الشرق مشهور بالحكمة والغرب مشهور بالعلم وكلاهما في عّدٍ تنازلي فلا الشرق بقي فيه الحكمة والحكماء وبيوت الحكمة وان كانت لاتزال ترفع هنا وهناك بيوت وتطلق عليها (دار الحكمة) و(وبيت الحكمة)، والتراث الشرقي زاخر بالحكم والحكماء، أما الغرب فالعلم فيه لم يعد كما هو من قبل، ويكاد أن ينتقل الى الشرق.
ونحن اليوم بأمس الحاجة الى ثنائية الشرق والغرب (الحكمة والعلم)، وهذه الحاجة دفعتني لأن أختار حكمة لهذا العدد من أحد الحكماء المعروفين، وأقدمها هدية لقرّاء زاوية متفائل جداً بمناسبة الإحتفال السنوي بالكورس الإلهي الذي تخرجنا منه، وأسأله أن يمنحنا كلنا درجة امتياز شرف.
وقد اخترت هذه الحكمة من كتاب مختصر منهاج القاصدين، وكلي أمل أن ننتفع بها.
(روي عن شقيق البلخي رحمه الله أنه قال لحاتم قد صحبتني مدة ، فماذا تعلمت ؟ قال : تعلمت منك ثماني مسائل:
أما الأولى:
فإني نظرت إلى الخلق فإذا كل شخص له محبوب فإذا وصل إلى القبر فارقه محبوبه، فجعلت محبوبي حسناتي لتكون في القبر معي.
وأما الثانية:
فإني نظرت إلى قول الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) (النازعـات:40) ) فأجهدتها في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة.
وأما الثالثة:
فإني رأيت كل من معه شيء له قيمة عنده يحفظه، ثم نظرت في قول الله سبحانه وتعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:96) فكلما وقع معي شيء له قيمة ، وجهته إليه ليبقى لى عنده.
وأما الرابعة:
فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف وليست بشيء (... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) فعملت في التقوى لأكون عنده كريما .
وأما الخامسة:
فإني رأيت الناس يتحاسدون، فنظرت في قوله تعالى: (...نَحنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...) (الزخرف:32) فتركت الحسد لأنه اعتراض على قسمة الله.
وأما السادسة:
رأيتهم يتعادون، فنظرت في قوله تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ...) (فاطر:6) فتركت عداوتهم واتخذت الشيطان وحده عدوا.
وأما السابعة:
رأيتهم يذلون أنفسهم في طلب الرزق، فنظرت في قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ...)(هود:6) فاشتغلت بما له علي وتركت مالي عنده ثقة بوعده.
وأما الثامنة: رأيتهم متوكلين على تجارتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم، فتوكلت على الله رب العالمين).
وقد قال النبي  (تهادوا تحابوا) ثم فصل في أنواع الهدايا فقال  (وخير هدية كلمة حق يزيدك بها هدى أو يردُّك عن الرَّدى).