الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنَّ الخشوع هو: حضور القلب وسكون الجوارح، بأن يؤدي العبد صلاته، ويتفهم معانيها، ويذوق لذة العبادة، ويشاهد الله ويناجيه في صلاته، وتنزل عليه السكينة، ويستحضر التذلل والخضوع والافتقار للخالق، ويحصل التأثر والتفاعل مع عبادة الصلاة، قال - تعالى -: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "خائفون ساكنون"، وقال قتادة: "الخشوع في القلب هو: الخوف، وغض البصر في الصلاة"، وقال ابن رجب: "أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له".
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من قلب لا يخشع، وكان إذا صلى سمع له أزيز كأزيز المرجل، وكانت صلاته بالليل عجباً من شدة الخشوع والتأله، وقد كان السلف الصالح شديدي الحرص على الخشوع في صلاتهم يعظمون هذا الأمر ويتواصون به، قال مجاهد: "وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمد بصره إلى شيء، أو أن يحدث نفسه بشيء من شأن الدنيا"، وقال مجاهد: "كان الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وحدث أن أبا بكر قال كذلك"، وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع لها أهل السوق فما التفت. وكان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك. فقال ويحكم! أتدرون على من أقوم، ومن أريد أن أناجي؟!.
ويكره للمرء أن يتظاهر بالخشوع وقلبه غافل معرض، قال أبو الدرداء: "استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع"، وكان عمر - رضي الله عنه - إذا رأى أحداً يطأطئ عنقه في الصلاة يضربه بالدرة ويقول له: "ويحك إنما الخشوع في القلب"، وقال الفضيل بن عياض: "كان يُكره أن يُرى الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه"، وهذه الآثار محمولة على التكلف لا التأثر بالخشوع الصادق.
ومن فضائل الخشوع: أنه ييسر الصلاة ويهونها على العبد، ويجعلها أنسه وسلوته ونعيمه في الدنيا، ويجعلها بلسماً على روحه لا يجد في أدائها أدنى مشقة تنقضي بسرعة من حيث لا يشعر، أما الغافل اللاهي فشاقة عليه يجد فيها ثقلاً على نفسه، ويتململ من طولها، ولو كانت قصيرة قال - تعالى -: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ).
ومن أعظم فضائله أن الأجر والثواب يثبت للعبد بحسب خشوعه وتعقله لصلاته، لما روى أحمد: ((إن العبد ليصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها))، وقال ابن عباس: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها".
وكثير منا اليوم يشتكي ذهاب الخشوع وانعدامه في كثير من الأحوال، حتى أصبح الرجل يؤدي الصلاة بمجرد حركات رتيبة جافة من غير روح وأنس ولذة، مع أن ظاهره الصلاح والسلامة، وهذا والله- حال نقص وعلة يتألم منها المؤمن، ويشعر بالأسى والندم، وقد أخبر بذلك حذيفة - رضي الله عنه -: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعا"، والكلام هنا فيمن كان ذلك هو الغالب على حاله، أما إذا كان الغالب حصول الخشوع ولكنه يتخلف ويذهل أحيانا قليلة لأمر عارض وسبب طارئ؛ فهذا أمر سهل لا يكاد يسلم منه أحد.
هناك موانع تمنع حصول الخشوع وتعيقه عن العبد وهي كثيرة ومن أهمها:
1. الغفلة والإعراض عن الذكر.
2. التفريط في أداء الفرائض.
3. المبالغة في الترف والجري وراء الدنيا.
4. التأخر في الحضور إلى الصلاة.
5. قلة العلم والفقه في أحكام العبادة.
6. قلة المعرفة عن الله.
وهناك أسباب ووسائل تجلب الخشوع وتحققه ومنها:
أولاً: تحقيق الإخلاص لله في أداء العبادة، فإذا توجه القلب لله ولدار الآخرة، وتخلص من حظوظ الدنيا، واستحضر الثواب، وتيقَّن ذلك؛ خشع القلب.
ثانياً: تمام المعرفة بأفعال الله وأسمائه وصفاته، فإذا تعرف العبد على الله وقَّره، وخضع قلبه له، وأدرك عظمة الله وجلاله وجماله - سبحانه -.
ثالثاً: التفقه في معاني أذكار الصلاة من قرآن وتكبيرات وتسبيحات، فإذا أدرك العبد معاني الثناء والمدح والدعاء والتعظيم والتنزيه كان لذلك أثراً عظيماً على نفسه، وتحرك قلبه لهذه المعاني الشرعية.
رابعاً: الإقبال على الطاعة، والإكثار من الأذكار، والمحافظة على الأوراد اليوميَّة، فإن العبد إذا واظب على ذلك رقَّ قلبه، وذلت نفسه، وأصبح قلبه محلاً صالحاً ينتفع بسماع الذكر.
خامساً: التذلل بين يدي الله قصداً وموقفاً بانكسار القلب وسكون الجوارح وخفض النظر وقبض اليدين، فإن التذلل علامة الافتقار لرحمة الله وعطائه، وبه تستنزل السكينة؛ لأن كرم الله وجوده أليق بالسائل الذليل، وقد سئل الإمام أحمد عن المراد بوضع اليدين إحداهما على الأخرى حال القيام فقال: "هو ذلّ بين يدي العزيز".
سادساً: تفريغ القلب والبدن من كل ما يشغلهما عن الخشوع من أمور الدنيا كالتجارة وغير ذلك، فإذا أقبل الإنسان على الصلاة وقد فرغ نفسه من جميع الأشغال استقبل العبادة بقلب حاضر وبال واع فحصل له التأثر والخشوع، أما إذا أقبل مشغول القلب أو البدن بشيء من الدنيا كان قلبه محجوزاً عن الخشوع، قال أبو الدرداء: "من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ".
سابعاً: الفراغ من حاجات النفس ورغباتها الخاصة التي تعلقت بها من أكل وشرب ووطر وقضاء حاجة ونحوها، وعدم الإقبال على العبادة إلا إذا فرغ منها؛ لأن الإنسان إذا دخل في العبادة وقلبه متعلق بشيء خارج عنها لم يعقل صلاته، ولم يدرك الخشوع، ولذلك ورد في صحيح مسلم: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان))، وورد في الصحيحين: ((إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم))، وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - من فقهه إذا قدم العشاء جلس فأكل والصلاة قائمة.
ثامناً: السعي إلى المسجد لأداء الصلاة بسكينة ووقار كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك بقوله: ((إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)) متفق عليه، فإن السعي بسكينة ووقار له أثر عظيم في الدخول للعبادة بصدر منشرح وتفكر وتأمل، أما إذا سعى الإنسان مسرعاً للعبادة دخل فيها بنفس متردد، وخاطر مشوش، بتعذر معه الخشوع غالباً.
تاسعاً: التبكير في الحضور للمسجد عند سماع الأذان أو قبله كما ورد في الصحيحين: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلى أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه))، فإذا بكَّر المسلم للمسجد قبل الفريضة وانتظر الصلاة كانت نفسه مهيأة لسماع القرآن والانتفاع بالصلاة والتأثر بها مع إدراكه الفضيلة، أما إذا حضر وقت تكبيرة الإحرام أو بعد فوات الركعة لم تكن نفسه مهيأة للخشوع، وأنصرف همه لإدراك الجماعة، وشعر بالندم والتفريط.
عاشراً: الاشتغال بالنافلة من تحية المسجد وتلاوة ما تيسَّر من القرآن الكريم بتدبر والسنن الرواتب والاستغفار، فإن هذه الأعمال تصفي القلب وتهذب الروح وتهيئها لفعل الصلاة وإدراكها، قال الله في الحديث القدسي: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه)) رواه البخاري.
الحادي عشر: تجنب الصلاة في الأحوال المؤذية من شدة حر، وشدة برد، ومطر، ووحل، وخوف، وغضب، ونحو ذلك مما يفسد الصلاة ويذهب الخشوع، فإن الإنسان إذا دخل في الصلاة منزعج الخاطر حال المشقة تشتت همه وانصرف عنه الخشوع، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)) رواه البخاري، ولذلك كره الفقهاء الصلاة في مكان شديد الحر، أو شديد البرد.
الثاني عشر: يتجنب الاشتغال بالحركات التي لا حاجة إليها ولا طائل وراءها، وترك العبث بالثوب أو الشعر أو اللحية أو الساعة أو مكان السجود وعدم الالتفات؛ لأن هذه الحركات تشوش الذهن، وتشتت الهم، وتصرف القلب عن الخشوع، ولذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التخصر في الصلاة، ونهى عن الالتفات في الصلاة بقوله.: ((إذا صليتم فلا تتلفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يلتفت)) رواه مسلم، وقال عنه: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى)) رواه أحمد، ولما رأى سعيد بن المسيب رجلاً يعبث في صلاته فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه".
الثالث عشر: الحرص على متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هديه في الصلاة، وفعل السنن والهيئات المشروعة من حسن القيام، وقبض اليدين على الصدر، والنظر في موضع السجود، ورفع اليدين في المواضع التي يشرع فيها الرفع، والتمكن من الركوع والسجود والجلسة بين السجدتين وتحريك الأصابع، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم – ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري، فإن اتباع السنة له أثر عظيم في فهم الصلاة، وعقل معانيها، وحصول الخشوع فيها.
الرابع عشر: الطمأنينة في أداء الصلاة وفعلها بتؤدة وتأنٍّ، وعدم الإسراع في الركوع والسجود والجلسة بين السجدتين، فإن الطمأنينة في الصلاة من أعظم الأسباب التي تعين على الخشوع والتأثر، والعجلة فيها مفسدة لذلك، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء في صلاته: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) متفق عليه.
الخامس عشر: التأمل والتأثر والتدبر في الآيات والأذكار في الصلاة، وتآلف ذلك، والاعتناء به قال - تعالى -: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)، فإذا كبر الإنسان تكبيرة الإحرام استشعر عظمة الله، وأنه أكبر من كل شيء، وإذا قرأ الفاتحة استحضر مناجاة الله ومخاطبته، وأنه مستحق لجميع المحامد، وأنه ذو الرحمة التامة الشاملة، وأنه المنجي في الدنيا والآخرة، وأن ملكه أحاط بكل شيء، وأنه المستحق للعبادة، ولا تكون العبادة إلا بمعونة منه، وأن الهداية والتوفيق منه لا من غيره، وهكذا إذا ركع وسبح الله استحضر عظمة الله وتنزيهه من كل سوء ونقص، وإذا رفع من الركوع تفكر في الثناء والتمجيد لله، وإذا سجد استحضر علو الله وشرفه وافتقاره إليه وتذللـه لله، وهكذا في باقي أحوال الصلاة وأذكارها، وكلما تفكر العبد وتدبر فتح الله عليه من المعاني اللطيفة، والمآخذ الدقيقة، وهو باب عظيم القدر واسع لا تحيطه الكلمات، ولا تحده الجمل، والناس يتفاوتون في هذا تفاوتاً عظيماً.
السادس عشر: البعد عن الملهيات والمشغلات حال الصلاة في النظر إلى الصور، والزخارف، والنساء، وتجنب الصلاة في أماكن الزحام التي تعلو فيه الأصوات، وتكثر فيه الحركة كالأسواق والملاعب، فإن ذلك يشغل القلب ويصرفه عن الخشوع، ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أميطي عني، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي))، قال المهلب: "وإنما أمر باجتناب مثل هذا لإحضار الخشوع في الصلاة، وقطع دواعي الشغل"، وفي البخاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة بها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: ((اذهب بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجاتية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا في صلاتي))، وقد نص أحمد على كراهة أن يكون في القبلة شيء معلق من مصحف أو غيره، ونص الفقهاء على كراهة زخرفة المساجد وتزويقها؛ لأنها تشغل المصلي وتذهب الخشوع، وقد ورد في ذلك آثار عن السلف.
السابع عشر: مجاهدة النفس حال الصلاة في تحضير القلب، والتعقل في المعاني، والتأثر والتفاعل بأحوال الصلاة المتنوعة، والمصابرة في هذا المقام العظيم، وعدم الاقتصار على فعل الحركات الظاهرة، فإن من داوم على المجاهدة وبذل وسعه على ذلك فتح عليه قال - تعالى -: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، وقال أحد السلف: "جاهدت نفسي على الخشوع عشرين سنة فتمتعت بالصلاة عشرين أخرى".
الثامن عشر: ومن أعظم الأسباب المعنوية التي تجلب الخشوع في الصلاة ولذة العبادة الورع عن المكاسب المحرمة، وتحري الرزق الحلال، فإن الرزق الطيب يرقق القلب، ويبارك في العمل، ويجعله مقبولاً عند الله، والكسب الخبيث يورث ظلمة في القلب، ويمحق بركة العمل، ويحرم العبد من اللذة والخشوع، وهذا من باب العقوبة العاجلة للعبد.
هذا وإن الشيطان لعنه الله حريص أشد الحرص على إفساد عبادة المؤمن، وإنقاص ثوابها بشتى الوسائل والطرق والأساليب الخفية، فإن أقيمت الصلاة أدبر وابتعد عن المؤمن، ثم إذا كبر العبد للصلاة أقبل عليه يفتنه في صلاته، ويوسوس في قلبه، ويحول دون عقله وفهم الصلاة تارة بتذكيره بالشهوات والملذات، وتارة بتذكيره بحاله ودنياه، وتارة يجعله يفكر في المصائب والعوائق التي اعترضت طريقه في الحياة، وتارة يدخل الشك عليه في كم صلى من الركعات، وتارة يجعله في حيرة من طهارته كما ورد في الصحيحين أن الشيطان يقول له: ((اذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى))، وهكذا كلما أغلق العبد باباً من الفتنة فتح عليه باباً آخر، والمشروع للمؤمن حينئذٍ أن يستعيذ من الشيطان، وينفث ثلاث مرات عن يساره، ويقطع هذه الوساوس ولا يسترسل معها، ويحاول جاهداً في إدراك أقوال الصلاة وأفعالها.
وإن أعظم ما يحول بين المؤمن وبين الخشوع في الصلاة أمران خطيران هما:
الأول: حب الدنيا والتعلق والفتنة بها، بحيث يصبح قلب المؤمن مشغولاً ومغرماً بها، مهموماً في جمعها وتحصيلها، مغروراً بالتكاثر فيها، فإذا دخل في الصلاة انصرف قلبه وعقله إلى التفكير والتشاغل بأمور الدنيا وافتتاح المشاريع ومتابعتها وحل مشاكلها إلى أن تمضي الصلاة بأكملها وهو لا يشعر بشيء والعياذ بالله.
الثاني: قسوة القلب وكثرة الذنوب، فإن العبد إذا ابتلي بالمداومة على الذنوب وأدمن قلبه الشهوات قسا قلبه، وصار في معزل وحاجز عن الانتفاع بمعاني القرآن وأذكار الصلاة، فإذا دخل في الصلاة لم يعقلها ولم يخشع بها؛ لأن قلبه غير صالح ومهيأ لورود الحق والخير، قد حجبته نار الشهوات، وظلمة المعاصي، والعياذ بالله، والمؤمن إذا أسرف على نفسه بالمعاصي عوقب بحرمانه من الخشوع في الصلاة وغيرها.
وينبغي على المؤمن إذا خلت صلاته من الخشوع والتفاعل والتأثر أن يحزن ويأسف ويندم على حصول التفريط منه، وملازمته لحال الغفلة أشد من ندمه على فوات الدنيا، ويسعى في إصلاح حاله، ويوقظ ذلك فيه شعور التوبة والإنابة والرجوع إلى الله ومحاسبة النفس ومجاهدتها على الخشوع والسكينة.