أول ما يواجهه العبد من أهوال يوم القيامة يكون عند نزع روحه من جسده، فخروج الروح إيذانًا ببدء الرحلة إلى الدار الآخرة وما فيها من أهوال وفزع.
فالموت ليس له سن معلوم، و لا زمن معلوم، و لا مرض معلوم. و ذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك.
وتذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية، و التوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية، ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق و سعة، و نعمة ومحنة، فإن كان في حال ضيق و محنة؛ فذكر الموت يسهل عليه بعض ما هو فيه، فإنه لا يدوم؛ و الموت أصعب منه، أو في حال نعمة و سعة؛ فذكر الموت يمنعه من الاغترار بها، و السكون إليها، لقطعه عنها.
ولذلك حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تذكر الموت واستحضاره؛ لأن نسيانه وعدم ذكره مما ينسي العبد الآخرة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «أكثروا ذكر هادم اللذات»، يعني الموت. (أخرجه النسائي).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت جالساً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء رجل من الأنصار, فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله, أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقاً» قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكراً؛ وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياس»، رواه ابن ماجه
وروى الترمذي وغيره عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ.
قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة, وقناعة القلب, ونشاط العبادة, ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة, وترك الرضى بالكفاف, والتكاسل في العبادة.
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات :
لا شيء مما ترى يبقى بشاشته
|
يبقى الإله و يودي المال و الولد
|
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه
|
والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
|
ولا سليمان إذ تجري الرياح له
|
والإنس والجن فيما بينها ترد
|
أين الملوك التي كانت لعزتها
|
من كل أوب إليها وافد يفد؟
|
حوض هنالك مورود بلا كذب
|
لا بد من ورده يوماً كما وردوا
|
(التذكرة للقرطبي 6).