أيها الكبير المتعال!
لقد فتحنا أعيننا على المشاهد والمعارض الساحرة التي نثرتها على طريقنا ودعوتنا لمشاهدتها... مشاهدة آثار صنعتك الخارقة والرائعة والأبدية التي هي بعض التجليات الخفية لجمالك. وذلك ضمن كرنفال من الألوان وصور ولوحات في الطبيعة تذهل العقول وتأخذ بالألباب بجمالها وتناسقها.. ثم مشاهدة التناسق والتناسب الموجود بين الأشياء وبين الحوادث.
في فرصة رؤيتك من خلال كتابك الكريم نحس وكأننا نملك أجنحة ونطير إليك بأرواحنا، وفي ضوء أسمائك الحسنى التي نطل من منافذها ونرى النظام والتناسق في الكون ونسمع النغمات الحلوة المتناسقة التي تشكل "كورساً" و"سمفونيات" تصدح في أرجاء الكون... عند ذلك تثمل أرواحنا وتغيب عن الوجود في ظلال أسرار العالم العلوي الذي هو منبع كل صور الجمال.
من خلال المنافذ التي انفتحت في قلوبنا، وأمام عيون إيماننا بدأنا نطل على العالم البعيد... عالم فيما وراء هذا العالم. وتجرأنا لمشاهدة شجرة طوبى في الجنة لأن بذرتها موجودة في قلوبنا... وطمحنا في السفر إلى ما وراء الأفق... بل إلى ما وراء الوراء... سفر طويل مرهق ولكنه لذيذ... في سفرنا ورحيلنا هذا جعلنا بيان كتابك دليلاً ومرشداً لروحنا، وأسماءَك الحسنى وصفاتك هادية لنا.
شرحت لنا في كتابك الكريم العالم الآخر حتى أدق تفاصيله ورسمت لنا لوحات رائعة عنه، وعندما أنعمت على عبد محظوظ من عبادك بنعمة المعراج، انفتحت أبواب أسرار هذا العالم على مصاريعها. وأصبح بإمكان قلوب العارفين الارتفاع إلى ذلك العالم في سياحة مباركة... فإن لمست أصابعنا مطرقة أبواب الأسرار، وتجرأنا على ذلك على الرغم من عدم نضوج روحنا فنحن نطلب العفو والصفح.
يا خالقنا العظيم! الجميل فوق كل جمال... أنت الذي أوصلتنا إلى شاطئ الوجود، وأذقت قلوبنا اللذة اللانهائية للوجود... أنت من بسط الكون الواسع الرحب أمام أنظارنا مثل كتاب... وأنت من هز قلوبنا بأسرار الوجود... أنت من جعلت قلوبنا شاطئاً تضربه أمواج الأسرار اللاهوتية... لو لم توجدنا لكنا عدماً... لو لم تجعل هذا الكون صحيفة مفتوحة، ولو لم ترسل لنا الأدلاء والمرشدين العظام ليُعَرِّفُونَا بك ويصفوك لنا لما عرفناك، ولقضينا حياتنا جهلة وميتي القلب... لو لم تهبنا نعمة تعريفنا بك، كيف كنا نستطيع أن نصل إلى إدراك الذات الإلهية أو الوصول إلى سر العلاقات بين العالم الخارجي وبين قلوبنا؟ وكيف كنا ندرك العلم الحقيقي والمعرفة الحقيقية لو لم تنقش العلم الأولي في قلوب فطرتنا؟ كيف كنا نعرفك، وكيف كنا نصل إلى التوله بك والشوق إليك؟
نحن العبيد أمام عتبة بابك... الومضات الموجودة في قلوبنا من ضياء نور وجودك... بكل ما نملكه من نعمة منك وعطية منك نعلن هذا مرة أخرى، ونعترف بأننا عبيد فضلك وكرمك ونجدد عهدنا معك.
لقد أردنا يا سلطان القلوب الذي لا تطمئن القلوب إلاّ بذكره أن ننقل إلى القلوب الميتة -الشبيهة بقلوبنا- حقائق ما علمتنا وما أوصلت إلى أرواحنا من أمور... دخلنا إلى معترك الحوادث، ورجعنا إلى أنفسنا لنرسم إطاراً عاماً لسير الخطى، ومن النوافذ المطلة على وجودك حاولنا البحث عن الطرق الموصلة إليك. وعندما حاولنا أن نوصل سعادة ذلك اليوم -الذي سنراك فيه دون حجاب ولا ستر- إلى القلوب الفجة التي لم ترتبط كما يجب بالحقائق السامية التي لا يستطيع التعبير عنها سوى أجمل العبارات وأنقاها وأصفاها... كنا نريد إيصال هذه الحقائق إلى القلوب التي تعلقت بالقشور وتهافتت على الجمال الظاهري لهذا العالم فجفت أرواحها. من أجل هذا قمنا بضرب الأمثال الواقعية للحقائق القدسية المجردة. ولكن ربما عجزنا عن تقديم الحقائق بكل صفائها ونقائها وأخطأنا، وربما اختلطت أهواؤنا بمحاولتنا هذه دون أن ندري.
إن كنا قد أخطأنا وتعثرنا، فقد تعثرنا ونحن نسير نحوك ونحاول أن نرشد الآخرين إليك، وإن شاب القصور عملنا، فقد شابه ونحن في الطريق المؤدي إليك. ولكن الخطأ هو الخطأ، والقصور هو القصور على الدوام... نحن الذين على جباههم علامات العبودية لك ننتظر بقلوبنا المكلومة وأرواحنا الخاشعة حكمك، ونرضى به كل الرضا. وعندما نقول هذا نؤمن بأن رحمتك الواسعة واللانهائية قد سبقت غضبك. ولا ندري إن كان الخطأ والقصور يليق بنا نحن عبيدك، ولكننا نعلم علم اليقين بأن العفو والمغفرة تليق بك.
أجل! "السلطنة تليق بالسلطان، والتسول يليق بالمتسول".
فإن سامحتنا فإننا سنحتفظ بحقائق السياحة للعالم الآخر في صدورنا، ونرجع لنتفحص ولنتأمل صفحات كتاب الكون الذي أنت صاحبه، ونستمع وننصت إلى المرشدين والأدلاء إليك ونستمع إلى ترانيم هذا الكون الذي يسبح لك. فاشرح صدور من يريد الإقبال عليك يا رب السموات والأرض.
من موقع كولن