الــصــبــر
الحق سبحانه و تعالى يريد منا أن نصبر ابتغاء وجهه الكريم الصبر هو حبس النفس بحيث ترضى بمكروه نزل بها, و المكروه له مصدران: الأول: أمر لا غريم لك فيه فإن أصابك مثلا مرض أو عجز, أو فقدت أحد أولادك بموت, فهذا ليس لك غريم فيه, و لا تستطيع أن تفعل معه شيئا. الثاني: أمر لك غريم فيه كأن يعتدي عليك أحد, أو يسرق مالك أو غير ذلك. الأمر الذي لا غريم لك فيه: ليس أمامك إلا الصبر, و الأمر الذي لك غريم فيه تكون نفسك مشتعلة برغبة الانتقام, و لذلك يحتاج إلى صبر أكبر, و إلى صبر أطول, لأن غريمك أمامك, فنسفك تطالبك بالانتقام منه, و لذلك يفرق الله سبحانه و تعالى بين الصابرين , فيقول سبحانه و تعالى: ((وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)) و يقول سبحانه و تعالى في آية أخرى: ((وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)) ووجود اللام هنا يدلنا على أننا نحتاج إلى صبر على غريم لنا, و إلى قوة إرادة و عزيمة حتى نمنع أنفسنا من الانتقام. و الصبر له دوافع, فمن الناس من تأتيه أحداث شديدة فيظهر أمام الناس أنه أقوى من الأحداث التي لا تستطيع أن تنال منه, و أنه جلد, و أنه صبور فهذا صبر ليس لابتغاء وجه الله , و لكنه صبر ليبين نفسه أنه فوق الأحداث, أو صبر أمام أعدائه حتى لا يشتموا فيه, فقد قال الشاعر: و تجلدي للشامتين أريهم *** أني لريب الدهر لا أتضعضع و لكن الحق سبحانه و تعالى يريد منا أن نصبر ابتغاء وجهه الكريم, فعندما ترى أمرا يحدث لك فاعرف أن فيه خيرا كثيرا, و اعلم أن لله فيه حكمة, ولو أنك خيرت بين ما كان يجب أن يقع و بين ما وقع لاخترت ما وقع. إذن.. فالذي صبر ابتغاء وجه الله ينظر إلى مناط الحكمة في مورد القضاء عليه, و لذلك يقول: أحمدك يا ربي على كل قضائك , و جميع قدرك حمد الرضا بحكمك لليقين بحكمتك ...هذا تيقن بالحكمة فلا تأخذ الأمور بسطحية. الفضيلة و الرذيلة/ محمد متولي الشعراوي