|
د. أحمد زويل |
القاهرة - رفض علماء الشريعة والفقهاء مطالبة الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، بمنع الإفتاء في القضايا العلمية، واعتبروها دعوة جديدة لإقصاء الدين عن مجالات الحياة.
وكان د.أحمد زويل قد أكد خلال مشاركته في مؤتمر "الطب والبشر في القرن الحادي والعشرين" بمدينة شرم الشيخ المصرية السبت 7 فبراير الحالي: "إن تدخل الفقهاء في القضايا العلمية من الممكن أن يعرقل تقدم العلم.. يجب أن تبعد الفتوى عن القضايا العلمية".
من جانبه رفض الدكتور وهبة الزحيلي نائب رئيس مجمع فقهاء الشريعة الإسلامية بأمريكا دعوة زويل ويعتبرها قطعا لحاكمية الشريعة على مجال العلم.http://www.manqol.com/User/Topics/Edit.aspx?state=add
وأوضح: "إن الإفتاء في هذه الشريعة الإسلامية يتناول مختلف القضايا الدينية والدنيوية، ومنها مختلف العلوم الحالية؛ لأن الفتوى في الإسلام تتعلق بأصول ومبادئ هذه الشريعة، والحفاظ على هيمنتها على كل شئون الحياة.
وأضاف أن القول بفصل الفتوى عن العلم معناه بتر وقطع حاكمية الشريعة على قضايا الحياة ومن المعلوم أن شريعتنا هي شريعة الدين والدنيا والمنهج والحياة وكل قضايا الكون، والخطر واضح إذا فصلنا الفتوى عن الأمور العلمية؛ لأن معنى ذلك أن نجعل العلم يتجه اتجاها عقلانيا محضا.
واستدرك: "لابد في المعارف والعلوم أن تتقيد بهدي الله وأصول شرعه ومبادئه العامة؟ ومن المعروف أن القرآن تحدث في الاستدلال على وجود الله بأمور علمية فكيف نقول إن هناك انفصالا بين الدين والعلم، ومنشأ الخطر هو تحجيم الدين وفصله عن قضايا الحياة؟ فهذا يعد انحرافا في الفكر وانحيازا للقضايا العلمية، وقصرا لمبادئ الشريعة على جانب من جوانبها.
وشدد على أنه لا ينبغي التصور أن يكون هناك تصادم بين العلم والدين إذا كان العلم قائما على أسس صحيحة؛ لأن شرع الله إنما هو وحي من عند الله تعالى، ويستحيل أن يكون هناك تصادم بين العلوم العلمية والإسلام الذي هو دين العلم والمعرفة، ومع ذلك فإن أي نتيجة علمية ترتبط بضوابط، بحيث لا يكون بها شطط ولا تتصادم مع المبادئ الإسلامية.
واستطرد: "لا يصح أن يقال إن الفتوى تكون مقصورة على الدين دون العلم؛ لأن ذلك يعني أن الدين مقصور على العبادة، وهو يشمل الدين والدنيا، والعلم دائما دوره محدود وبناء على ذلك فإن الإفتاء في العلم ينبغي أن تظل له الصلاحية والحديث عن كل القضايا إذا كان هناك اتزان وانضباط في شئون الحياة، ومنشأ الخطأ في دعوة زويل أنها مطالبة بأن يفهم الدين على أنه مجرد عبادة، وديننا هو شريعة شاملة لكل أمور الحياة".
وحول من يفتي في الأمور العلمية قال الدكتور الزحيلي: "إن كل متمكن من علوم الشريعة والعلوم التطبيقية إذا كان عنده معرفة سليمة بالقضية العلمية، والقواعد الشرعية والملكة التي تمكن صاحبها من إنزال الحكم على الواقع فله أن يفتي، لكن لا يصح أن يقال ينبغي أن تتحرر الفتوى عن العلوم العلمية، فكل من عنده معرفة سليمة له الحق أن يفتي فيه، فالتمكن والتبحر في قضايا الشريعة والمعرفة الصحيحة بالقضايا العلمية، سواء كانت طبية أو زراعية له أن يفتي فهناك مبادئ تحكم كل القضايا وإذا تقيد الإنسان بها له أن يفتي".
إقصاء مرفوض
الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية -وأحد كبار الفقهاء الذين أعدوا بحوثا فقهية في قضايا علمية- يؤكد أنه على عكس مطالبة زويل فإن فقهاء الإسلام مطالبون في كل وقت أن يبينوا للناس الأحكام في كل قضية من القضايا التي تجد في حياة الناس.
وأوضح أن الشريعة الإسلامية إنما جاءت لتنظيم كافة أنواع سلوك الإنسان، ولا شك أن القضايا العلمية تتصل بحياة الإنسان، ولابد أن يكون فيها حكم شرعي، والقول بإبعاد الفتوى عن الأمور العملية سيترتب عليه إبعاد الفقهاء عن الإفتاء في قضايا تعايش الناس والمجتمعات، ولا يتصور ذلك في شريعة جعلها الله خاتمة للشرائع.
ولفت إلى أن هناك قضايا علمية تم طرحها للبحث وإبداء الرأي فيها، وهي قضايا كثيرة تتصل بالأسرة، والطب، والاقتصاد، واستثمار المال، والبورصة، وأسواق المال، وغير ذلك، غاية ما هنالك أن الفقيه الذي يتصدى لبيان الأحكام في هذه القضايا الجديدة لابد أن يكون مؤهلا علميا لهذا.
وأضاف: "هناك كتابات فقهية عديدة تناولت المستجدات على الساحة العلمية، كالأبحاث على الخلايا الجذعية، والاستنساخ في الإنسان والحيوان والنبات، والبصمة الوراثية في إثبات النسب والجرائم، والعلاج الجيني، والتحكم في نوع الجنين، والتبرع بالأعضاء، وغير ذلك مما صدرت الكتابات الفقهية به، وكنت أحد المتابعين لهذه القضايا، وعليه فالادعاء بأن الفقهاء يجب ألا يتكلموا في القضايا العلمية ادعاء مرفوض؛ لأنه يتنافى مع طبيعة الإسلام بكونه صالحا لكل زمان ومكان".
التخصص مطلوب
أما الدكتور حسين حلاوة الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء فيقول: "لا نستطع الفصل بين الفتوى والبحث العلمي؛ لأن الفتوى تكون نتيجة البحث العلمي في أي قضية، وعند الفتوى نرجع للبحوث والأدلة، فالفتوى تنبثق عن علم ولا تقوم على جهل".
ومع ذلك يرى الدكتور حلاوة أن المفتي ليس مطالبا بالفتوى في كل شيء؛ لأنه في مجال الفتوى يوجد تخصص في مجال العلوم الشرعية، وإذا كان هناك تعلل ببعد الفقيه عن التخصص في العلوم العلمية؛ فلذلك لا ينبغي أن يفتي هي ادعاءات غير صحيحة.
وأشار إلى أنه عندما تعرض مسألة لابد من القول فيها بالأدلة، وإن كان الفقيه غير متخصص لابد من سؤال أهل التخصص في المسألة، ثم بعد ذلك تطلق الفتوى بما يوضع أمام المفتي من أدلة وبراهين.
وأكد أن العلم لا يمكن أن يسير هكذا في أبحاثه ونتائجه دون توضيح شرعي، ضاربا مثلا بالنتائج الطبية منها مثل التحدث عن طفل الأنابيب، على اعتبار أن التلقيح الصناعي لا يطلق على علته هكذا، وإلا نتجت عنه ذرية من تلقيح غير شرعي.
آلية الفتوى العلمية
الدكتور سالم الشيخي الأمين العام للجنة الفتوى في بريطانيا يؤكد أن دعوة زويل تشتمل على مجموعة من الأخطاء:
أولها: أن هناك ظنا أن الفتوى ستكون دائما على المنع؛ لذلك تزداد المطالبة بمنع الفقهاء عن الأمور العلمية، كما أن هناك فهما خاطئا للفتوى مع أنها تكون مبنية على رؤية صحيحة؛ حيث لا يتصور أن عالما فقهيا ينظر إلى قضية طبية تتعلق بأبدان الناس وصحتهم ثم يذهب إلى التحريم.
وأكد أن الفتوى الصحيحة هي سياج أمان للبحوث العلمية، وإن وجد بعض الفقهاء قد يستعجلون إصدار فتاوى بالمنع فهذا يعود عليهم، ولا يعود على منهج الإفتاء.
وأشار إلى أنه مع ذلك ينبغي أن تكون المسائل الطبية والسياسية وغيرها بعيدة عن الاستبداد بالرأي، وقال: "إن المجتهد والفقيه لا يحق له أن يستبد برأيه قبل العلم بتفاصيل الموضوع الذي يبدي بفتواه فيه؛ لأن الأمور قد تعقدت، والفقيه لو استعجل ستكون هناك أثار سلبية.
وأضاف أن القضايا العلمية بحاجة إلى آلية إفتاء صحيحة تعتمد على الرؤية العميقة والمعرفة، وهي أكثر ما تكون في المجامع الفقهية، وذلك بدلا من الفصل بين الفتوى والعلم؛ لأن الفقه في العلم مكون أساسي في الفتوى.
واختتم الدكتور سالم كلامه قائلا: "ينبغي أن نطالب بمشروع يقيد أن تكون المسائل الطبية المستحدثة تعود الفتاوى فيها إلى مجالس ومجامع فقهية، ولا يستبد الحال فيها لرأي شخصي أو فردي".
|