قد يتسائل البعض عندما يقرأ عن الشكاوى التي تصدر من أزواج الأخوات الداعيات فيما يرونه من إهمال أسري من قِبل الداعية فيما أنه كيف تخرج المرأة للدعوة إلى الله وبيتها الأحوج لذلك وكيف تقابل النساء بالنصح ولا ترى نفسها أنها بحاجة إلى النصح قبل غيرها ....
إلى آخر هذه الأقوال والتساؤلات
وحتى نجد جواباً لهذه التساؤلات أقول:
أن " الدعوة " بحد ذاتها ليست المسؤولة عن ما تقع فيه " بعض " الداعيات من أخطاء أسرية قد تصل فيه إلى حد صعب وشائك .... وقد يُهدم بيت أسري صالح من جراء هذه الأخطاء والتي لا تكن في حسبان البعض ....
ولكن المسؤولية هي مسؤولية الداعية ذاتها فكم من داعية ناجحة لم يقف طريق الدعوة أمام مسيرة حياتها وعلى النقيض من ذلك بعض الداعيات واللاتي قد يؤثر عملهن الدعوي بشكل واضح على حياتهن الأسرية ولو بعد حين ...
إذن طريق الدعوة براء من هذا وذاك وهذه أول ثمرات الموضوع وقد اتضحت .... وهذه النقطة الرئيسية والجوهرية التي لا يمكن لإثنان الاختلاف عليها ....
نأتي للنقاط الجزئية الباقية :
فإن فشل بعض الداعيات أسرياً في رأيي يمكن حصره في هذه النقاط نقف عندها ونتأمل ثم نستخرج الحلول ونستطيع من خلالها الوصول لمكمن الداء :
أولاً : الفهم الخاطئ للدعوة إلى الله :
فبعض الداعيات وكذلك الدعاه يظن بأن الدعوة إلى الله يجب أن تأخذ كل وقته وكل جهده وكأن لا حق لنفسه عليه فالداعية تخرج من بيتها صباحاً للدعوة إلى الله بمحاضرة أو عمل دعوي أياً كان وربما تكون أماً لأطفال رضّع أو ما فوق ذلك بقليل فتضطر أن تترك رعايتهم للخادمة فتعود إلى بيتها ظهراً وقد استهلكت قواها وأصبحت متعبه نفسياً وجسدياً وغير قادرة على بذل أي مجهود آخر غير أن تضع رأسها لتنام قليلاً ناسية أن لها أطفالاً بحاجة إلى رعاية واهتمام وتفقّد، فلا يصبح هناك فرق بينها وبين المرأة العاملة التي ينطبق على أبنائها قول الشاعر :
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همّ الحياة وخلّفاه ذليـــــــلاً
فأصاب بالدنيا الحكيمة منهمــا *** وبحسن تربية الزمان بديلاً
إن اليتيــم هـــو الذي تلقى لــه *** أماً تخلّت أو أباً مشغــــــولاً
هكذا يصبح حال الأبناء وأنا على يقين تام بأن أخواتي الداعيات اللاتي يشتكون أزواجهن من إهمالهن التربوي لأبنائهن ، أنهن لا يشعرن بحجم هذا الإشكال أو أنهن في هذا الإنهماك الدعوي لم يشعرن بأن المنزل بحاجة ماسة لتواجدهن خصوصاً مع توفر الخدم الذين ينوبون عن الأم حتى عودتها ....
هذا بالنسبة للأبناء أما الأزواج فلهم أيضاً نصيب ....
فالأخت الداعية وأقول " البعض " فإن حديثنا في هذا الموضوع عن " البعض " وليس الكل .... تخرج من بيتها وتعود إليه في اقصى حالات التعب بينما الوضع الصحيح الطبيعي هو أن الزوج عندما يعود للبيت متعباً منهكاً يجد من يستقبله ببشاشة وصورة حسنة ولا يمكن أن نرجو ذلك في إمرأة تعود لمنزلها والتعب يعلوا جبينها وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال فكيف تسعى لراحة زوجها وهي من يفتقد هذه الراحة في ظل خروجها من منزلها ..!
في حين أنها تستطيع توفير الراحة لكافة أفراد أسرتها لو أنها وجدت الراحة الجسدية واستقرت في منزلها .
ثانياً : عدم تنظيم الوقت :
ومشكلة الوقت هذه تحتاج إلى تنظيم وعمل وتطبيق .... لأن عدم تنظيم الوقت وتقسيمه قد يحدث فوضى عارمة لا في المنزل فقط بل في كل مجالات الحياة
فالإنسان العامل سواء في مجال الدعوة أو أي مجال غيره بحاجة ماسة لتنظيم وقته وعدم خلط هذا بذاك فكل عمل يجب إعطائه حقه فلا يطغى شيء على شيء آخر ...
وهذا بالنسبة للداعيات أيضاً فمن تخرج من منزلها للدعوة إلى الله تعالى يجب أن تضع جدولاً مقسماً وواضحاً تمشي عليه حتى لا تحدث الفوضى في حياتها الأسرية وحتى توفق بين عملها كداعية إلى الله وبين واجبها كزوجة وأم ....
إذن هل هناك مقترحات حول الوقت وتقسيمه؟
نقول نعم وإليك أختي الداعية بعض هذه المقترحات :
أولاً : عدم الخروج بتاتاً من المنزل قبل خروج الأبناء للمدارس إن كانوا طلاب مدارس.
ثانياً : الحرص على الرجوع للمنزل قبل الساعة السابعة مساءً. " إذا كان العمل في الفترة المسائية"
ثالثاًً : عدم الاتكال على الخادمة في العناية بالأطفال الصغار عند الغياب ويمكن استبدال الخادمة بأم الزوجة أو أم الزوج أو الأخوات إن أمكن ذلك.
رابعاً : لا تكن الأعمال الدعوية يومية بحيث تضطر الأخت الداعية للخروج من منزلها صباحاً أو مساءً بشكل يومي بل تختار أوقاتاً متفرقة تعطيها فرصة متابعة الأبناء بالشكل الصحيح وقضاء متطلبات الزوج.
خامساً : أن لا يستهلك العمل الدعوي كل وقتها وتفكيرها.
ثالث نقطة حول موضوعنا : عدم إيجاد البيئة المناسبة للدعوة :
فمثلاً قد تحتاج المرأة الداعية إلى وقت طويل جداً للوصول لمكان العمل الدعوي الذي تشارك به إذا كان المكان في مدينة أخرى أو حي يبعد عن بيتها بمسافة الساعة أو أكثر فتضطر للتأخر عن بيتها بعكس لو أن العمل كان قريباً من مسكنها بحيث لا تستغرق المسافة العشر دقائق .
فماذا يضير لو أن كل داعية اقتصرت على حيها ومدينتها للدعوة فيه دون التوجه إلى مدن أخرى قد تعرقل وتهز وظيفتها كأم وزوجة ؟
إذن على الأخت الداعية التركيز على هذه النقطة وهي أيجاد بيئة مناسبة للدعوة إلى الله تتوفر فيها " قرب المسافة " بحيث تستغل الوقت فبدلاً من استغراق الساعتين في الذهاب والإياب تقتصرها في عشرون دقيقة ذهاباً وإياباً .
وأكرر بل أشدد على ذلك " إن لم تستطع المرأة الداعية التخلص من هذه المشكلة بأي طريقة مما ذكرنا أو مما لم نذكر ولم تستطع التغلب عليها أو التوفيق بين عملها " التطوعي " الدعوي وبين " واجبها " الأسري بحيث طغى ( المهم ) على ( الأهم ) فندعوها من هنا بأن تترك الدعوة إلى الله خارج منزلها وتتفرغ لمنزلها وأبنائها وزوجها لأن هذا هو الواجب وغيره إنما هي أعمال تطوعية تأجر عليه فقط وليست بواجبه عليها.
هذا بالنسبة للنوع الأول وهو " الدعوة خارج المنزل "
نأتي للنوع الثاني وهو " الدعوة داخل المنزل "
وهذا النوع هو عبارة عن [ بديل دعوي ] للمرأة المحبة للدعوة وكما قلنا فإن هناك نساء حباهن الله تعالى حب هذا الدين والدعوة إليه بحيث أنها لا تجد ذاتها إلا فيه وتعلقها بهذا الطريق يرغمها على المضي فيه رغبة منها ومشاركة لنيل الأجر من عنده سبحانه وتعالى فيأتي هذا البديل كي لا تضطر للخروج من منزلها مخلفة أبنائها فيه ومقصرة في حقوق زوجها فنعطيها هذه البدائل:
1) دعوة الزوج :
وتذكيره بين الحين والآخر والدعاء له بالصلاح والثبات على دينه والإحسان إليه في المعشر والتأدب معه وحفظه غائباً وحاضراً والحرص " كل الحرص " على المحافظة على حقوقه الزوجية كاملة. ( فإنها أعظم دعوة )
2) دعوة الأبناء :
وحسن تربيتهم التربية الصالحة وحثهم على الصلاة وحفظ القرآن منذ نعومة أظفارهم والاهتمام بكل متطلباتهم والسؤال عنهم وعن من يصاحبون . ( فهذا أجمل عمل فطري أمرنا الله به ) .
3) دعوة الخادمة :
وحسن معاملتها فإن حسن المعاملة وطيب الخلق مع الخدم " والمستضعفين " أقصر طريق لدعوتهم إلى الإسلام اذا كانوا غير مسلمين فإن كانت الخادمة مسلمة فالحرص على نصحها وتبصيرها من واجبات من استقدمها ، كذلك شراء الكتب المترجمة لها ( من تعليم للصلاة وقراءة للقرآن ... الخ ) وعدم ارهاقها بالأعمال المنزلية أو بما لا تستطع أن تقوم به بمفردها فلا بأس بمساعدتها في ذلك ، ولا تنسى الأخت الداعية حث الخادمة على الصلاة في وقتها وعدم تأخيرها.
4) الدعوة عبر الشبكة العنكبوتية :
فالإنترنت بحر لا نهاية له وعلى الداعية أن تجد مكاناً لها فإن صوتها يصل إلى ملايين البشر ولا يقتصر بمدينة بعينها أو بلد بعينه بل المخاطبة والدعوة هنا تصل إلى العالم بأسره ( مسلمين وغير مسلمين ... عرب وعجم ... مقيمين أو مغتربين ) .
فيمكن للأخت الداعية هنا أن تستغل هذه الوسيلة لصالح الدعوة إلى الله فتنشأ لبنة خير وترسم لها طريقاً خاصاً بها وتكن شخصاً يعمل له دوره في هذه الحياة بما يخدم به دينه ويرضي به ربه.
5) دعوة الجارات والأقارب :
كتوزيع النشرات والمطبوعات والأشرطة بين النساء في التجمعات وإلقاء كلمة هي بمثابة البصمة لها في كل مجلس " بصمة خير تحفها الملائكة ".
أخيراً فإن المرأة الداعية هي القدوة في تربيتها وسلوكها فلا تجعل من بعض الأمور الصغيرة تؤثر على مسيرة حياتها الأسرية أو تعرقل من دورها الدعوي ولتبذل جهدها أولاً وأخيراً على مملكتها حيث أبنائها وزوجها فهم الأحق بها والأولى.
أختكم رحيل
شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي
|