده ، ويخاطب الناس باسم سيده ، ولله المثل الأعلى ، أنت في عبوديتك أحق بذلك وأجدر .



    الثاني : معنى \"بسم الله \" يتضمن الاستعانة ، وفيه استحضار قوة الله وعونه وطلبها ، فعند الطعام كأنه يقول باسم الله آكل، وعند الخروج كأنه يقول : \" باسم الله أخرج\" أو باسم الله ابتدئ أو أفتتح خروجي وفي هذا استعانة ، والحق أن ذكر الله وما يورثه في النفس له أعظم الأثر في عون العبد على تحمل المصائب واحتمال البلاء ؛ فإن عند المصيبة يقول : { إنا لله وإنا إليه راجعون } فتسكن نفسه ويطمئن قلبه ، وتقوى عزيمته ، وتعلو همته ، ولا شك \" أن ذكر الله يسهل الصعب وييسر العسير، ويخفف المشاق ، فما ذكر الله - عز وجل - على صعب إلا هان ، ولا على عسير إلا تيسر ، ولا مشقة إلا خفت ، ولا شدة إلا زالت ، ولا كربة إلا انفرجت ، فذكر الله هو الفرج بعد الشدة ، واليسر بعد العسر ، والفرج بعد الهم والغم \" وهو يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق بعلة بدونه \" [ الوابل الصيب ص 164 ] .



    ولما سألت فاطمة بنت محمد- صلى الله عليه وسلم - أباها رسول الله الخادم ، واشتكت له ما تعانيه من أعمال المنـزل ، فقال لها ولزوجها علي – رضي الله عنهما - : ( ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم، إذا آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً ثلاثين ، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين فإنه خير لكما خادم ) [ متفق عليه ] .



    1- الذكر طمأنينة وسكينة

    يقول الله تعالى : { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } فهذا إخبار من الله عن المؤمنين بأنهم تطمئن قلوبهم بذكره \" أي يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أحلى، من محبة خالقها والأنس به ومعرفته \" [ تفسير السعدي 4/108 ] فالطمأنينة هي : \" سكون القلب إلى الشيء وعدم اضطرابه وقلقه \" [ تهذيب المدارج ص 503 ] ، وسكون الذاكر إلى ربه دائم في كل الأحوال من السراء والضراء والشدة والرخاء .



    وإذا كان المراد بالذكر هنا \" القرآن الكريم\"- وهو الأصح- فإن القرآن هو الذي تكون به \" طمأنينة قلوب المؤمنين ؛ فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين ، لا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن ؛ فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه ، واضطرابه وقلقه من شكره \" [ تهذيب المدارج ص:503 ] ، فمن تعلّق بالقرآن وجد فيه قناعة العقل ، وسكينة النفس ، وسكون القلب بالأمن والإيمان .



    2- الذكر بركة ونعمة

    الذكر لله يجعل في أفعال الذاكرين وما يتعاملون معه بركة ، إذ الذكر استحضار وتذكر للمنعم بالنعم ، الواهب للرزق، والذكر متضمن لشكر المنعم وحمده ، ومن أقر بالنعمة وشكرها حفظها الله عليه ، بل وزادها كما قال جل وعلا : { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } ، تأمل معي هذا الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله يحب العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ، ويشرب الشربة فيحمده عليها ) ، إن هذا مع كل طعام يأكله أو شراب يشربه يذكر مَن رَزقه وأطعمه وسقاه فليهج له بالحمد والشكر ، مستحضراً عظمة المنعم ، مقدراً قيمة النعمة التي قد يستهين بها الناس ، فهذا لماء نعمة لو حرمها الإنسان لانطوت صفحة حياته ، وودع دنياه ، إن كأس الماء لمن اشتد به العطش يساوي الدنيا كلها ، فما بالنا لا نحمد الله ولا نشكره ، ألا نتذكر تذكيره وتنبيهه : { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين } ، ألا نحذر من تحذيره : { أفريتم الماء الذي تشربون * ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء لجعلناه أجاجاً فلولا تشكرون } .



    والبركة حاصلة بالذكر بمنع ما يمحقها ، والسلامة من تسلط إبليس ، ومشاركته للمرء في طعامه وشرابه ، ففي الحديث أن الشيطان يشاركه ويقاسمه ، وليس هناك ذكر يصرفه ، ولا تحصين يمنعه ، ولا دعاء يردعه .



    ومعاشرة الرجل أهله موطن يجهل كثير من الناس أن له ذكراً مأثوراً ، والعالمون بذلك يغفلون عنه ، وينسون مع غلبة الشهوة ، مع أن الذكر مهم وله أثره في الحفظ والسلامة ، لما يقدره الله من المواليد وهذا حدث بقول : ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد ولم يضره شيطان أبداً ) [ متفق عليه ] ، ومما قيل في معنى هذا الحفظ المذكور في الحديث أن المعنى لم يسلط عليه من اجل بركة التسمية ، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الفتح 9/229 ] .



    فكم في الذكر من فائدة وأثر في الحفظ من السوء والسلامة من المكروه ، وذلك من مرغبات الحرص والمواظبة على الذكر .
    -----------------
    المصدر موقع اسلاميات

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام روح الأرواح

    تعليقات الزوار ()