(يوم التروية) يوم التروية : هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة(1) ، وهو اليوم الذي يزدحم فيه الحُجّاج في بلدة مكة المكرمة ، فالقوافل تدخل مكّة من جميع أبوابها . وطائفة من الحجاج يخرجون في هذا اليوم إلى منى ويبيتون فيها ليلة واحدة ، فإذا أصبح الصباح من يوم عرفة ـ وهو اليوم التاسع ـ يخرجون إلى أرض عرفات . وبعضهم يبقى في مكة حتى يوم عرفة ، ثم يخرج إلى عرفات ، إستعداداً لأداء مناسك الحجّ . في هذا اليوم الذي كانت مكة تموج بالحجّاج ، خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكّة ، بجميع من معه من الأهل والأولاد والأصحاب . إذن ، فمِن الطبيعي أن تكون مغادرة الإمام الحسين من مكة ـ في هذا اليوم ـ تجلب إنتباه الحجّاج ، وتدعو للتساؤل ، وخاصّةً بعد أن علموا بأنّ الإمام مكث في مكّة .. طيلة أربعة أشهر ، فما الذي دعاه أن يُغادر مكّة في هذا اليوم الذي يقصد الحجاج مكة لأداء المناسك الحج ؟! وما المانع من أن يبقى الإمام أياماً قلائل لإتمام حجّة ، ثم مغادرة مكة ؟ والإمام الحسين (عليه السلام) أولى من غيره بأداء الحج ورعاية هذه الأمور ! فلا عجب إذا تقدّم إليه بعض الناس يعترضون عليه ويسألونه عن سبب خروجه من مكة في هذا اليوم ، فكان الإمام يُجيب كلّ واحد منهم بما يُناسب مستواه الفكري والعقلي . إنّ هناك دواع ودوافع وأسباباً كثيرة اجتمعت ، وفرضت على الإمام أن يخرج من مكة في ذلك اليوم ، ونسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذكر بعضها في كتاب (الإمام الحسين من المهد الى اللحد) إن شاء الله تعالى . ومِن جملة الذين تقدّموا إلى الإمام وسألوه عن سبب خروجه هو عبد الله بن جعفر زوج السيدة زينب الكبرى . فإنّه حاول ـ حسب تفكيره ـ أن يَردّ الإمام عن مغادرة مكّة نحو العراق ، ولكن الإمام قال له : «إنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام ، وأمرني بما أنا ماضٍ له» . فقال له : فما تلك الرؤيا ؟ قال : «ما حدّثت أحداً بها ، ولا أنا مُحدّثٌ بها حتى ألقى ربّي»(2). فلمّا يئس منه عبد الله بن جعفر أمر إبنَيه عوناً ومحمّداً بمرافقة الإمام ، والمسير معه ، والجهاد دونه .(3) وفي كتاب «المنتخب» للطُريحي أن محمد بن الحنفية لمّا بلغه الخبر أن أخاه الإمام الحسين خارج من مكة إلى العراق ، جاءه وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها ، وقال له : يا أخي ! ألم تَعِدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى . قال : فما حمَلَك على الخروج عاجلاً ؟ فقال : قد أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما فارقتُك وقال : «يا حسين أُخرج إلى العراق فإنّ الله شاء أن يراك قتيلاً مُخضّباً بدمائك» . فقال محمد : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فإذا علمتَ أنّك مقتول فما معنى حَملك هؤلاء النساء معَك ؟ فقال : لقد قال لي جدّي : «إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا ، وهنّ أيضاً لا يُفارقنَني ما دُمت حيّا(4)». ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) التروية : روّى تَرويةً : تزوّد بالماء . وقد جاء في الحديث أنّه سُئل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن سبب تسمية اليوم الثامن بيوم التروية ؟ فقال : «لأنّه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكّة من الماء لِرَيّهم ، وكان يقول بعضهم لبعض : تروّيتم .. تروّيتم ؟؟ فسُمّي يوم التروية لذلك» . رواه الشيخ الصدوق في كتاب «علل الشرائع» ج 2 ص 141 ، باب 171 . (2) كتاب الإرشاد للشيخ المفيد ، ص 219 فصل «خروج الإمام الحسين مِن مكة» ، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 44 ص 366 ، باب 37 . (3) نفس المصدر . (4) المنتخب للطريحي المتوفّى عام 1085 هـ ، ج 2 ص 424 المجلس التاسع ، وروي هذا الخبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج 44 ص 364 باب 37 . المصد : كتاب / زينب الكبرى من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني