|
تحذير الأحباب ممن حرم النقاب
|
لا يزال الحق والباطل يصطرعان ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، ولا يزال أهل الحق يكشفون شبه أهل الباطل المزخرفة، ويردون عليهم، ويفندون آراءهم، وإن من الأباطيل المحدثة: القول بحرمة النقاب، ووصفه بالتشدد والتنطع، وقد رد أهل العلم على هذه الدعوى السافرة والإفك المبين بالحجج البينات، والأدلة الواضحات.
|
|
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فمرحباً مرحباً بأحبابي وإخواني في الله عز وجل، ومرحباً مرحباً بأخواتي الفضليات، واسمحوا لي أن يكون هذا اللقاء رداً علمياً هادئاً على من حرم النقاب، وأضرع إلى الله جل وعلا أن ينفع بهذا اللقاء، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يكون زاداً لنا يوم نلقاه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30]، وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث في عدة عناصر: أولاً: تحية وبشرى إلى بنت الإسلام. ثانياً: دعوى محدثة وأقوال خطيرة. ثالثاً: كتاب تذكير الأصحاب في الميزان. رابعاً: الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب. خامساً: عتاب ودعوة. سادساً وأخيراً: أيتها المنقبة! أولاً: تحية وبشرى إلى بنت الإسلام: هذا نداء أصل العز والشرف والحياء، إلى صانعة الأجيال ومربية الرجال، إلى من تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها، تهز المهد بيمينها، وتزلزل عروش الكفر بشمالها. إلى أختي المسلمة التي تصمد أمام تلك الهجمات الشرسة، وتصفع كل يوم دعاة التحرر والسفور بتمسكها بحجابها ونقابها. تحية وبشرى إلى هذه القلعة الشامخة أمام طوفان الباطل والكذب، إلى أختي الفاضلة التي تحتضن كتاب ربها وترفع لواء نبيها وهي تصرخ في وجوه المبتدعين قائلة: بيد العفاف أصون عز حجابي وبعصمتي أعلو على أترابي إليك أيتها الدرة المصونة! إليك أيتها اللؤلؤ المكنون! أقدم لك التحية والبشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الغربة الثانية التي تنبأ بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم : (بدأ الإسلام وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، طوبى لك يا بنت الإسلام! وهنيئاً لك يا صاحبة الحجاب! يا درة! حفظت بالأمـس غاليـة واليـوم يبغونها للهـو واللعب يا درة! قد أرادوا جعلهـا أمــة غريبة العقـل غريبة النـسب هل يستوي من رسول الله قــائده دوماً وآخر هـاديه أبو لهب ؟ وأين من كانت الزهراء أسوتهــا ممن تقفت خطى حمالة الحطب؟ أختاه نفسك نبت لا جذور لهــا ولست مقطوعة مجهولة النسب أنت ابنة العرب والإسلام عشت به في حضن أطهر أم من أعز أب أيتها الأخت الفاضلة الصابرة! لقد علم أعداء ديننا أن المرأة المسلمة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي، فراحوا يخططون لها في الليل والنهار؛ لشل حركتها والزج بها في مواقع الفتنة، وأعلنوها صريحة في هذه المقولة الخطيرة، حيث قال أحدهم: كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المسلمة أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات. لقد عز عليهم أن تجود المسلمة من جديد على أمتها بالعلماء العادلين والمجاهدين الصادقين، فصار همهم أن تصير المسلمة عقيماً لا تلد، خشية أن تلد من جديد خالداً وصلاح الدين وابن تيمية .. وغير هؤلاء. ولذلك لم يرفعوا أيديهم عن أمتنا ويسحبوا جيوشهم العسكرية من بلادنا، إلا بعد أن اطمئنوا أنهم خلفوا وراءهم خطاً فكرياً جديداً أميناً على كل أهدافهم، وأطلقوا على أفراد هذا الجيش أفضل الألفاظ والأوصاف... كالمحررين والمجددين وأحاطوا هذا الصنف بهالة من الدعاية الفاسدة تخفي جهله، وتغطي انحرافه، وتنفخ فيه ليكون شيئاً مذكوراً، وتحدث حوله ضجيجاً يلفت إليه الأسماع ويلوي إليه الأعناق، وكل هذا في الحقيقة والله لا يفيد من جهله علماً، ولا من قلبه تقوى، ولا من بعده عن قلوب الناس قرباً، فهو كالطبل الأجوف يسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خال. ومما يمزق الضمائر الحية أن يكون من بين هؤلاء بعض المتصدرين للفتوى، والمتسمين بسمة أهل العلم الشرعي الديني، الذين يزورون لأهل الباطل وأعداء الدين شبهاً عرجاء يتكئون عليها، لينفذوا مآربهم من تدمير صفة هذه الأمة، وتدمير وجهتها وقبلتها من حيث يشعرون أو لا يشعرون. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! ......
|
|
|
أيها الأحبة! إن مما ابتلينا به في هذه الأيام: بدعة محدثة خطيرة، وقولة آثمة شريرة، ألا وهي القول بتحريم النقاب، تولى كبرها طبيب بيطري يرأس تخصصات الطب الشرعي والسموم بجامعة القاهرة. إن هذه الدعوى أوسع من الغبراء، وأكبر من أن تظلها الخضراء.. دعوى مخترعة محدثة لم تسمع من قبل من أحد من العلماء.. دعوى فاسدة يغني فسادها عن إفسادها.. باطلة يغني بطلانها عن إبطالها. إنها دعوى أن المحجبة المنقبة آثمة عاصية مجرمة مستحقة لعقاب الله وغضبه بسبب ارتدائها النقاب، وأن المتهتكة المتبرجة أفضل منها؛ لأنها أقل ابتلاءً وأقرب إلى سواء السبيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون! هل سمعتم -يا عباد الله!- قولة خطيرة على مدى التاريخ كله كهذه القولة الجائرة الظالمة؟! لماذا يثير النقاب هذه البغضاء الكامنة في قلوب هؤلاء؟ لماذا لا يطيقون رؤية النقاب؟ لماذا يعلنون الحرب على الستر والعفاف؟ لماذا لا تكون هذه الحرب الهوجاء على التبرج والعري والعهر والفجور والإباحية والعربدة تحت ستار المدينة والتطور المظلم الأسود؟ لماذا لا تكون هذه الحرب الشعواء على المتبرجات.. على الكاسيات العاريات المائلات المميلات، اللائي ينفثن سموم الفتنة في قلوب الشباب والرجال في الليل والنهار؟ لقد أصبحت المنقبة الطاهرة آثمة في عصر تبدلت فيه الحقائق، وانقلبت فيه الموازين، فصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة. أصبحت المنقبة هي الآثمة العاصية المجرمة، والمتهتكة الخليعة المتبرجة هي الأقرب إلى سواء السبيل!! رويداً رويداً، ومهلاً مهلاً يا دعاة التبرج والسفور! فأين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم وأحمد وهو من معجزات النبي الخالدة من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). وفي رواية الإمام الطبراني : (العنوهن فإنهن ملعونات). فلا تبال بما يلقون من شبـه وعندك العقل إن تدعيه يستجب سليه من أنا من أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعـرب؟ لمن ولائي لمن حبي لمن عملـي لله أم لدعـاة الإثم والكـذب؟ وما مكاني في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب هما سبيلان يا أختاه مـا لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكـتسبي سبيـل ربك والقـرآن منهجـه نور مـن الله لم يهـزم ولم يغب في ركبـه شـرف الدنيا وعزتها ويوم نبعث فيه خير منقلب هذه الدعوة خطيرة، وكان من الواجب على كل العلماء والدعاة أن يتصدوا لها، لماذا؟ لأنها اشتهرت وانتشرت، وفرضتها جريدة النور -حيث لا نور- على الناس فرضاً ولمدة تسعة أشهر كاملة! وأخيراً تحولت هذه الفتوى إلى كتاب كبير يعلن عنه في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ومما يؤلم القلب أن مجلة (أكتوبر) قد أجرت حواراً مع فضيلة المفتي بعنوان (مجرد غسيل مخ)، وزعم فضيلته أن النقاب ليس من الإسلام في شيء، ثم أثنى ثناءً حميداً على مقالات: تذكير الأصحاب بتحريم النقاب، ووصفها بأن حجتها قوية وقاطعة. ونود أن نذكر فضيلة المفتي بما كتبه هو بيده في تفسيره للقرآن العظيم في سورة الأحزاب، فلقد فسر فضيلته آية الإدناء بأنها تشمل تغطية الوجه من المرأة، ولكن هذا الحكم الذي كتبه فضيلته كان قبل أن يتولى فضيلته منصب الإفتاء، نسأل الله الثبات على الحق، ونسأل الله حسن الخاتمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ورد في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي عمرو جرير بن عبد الله أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). أيها المسلمون! أيتها المسلمات! إليكم بعض الأقوال الخطيرة التي نشرها صاحب هذا الكتاب لتشهدوا عليه وعليها أمام الله عز وجل -إن لم يتب ويرجع إلى الله- في يوم سيعرض فيه الجميع على الله جل وعلا.. في يوم لا تنفع فيه الكراسي الزائلة، والمناصب الفانية، في يوم تنصب فيه الموازين، وتتطاير الصحف، وتقرأ الكتب، وصدق الله إذ يقول: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]. وصدق من قال: مثل وقوفك يـوم العـرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشـاء حيرانا والنار تلهب من غيـظ ومـن حنق على العصاة ورب العـرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبد علـى مهـل فهل ترى فيه حرفاً غير مـا كانا لما قرأت ولم تنـكر قراءته إقرار من عرف الأشيـاء عرفانـا نادى الجليل خـذوه يـا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا المشركون غـداً في النـار يلتهبـوا والمؤمنون بدار الخلـد سكـانا نسأل الله أن يسترنا وإياكم في يوم الفضائح، إنه ولي ذلك ومولاه، وأن يجعل قولنا وعملنا خالصاً لوجهه إنه سميع مجيب الدعاء!......
|
|
|
ثانياً: إن الكاتب -وهذا أمر خطير- استحل واستباح التدليس والتلبيس والتحريف والمراوغة، ولم يكن أميناً في نقل أدلة من خالفه من العلماء، بل كذب على العلماء وافترى على العلماء وقال عليهم ما لم يقولوه، لا ندعي ذلك جزافاً، ومن ذلك أنه دلس على شيخ الإسلام ابن تيمية وكذب عليه. فالكاتب يقول في صفحة رقم (مائة وواحد وتسعين): قال ابن تيمية رحمه الله في الصراط المستقيم: ومن أجل ذلك كان من شروط المسلمين الأول على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات، ثم يعلق الكاتب ويقول: ويفهم -هذا ما يفهمه الكاتب- ويفهم من كلام ابن تيمية رحمه الله: أن الوجه لنساء المؤمنين لم يكن مغطى، وهذا عين الكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كيف فهم الكاتب هذا؟ ومن أين جاء بهذا الفهم؟ وهو يعلم -وأنا واثق من ذلك- أن شيخ الإسلام ابن تيمية من أوائل من يقولون بوجوب النقاب وبوجوب ستر الوجه، حيث يقول شيخ الإسلام في آية الحجاب، أي في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]: والجلباب هو الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإزار، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، وقد حكى عبيدة السلماني وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها، ومن جنسه النقاب، فكان النساء ينتقبن، وفي الصحيح: (إن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين)، فإذا كن -وما يزال الكلام لـشيخ الإسلام - فإذا كن (أي: النساء) مأمورات بالجلباب وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب، كان حينئذ الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بنصه من مجموع الفتاوى المجلد الثاني والعشرين صفحة رقم مائة وعشرة ومائة وإحدى عشر، ذكرت هذا ليتبين لكم -أيها الأحباب وأيتها الفضليات- كيف سمح هذا الكاتب لنفسه أن يكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأن يقول عنه ما هو بريء عنه براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وقد أوهم الكاتب القراء الذين يقرءون كتابه، من الذين لا حظ لهم من علم الأصول أو من الفهم الدقيق؛ أوهم أن الإمام ابن القيم رحمه الله يصف النقاب بالتنطع والغلو والتشدد والتكلف، فيأتي الكاتب بعدما وصف النقاب بأنه غلو وتنطع وتشدد، يأتي ببعض الألفاظ التي قالها الإمام ابن القيم ليرد بها على أهل الغلو والتنطع، يأتي بها الكاتب ليصف بها ما يقوله هو من أن النقاب تنطع وغلو؛ ليوهم الناس بأن هذه الكلمات التي ذكرها الإمام ابن القيم إنما يصف بها النقاب، وأنه من الغلو والتنطع والتشدد، ومعلوم أن الإمام ابن القيم يقول بوجوب النقاب كما في إعلام الموقعين عن رب العالمين في الجزء الثاني في فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة، ويوهم الكاتب أيضاً أن الإمام القرطبي يوافقه في مذهبه من تخصيص الحجاب بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فيقول الكاتب في صفحة رقم مائة وسبعة وأربعين بهذه الروح العجيبة التي أشرنا إليها آنفاً يقول: وقد فهم القرطبي هذا المعنى الأساسي مثلما ذهبنا إليه تماماً. سبحان الله! القرطبي هو الذي فهم مثل ما ذهب إليه الكاتب، مع أن الإمام القرطبي رحمه الله يقول في تفسير نفس السورة في آية الحجاب: ويدخل في ذلك -أي: في عموم الحجاب لجميع البدن- جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة، هذا قول الإمام القرطبي الذي أوهم الكاتب أنه وافقهم في مذهبه بتخصيص أمهات المؤمنين بالحجاب وحدهن رضي الله عنهن. ثم يكذب الكاتب على العلماء الذين قالوا: بأن الحجاب ليس خاصاً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهم كثرة، كما سنرى ليأتي بهذا الإجماع الغريب العجيب فيقول في صفحة رقم ثلاثة وعشرين: وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النقاب خاص بأزواج النبي وحده، ثم نقل الإجماع! ومن أين جاء به؟ والله إنه عين الكذب على من قال: إن تخصيص الحجاب لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق كما سنرى في الأدلة الشرعية، وهذا الكاتب يقول: أجمع على ذلك المؤيدون لتعليمه والمعارضون، وهذا بهتان عظيم! وأكتفي بهذا القدر لضيق الصدر وتألم النفس، وإلا فوالله لو وقفنا مع كل صفحة من صفحات هذا الكتاب لرددنا عليه.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
ومن أقواله الخطيرة التي يسخر فيها من العلماء، يسخر فيها من الأئمة الأعلام ومصابيح الظلام، ويتهم العلماء بالإفلاس وعدم الفهم وقلة العقل، يقول في صفحة رقم (مائتين وثلاثة عشر): انظر كيف يفعل الإفلاس بأصحابه حين أصبحوا عاجزين عن الإتيان بدليل شرعي يقيني واحد على مشروعية النقاب أو القفاز، فلما لم يجدوا الدليل ألجأهم العجز إلى القصص، إلى القصص والإشاعات التي لا يعرف لها مصدر علمي، علهم يجدون فيها ما ينقلهم من الحرج الذي وضعوا أنفسهم فيه، إنها رواية أشبه بما يحكى عن أبي زيد الهلالي والزير سالم وغيرهما، فهل يمكن الاحتجاج بما يقال فيه: قال الراوي: يا سادة! يا كرام! فيقدم للناس على أنه من الدين الحنيف. أسمعتم أيها الأحباب! إلى هذا الحد صارت السخرية والاستهزاء بأئمة الهدى ومصابيح الظلام! ثم يقول في صفحة رقم (مائتين وخمسة وعشرين): إن كل مدافع عنه (أي: عن النقاب) عاجز تماماً عن الإتيان بدليل شرعي واحد يعتد به على جواز التمسك به، وإن الذين زينوا للعوام الجهلة فعل التنقب ولبس النقاب، إنما هم في أكثرهم نقلة صحف، لا يفقهون ما ينقلون، ولا يعقلون ما يكتبون، وفي أقلهم حفظة يرددون ما يحفظون دون أن تترسخ لهم قدم، فيحسبون أنهم على شيء من العلم بدقائق الشرع الشريف الحنيف، وهم واهمون؛ لأنهم عادة متحمسون وأنى للمتحمسين أن يحسنوا الحياد في العلم والموضوعية في البحث؟! هكذا أيها الأحباب! وهذه حروف الكاتب تماماً، أسأل الله العافية، فالعلماء الأجلاء وورثة الأنبياء في نظر هذا الكاتب نقلة صحف، لا يفقهون ما ينقلون، ولا يعقلون ما يكتبون، فإلى الله المشتكى، والله المستعان، ونسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة. ومن أقواله التي تفوح منها هذه الروح قوله في عدد (28/1/1411هـ) من جريدة النور قال: وقد صدق ظني عندما أصدرت كتابي عن النقاب، وقلت: إنه لا يستطيع نقده أو الرد على بعض ما فيه، فليست العصمة إلا للأنبياء، إلا واحد من اثنين: إما الألباني العلامة المشهور، وإما ابن باز العالم الكبير -هذا على حد تعبير الكاتب-، وإني أتشوق لذلك، وإن كنت أتوسم بفضل الله تعالى أن أدافع عما يوجه إلي منهما... إلى آخر كلامه، وسوف أرد عليه بكلام مصباحي الدجى، ومجددي شباب الأمة، بكلام شيخنا الألباني وشيخنا ابن باز في موضعه بإذن الله جل وعلا. ثم تعلن هذه الروح عن نفسها صراحة، فيقول في عدد (2/4/1411هـ) من جريدة النور: إنني أطلب من علماء الكرة الأرضية بقاراتها السبع أن يأتي واحد منهم بدليل واحد على كون النقاب من الإسلام! وسوف آتيه بعشرات الأدلة بإذن الله جل وعلا. وأكتفي أيها الأحباب! بذكر هذه الأقوال، وإلا فهي خطيرة كثيرة تبعثرت في الكتاب كله، فيشهد الله لقد ضاق صدري، وتألمت نفسي وكفى، وصدق الله جل وعلا إذ يقول: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]: هذه بعض الأقوال التي ذكرها الكاتب، وسأترك للمسلم والمسلمة أن يحكم على هذه الأقوال الخطيرة، وليشهد بها وعليها أمام الله عز وجل، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ونسأل الله العفو والعافية.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
من أقواله الخطيرة: قوله في صفحة رقم (مائتين وستة وعشرين) و(مائتين وسبعة وعشرين): إن المتبرجة أفضل من المنقبة -اسمع لقوله- يقول: لأن الأولى (أي: المتبرجة) عاصية تعلم أنها عاصية بينما الثانية المنقبة عاصية تعلم أنها فاضلة. كما أن الأولى (أي: المتبرجة) ليست عرضة للكبر والعجب المانعين من دخول الجنة، بينما الثانية (أي: المنقبة) أكثر عرضة لذلك، يقول: فأيهما أحق بالإشفاق؟ وأيهما أقرب للتوبة؟ وأيهما أولى بالاستغفار؟ إن المنقبة -هذا قوله- إن المنقبة تحتاج إلى أن نستغفر لها مرتين، بينما المتبرجة مرة واحدة؛ لأنها أقل ابتلاءً، وأقرب إلى سواء السبيل. إنا لله وإنا إليه راجعون، وأنا أسأل كل عاقل على وجه الأرض، هل المنقبة التي غطت نفسها تماماً، وتمشي على استحياء، شاخصة ببصرها إلى موضع قدمها، هي التي يتملكها العجب والكبر والغرور أم المتبرجة التي خرجت تتفنن بعرض زينتها وفتنتها وجمالها وهي تقول بلسان الحال: ألا تنظرون إلى هذا الجمال؟ هل من راغب في القرب والوصال؟ إنها تعرض جمالها في الأسواق والشوارع والطرقات كما يعرض البائع المتجول سلعة. سأترك لك الجواب أيها المسلم! وأيتها المسلمة!
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
ومن أقواله التي استدل بها على تحريم النقاب: قوله في صفحة رقم (مائتين وثمانية وعشرين) و(مائتين وتسعة وعشرين) من كتابه: إن المنقبة تشبهت ببعض طوائف أهل الكتاب، طوائف من الراهبات يلبسن مثل هذا النقاب. وأنا أسألك أيها الكاتب! لأني رأيت صورته على غلاف كتابه بلحية كبيرة كثة، أسألك: هل يجوز أن تحلق لحيتك؛ لأن بعض القساوسة قد أعفى وأطلق لحيته؟ ومن أقواله الخطيرة التي استدل بها أيضاً على تحريم النقاب: قوله في صفحة رقم (مائة وثمانين) و(مائة وواحد وثمانين): إن تنقب عموم النساء أمر محدث في الدين، وكل محدث حرام ومردود، ولا يرد إلا الحرام والخبيث، والحرام معروف حكمه، والخبيث في النار، وأصحابه هم الخاسرون ثم يشير إلى أن النقاب من هذا الخبيث ومن الخبائث ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، إنا لله وإنا إليه راجعون! ومن أقواله الخطيرة: أنه ادعى أن الصحابة رضي الله عنهم قد أجمعوا إجماعاً فعلياً -أي: عملياً- على وجوب كشف الوجه، كما يقول في صفحة رقم (مائتين وسبعة وعشرين)، وهذا والله بهتان عظيم، فمن أين جاء بهذا الإجماع؟ من أين جاء بهذا الإجماع الخطير؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! ومن أقواله الخطيرة التي يستدل بها أيضاً على تحريم النقاب: قوله في صفحة رقم (سبعة وثلاثين): الوجه أصل الفطرة والفطرة، محمودة دائماً، وديننا هو دين الفطرة، ومن أدان الفطرة فقد أدان الإسلام. ما شاء الله على هذا الاستدلال المنطقي! وهو كقول من قال: كل فرار من العدو جبن، وكل جبن مصنوع من اللبن، إذاً: كل فرار من العدو مصنوع من اللبن.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
أيها الأحباب وأيتها الفضليات: تعالوا بنا إلى العنصر الرابع من عناصر المحاضرة وهو: الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب: ......
|
|
|
أيها الأحباب وأيتها الفضليات: تعالوا بنا إلى العنصر الرابع من عناصر المحاضرة وهو: الأدلة الشرعية على وجوب الحجاب: ......
|
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
أيها الأحباب: رجح كثير من أهل العلم وجوب النقاب -كما سمعتم آنفاً إلى أقوالهم القيمة الطيبة- ولولا أنني أخشى الإطالة لذكرت كل أقوالهم مفصلة، ولكنني سأكتفي بذكر مزيد من أسماء هؤلاء الأئمة العلماء مشيراً فقط إلى المصدر الذي ورد فيه قولهم بوجوب النقاب أو بوجوب ستر الوجه، من هؤلاء العلماء الذين قالوا بوجوب ستر الوجه: - الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن الكريم في تفسير سورة الأحزاب الآية (59). - ومنهم الإمام البغوي في معالم التنزيل في تفسير سورة الأحزاب الآية (59). - ومنهم الإمام الزمخشري في الكشاف في تفسير سورة الأحزاب الآية (59). - ومنهم الإمام ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير في تفسير سورة الأحزاب الآية (59). - ومنهم الإمام البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل في تفسير سورة الأحزاب الآية (59). - وبه -أي: بوجوب ستر الوجه- قال الإمام النسفي في مدارك التنزيل وحقائق التأويل في تفسير سورة الأحزاب. - وبه قال الإمام ابن حيان الأندلسي في البحر المحيط في تفسير سورة الأحزاب في الآية (59). - وبه قال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب ذاكراً تفسير عبيدة السلماني رحمه الله. - وبه قال الإمام الخطيب الشربيني في السراج المنير في تفسير سورة الأحزاب. - وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير سورة النور وغيرها. - وبه قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين في فصل: الفرق بين النظر إلى الحرة والأمة. - وبه قال الإمام ابن حزم في المحلى في الجزء الثالث تحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمهم الله. - وبه قال العلامة الشوكاني في فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير في تفسير سورة الأحزاب. - وبه قال العلامة الألوسي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني في تفسير سورة الأحزاب. وبه قال علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل في تفسير سورة الأحزاب. - وبه قال علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، في تفسير سورة الأحزاب. - وبه قال الدكتور محمد محمود في التفسير الواضح في تفسير سورة الأحزاب. - وبه قال شيخنا أبو بكر الجزائري حفظه الله في أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير في تفسيره لسورة الأحزاب. - وبه قال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي رحمه الله في كتابه القيم: يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي. وأعتقد أيها الأحباب! أن هذا يكفي رداً على قول الكاتب وتحديه لكل علماء الكرة الأرضية أن يأتوا بدليل واحد على كون النقاب من الإسلام. وصدق الله جل وعلا إذ يقول: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]. وصدق من قال: إن الحجاب الذي نبغيه مكرمة لكل مسلمة ما عابت ولم تعب نريد منها احتشاماً عفة أدبـاً وهم يريدون منها قلـة الأدب يا رب أنثى لها عزم لها أدب فاقت رجالاً بلا عزم ولا أدب ويا لقبح فتاة لا حياء لها وإن تحلت بغالي الماس والذهب
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
قال الشيخ المودودي رحمه الله في آية الإدناء صفحة رقم (250): نزلت خاصة في ستر الوجه. ثم يقول: ومعنى الآية بالحرف: أن يرخين جانباً من خمورهن أو ثيابهن على أنفسهن، وهذا هو المفهوم من ضرب الخمار على الوجه، والمقصود به ستر الوجه وإخفاؤه، سواء كان بضرب الخمار أو بلبس النقاب أو بطريقة أخرى غيره. ثم يقول الشيخ المودودي رحمه الله في صفحة رقم (330): وإن الوجه هو المظهر الأكبر للجمال الخلقي والطبيعي في الإنسان، فهو أكثر مفاتن الجمال الإنساني جذباً للأنظار واستهواءً للنزعات، ثم هو العامل الأقوى للجاذبية الجنسية بين الصنفين.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
ويقول شيخنا الحبيب ابن عثيمين حفظه الله في رسالة قيمة بعنوان (توجيهات للمؤمنات حول التبرج والسفور). يقول في صفحة (17-18( ) من هذه الرسالة القيمة: وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظر الصحيح والاعتبار والميزان على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها. ثم يقول: وإذا تأمل العاقل المؤمن هذه الشريعة وحكمها وأسرارها تبين أنه لا يمكن أن تلزم -أي: الشريعة- المرأة بستر الرأس والعنق والذراع والساق والقدم، ثم تبيح -أي: الشريعة- للمرأة أن تخرج كفيها ووجهها المملوء جمالاً وتحسيناً، فإن ذلك خلاف العفة... إلى آخر كلامه حفظه الله.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
يقول العلامة الرباني الشيخ الشنقيطي رحمه الله في آية الإدناء: وفي الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] يدخل في معناه: ستر وجوههن بإدناء جلابيبهن عليها. والقرينة المذكورة هي قوله تعالى: (قل لأزواجك)؛ ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن لا نزاع فيه بين المسلمين، بل هذا مما يوافق عليه الكاتب. يقول الإمام الشنقيطي : فذكر الله تعالى الأزواج مع البنات مع نساء المؤمنين في آية واحدة وفي حكم واحد يدل على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب، فكيف تستقيم دعوى الخصوصية والله تعالى يقول: (ونساء المؤمنين)؟ اهـ. وهذا واضح جداً لمن لم يدخل الهوى في قلبه، فيعمي بذلك عقله والعياذ بالله. ويقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن خلف حفظه الله في كتابه القيم: نظرات في حجاب المرأة المسلمة في صفحة رقم (48) في الهامش، يقول عن آيات الإدناء: لو لم يكن من الأدلة الشرعية على منع كشف الوجه إلا هذا النص من الله تعالى لكفى به حكماً موجباً؛ لأن الوجه هو العنوان من المرأة لنعرف بها من الناحية الشخصية ومن الناحية التي تجلب الفتنة. ثم يقول: وهذا الأمر يقتضي الوجوب ولا يوجد أي دليل ينقله من الوجوب إلى الاستحباب أو الإباحة.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير آية الإدناء في سورة الأحزاب: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: -واحفظوا هذا القول لـابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه سيفترى عليه قولاً آخر- أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة. ويقوي هذا الإسناد ما صح عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني -وعبيدة السلماني هو التابعي الجليل الفقيه العلم، آمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يزل عبيدة في المدينة حتى مات رحمه الله، وقد فسر آية الإدناء تفسيراً عملياً وفعلياً وواقعياً يوضح ما كان عليه نساء الصحابة رضي الله عنهن جميعاً- يقول ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، يقول: فأخذ بثوبه فغطى رأسه ووجهه، وكشف ثوبه عن إحدى عينيه. هذه صورة فعليه عملية للتابعي الجليل الذي عاش في المدينة المنورة في زمن عمر رضي الله عنه وإلى ما بعده، وهو يوضح فعل الصحابيات وما كن عليه رضي الله عنهن، فإلى الله المشتكى والله المستعان على ما قيل كذباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنهم أجمعوا إجماعاً فعلياً على وجوب كشف الوجه والكفين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!! يقول الإمام الرازي في آية الإدناء أيضاً: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الريبة فيها.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
يقول والدنا الكريم وشيخنا الحبيب الشيخ ابن باز حفظه الله -ولقد تعمدت أن أبدأ بقوله؛ لأن الكاتب قد طلب أن يرد عليه الشيخ ابن باز أو الشيخ الألباني - يقول شيخنا ابن باز -واسمع أيها الكاتب- في هذه الآية، في كتاب (ثلاث رسائل في الحجاب) صفحة رقم (7): أمر الله -والأمر صيغة من صيغ الوجوب كما تعلمنا في علم الأصول- يقول الشيخ: أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة... إلى آخر كلامه حفظه الله. فالشيخ أيها الكاتب يقول بوجوب النقاب؛ لأن الأمر صيغة من صيغ الوجوب.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
|
|
الدليل الرابع من الأدلة التي استدل بها العلماء الذين يقولون: بوجوب ستر الوجه: قول الله تبارك وتعالى في سورة النور في الآية رقم (60) بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60]. أكتفي بتعليق شيخنا ابن باز حفظه الله في: رسالة الحجاب والسفور صفحة رقم (6-7-8) إذ يقول في هذه الآية: يخبر سبحانه أن القواعد من النساء وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً، لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوههن وأيديهن إذا كن غير متبرجات بزينة، فيعلم بذلك أن المتبرجة بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها، وأن عليها جناح في ذلك ولو كانت عجوزاً؛ لأن كل ساقطة لها لاقطة؛ ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزاً، فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت؟ لاشك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد، والفتنة بها أكبر. وشرط الله سبحانه في حق العجوز ألا تكون ممن يرجون النكاح، -وما زال الكلام لشيخنا ابن باز - وما ذاك والله أعلم إلا لأن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج طمعاً في الأزواج، فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانة لها ولغيرها من الفتنة، ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن، فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز، وأنه خير لهن من وضع الثياب، فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار الزينة خيراً للشابات من باب أولى وأبعد لهن عن أسباب الفتنة. وسأكتفي أيها الأحباب! بهذه الأدلة القرآنية على وجوب ستر الوجه رداً على الكاتب الذي تحدى علماء الكرة الأرضية بقاراتها السبع على أن يأتي عالم واحد بدليل واحد على كون النقاب من الإسلام، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولضيق الوقت فقط ما استطعت أن أسرد أقوال أهل العلم في كل دليل كما فعلنا وتعاملنا مع الدليل الأول في آية الإدناء. فيا أيتها الأخت الفاضلة! أختاه يا بنت الإسلام تحشمي لا ترفعي عنك الحجاب فتندمي صوني جمالك إن أردت كرامة فالناس حولك كالذئاب الحوم ما كان ربك جائراً في شرعه فاستمسكي بعراه حتى تسلـمي ودعي هراء القائلين سفاهـة إن التقدم في السفور الأعجـم حلل التبرج إن أردت رخيصة أما العفاف فدونه سفك الدم فتعلمي وتثقفي وتنــوري والحق يا أختـاه أن تتعلمـي لكنني أمسي وأصبح قائـلاً أختاه يا بنت الإسلام تحشمي ......
|
|
|
أما الأدلة من الأحاديث النبوية فكثيرة ولله الحمد والمنة، وسأشير إلى بعضها، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب أهل العلم التي استشهدت بها آنفاً في خلال هذه المحاضرة: ......
|
|
|
الحديث الأول: ما رواه البخاري ومالك في الموطأ والترمذي وقال: حسن صحيح، وأبو داود والنسائي وأحمد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين). يقول الشيخ أبو هشام الأنصاري في: إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب: هذا الحديث أحسن دليل على ما وقع من التغيير والتطور في ألبسة النساء بعد نزول الحجاب، والأمر بإدناء الجلباب وأن النقاب قد صار من ألبسة النساء، وحيث لم يكن يخرجن إلا به، وليس معنى النهي عن الانتقاب للمحرمة أنها لا تستر وجهها، وإنما المراد أنها لا تتخذ النقاب لباساً على حدة من ألبستها، وإنما تستر وجهها بجزء من لباسها. وقال ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
الدليل الرابع: حديث صحيح رواه الإمام الترمذي وقال: حسن غريب. ورواه الطبراني وصححه الألباني في إرواء الغليل من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة عورة)، ولقد أوضحت ذلك آنفاً مفرقاً بين العورة بالنسبة للصلاة وبالنسبة لنظر الأجانب، وسأكتفي أيها الأحباب! بهذا القدر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كنت أود أن أفند كل الحجج التي استدل بها من خلال بعض الأحاديث التي ذكرها كحديث الخثعمية والمرأة سفعاء الخدين وغيرهما، ولكن أختم ببعض ما قاله شيخنا الألباني ، فعلى الرغم من أنه لم يقل بالوجوب -أي: بوجوب تغطية الوجه- إلا أنه لم يقل بالحرمة ولم يقل بأن النقاب بدعة، بل قرر الشيخ أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة، وأنه كان معهوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وساق الأدلة على ذلك حفظه الله. وقال الإمام أبو حامد الغزالي في (الإحياء): لم يزل الرجال على مر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات. وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني : إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال. وفي هذا كفاية أيها الأحباب! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
الدليل الثالث: أحاديث النظر إلى المخطوبة، وهي أحاديث صحيحة، كحديث جابر والمغيرة ومحمد بن مسلمة ، وأكتفي بقول الشيخ أبي هشام الأنصاري معلقاً عليها: وهذا يدل -أي: معاني هذه الأحاديث- وهذا يدل على أن النظر إلى النساء لم يكن سهلاً، ولو كانت النساء تخرج سافرات الوجوه في ذلك الزمان لم يكن لشرط الاستطاعة في النظر إليهن معنى، وهذا واضح جداً.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
ومن عناصر هذه المحاضرة حتى لا أطيل عليكم أكثر من ذلك: عتاب ودعوة: عتاب إلى صاحب جريدة النور الذي وقف مع أعداء الصحوة الإسلامية في خندق واحد، في الوقت الذي تصب فيه الفتن على رءوس أبناء الصحوة صباً، وتكال لهم الاتهامات كيلاً، وكم كنت أتمنى أن يفي صاحب الجريدة بما قطعه على نفسه من عهد، حيث قال لصديقه الحميم صاحب فتوى التحريم: إننا اعتدنا أن ننشر في جريدة النور الرأي والرأي الآخر، بل كنت أتمنى أن ينشر في الجريدة الردود على كتاب صاحبه كرد الشيخ محمد بن إسماعيل حفظه الله: بل النقاب واجب، أو غيره من الردود. وكم كنا نود أن يفعل صاحب الجريدة مع إخوانه وأخواته ما فعله مع السكرتير الثاني لدولة أفغانستان الشيوعية، فلقد نشرت له جريدة النور مقالة طويلة بطول الصفحة هاجم فيها المجاهدين الأفغان، ودافع عن الحكومة الشيوعية العميلة، ونشرت الجريدة مقالته بمنتهى الأمانة. ما كنا نتوقع ذلك أبداً من صاحب الجريدة، ولكن بالرغم من كل ذلك فإننا على يقين أن الكمال لله وحده، وأن العصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأن الخطأ صفة ملازمة للبشر ولا عيب في أن يخطئ الإنسان فهو بشر، ولكن العيب والخطر أن يتمادى الإنسان في خطئه، فهذه ذكرى ودعوى، نسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه، وندعو الكاتب الذي سمعت عنه أنه كان من المحاربين للبدع والمبتدعين، وكان من المدافعين بقوة وصراحة عن السنة المطهرة، وندعو صاحب جريدة النور، وندعو كل من افتتن بهذه الفتوى وهذا الكتاب؛ أن يرجعوا جميعاً إلى الله عز وجل، وأن يتوبوا إلى الله تبارك وتعالى، ورحمة الله وسعت كل شيء، وفي الحديث الذي رواه مسلم وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)، ولكني أود أن أذكر أن من شروط هذه التوبة: البيان والإعلان؛ لقول الله تبارك وتعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:160]. نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة، وأن يغفر لجميع المسلمين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. ......
|
|
|