أول الغيث قطرة، وأول التوريث بوستر.
أنت تعلم أن الذين علقوا لجمال مبارك فى شوارع مصر بوسترات كتبوا له عليها «جمال.. مصر» يحلمون كل ليلة باليوم الذى يكتبون له بدم الحمام لافتات مبايعة تقول بالبنط الحيانى «مصر جمال.. من أجل فترة رئاسية سادسة»، هكذا فعل أسلافهم مع أبيه من قبل، وهكذا هو الحال فى بلادنا المنكوبة بحكامها وشعبها: قبل أن يصل الحالم بالسلطة إليها يعلن أنه وهب نفسه لمصر، وبعد أن يترستق على سُدّة الحكم يَسُدّ كل المنافذ المؤدية إليه ثم يعلن أنه باق فيه طالما لم يجد أحداً يَسِدّ مكانه، وبعدها تصبح مصر موهوبة له، بعد أن كان موهوباً لها.
كما تعلم فإن شيخ الطريقة الصفرية فضيلة الدكتور على الدين هلال الذى ثَقّف جمال مبارك سياسياً فأحسن تثقيفه، حذرنا مؤخراً من «تلقيح الجتت» لكى لا يقال على دولتنا أنها «هزؤ»، لذلك حاشا لله أن نخالف تعاليمه فنمارس تلقيح البوسترات على السيد جمال الذى جاء فى الصحف أن مصادر مقربة منه نفت علاقته بالبوسترات، لا تقاطعنى أرجوك لتسألنى: إذا كان جمال مبارك مازال يحبو فى بلاط السياسة، وباتت هناك مصادر مقربة تنفى له ومصادر عليمة تتحدث بالنيابة عنه، فكيف ستكون الحال لو قرر أن يعلن فعلاً خوضه انتخابات الرئاسة، هل سيحتجب فى مغارة سلطانية ببطن جبل المقطم ويرسل إلينا بياناته الانتخابية بالحمام الزاجل؟.
يا سيدى، المسألة ليست «شكل للبيع»، المهم أن تصدق فورا أنه لا علاقة لجمال مبارك بأى من بوسترات تأييده التى ملأت جدران الشوارع على حين غفلة من أمن بلادنا الساهر فى «سايبرات» الوطن، نحن قوم نعلم أن أمن الدولة فى بلادنا لا يمارس أدنى رقابة على مطابعنا الحرة المستقلة، بإمكانك أن تتوقف عن قراءة هذا العمود، وتنزل حالا بالا إلى أقرب مطبعة بوسترات لتتأكد من كلامى بنفسك، فتطلب مثلاً من صاحبها الحر المستقل عمل «بوستر حر مستقل» بالألوان الحرة المستقلة يقول مثلا «وديتوا فلوس البلد فين؟» أو بلاش خليها أحسن «بعتوها بكام ولمين؟»
وليس شرطاً هنا أن تحدد اسم البلد منعا لإحراج صاحب المطبعة، ولاّ أقولّك، اختر شعاراً عمومياً لدرجة الغموض المُلغز يقول مثلا «أظن كفاية بقى لحد كده» وصدقنى لن تجد فى كل الأحوال أحداً يقول لك «تلت التلات بوسترات كام؟»، لن تُشاك بشوكة فى المطبعة ولا على الجدران المحيطة بها إذا أراد الله أن تصل إليها، انزل وجرب بنفسك، لكن أرجوك عندما نلتقى يوما ما خارج العنابر ونحن ذاهبون إلى أخذ التعيين، لا تحاول الإنقضاض علىّ وتتهمنى بأننى خربت بيتك بدعاباتى السمجة، الغلطة غلطتك لأنك عملت عقلك بعقلى.
يا سيدى، حتى لو لم تكن من أتباع مولانا «أبوالأصفار»، تذكر أننا مأمورون شرعاً بألا نشق عن قلوب الناس، ولذلك عندما يقال لنا من مصادر مقربة أن جمال مبارك لا علاقة له ببوسترات تأييده، يجب أن تصدق فوراً ولا تضطرنى لأن أسألك «هلا شققت عن قلبه؟» فيسمعنى أحد ويفهم خطئا وتجيب لنا مصيبة، ياسيدى حتى لو قال الذين علقوا هذه البوسترات أن جمال مبارك راض عما علقت أياديهم، فهل نصدقهم ونكذب رجلاً لم يقل «بعضمة لسانه» إنه يريد أن يكون رئيساً علينا؟، بل غاية الأمر أنه يريد أن يخرجنا من الوحلة التى صرنا فيها بسبب سياسات ربع القرن الماضى.
أعلم أن الشيطان يلعب فى دماغك الآن بمفك، ويوسوس لك بالعربية الفصحى لكى يكسب وسوسته جرساً موسيقياً يدفعك لتصديقها « تقصد أننا يجب أن نصدقه مثلما صدقنا والده فخامة الرئيس عندما قال لنا مثلا فى بدايات حكمه أنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة؟»، استعذ بالله من الشيطان الرجيم ولو كان فصيحاً، وتذكر أننا نحن الذين ضغطنا على الرئيس لكى نظل «معاه إلى ماشاء الله»،
فكانت النتيجة «حتى آخر نفس»، ولكى لا تسلم نفسك لأحابيل الشيطان، عليك أن تتذكر هنا فيما يخص وساوس التوريث أن الرئيس مبارك قالها جلية خفاقة واضحة لا لبس فيها «مصر ليست سوريا». لا تقل لى إن الشيطان قرر أن يغير خطته الرجيمة هذه المرة، وأخذ يلعب فى دماغك بالعامية قائلاً «أيوة سيادته قال إن مصر مش سوريا.. بس ما قالش إنها مش ممكن تبقى كوريا.. أقصد كوريا الشمالية؟». لأ بقى، شوف لك حل فى شيطانك اللى لا يطاق ده، أعوذ بالله من شيطانك الرجيم يا أخى، آدينى سايب لك العمود باللى فيه، ومن غير سلامو عليكو.