بقيت ظاهرة «الأغوات» لغزا محيرا على مدى عقود طويلة من الزمن، بيد ان الروايات تؤكد ان عددا من القبائل الحبشية كانت تخصي أبناءها وتقدمهم هدية للحرمين الشريفين لخدمتهما.
وكان في السابق يتم البحث عن الأغوات في المناطق الحبشية تحديدا، ويكلف بهذه المهمة أناس تنطبق عليهم مواصفات (الأغا)، ويقال إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان أول من استخدمهم لخدمة الكعبة الشريفة، فيما ذهبت بعض الآراء الى أن ابنه يزيد هو أول من أستخدمهم، وأرجعت روايات أخرى تاريخهم إلى الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.
وعن تسميتهم بهذه التسمية يُقال ان هذه الكلمة (فارسية)، وتطلق على الشيخ أو السيد أو الرجل الكبير أو رئيس الخدم ولعل هذه الكلمة أطلقت عليهم لجميع هذه الأسباب كونهم خداماً وشيوخاً كباراً فهم لا يتكلمون كثيراً تأدباً ، وفي ومكة المكرمة عرفوا بهذا المسمى وقد نقلوه عن الأتراك.
ورغم توافق مواصفات «الأغوات» إلا ان أعمالهم تختلف من شخص لآخر فلهم رئيس يسمى بشيخ الأغوات ويأتي بعده نقيب الأغوات وهو الذي يخلف شيخ الأغوات بعد موته ثم يأتي بعد ذلك أمين الأغوات ويليه مباشرة مشدي الأغوات وأخيرا الخبزي ثم بعده ولد عمل، ليأتي اخيرا المتفرقة وهي آخر مرتبة لسلم الأغوات. والخمسة الأوائل يسمون (خبزية) وهم المشرفون الذين يتولون الإشراف على توزيع عمل الأغوات، ويعين أقدمهم شيخاً عليهم وهو المسؤول عن أوقاتهم ، وسير عملهم في الحرم. وبعد موت الشيخ يصبح( النقيب) شيخاً والأمين نقيباً، وينوب النقيب عن الشيخ في حالة غيابه ويأمر كما يأمر الشيخ والناظر.
و الخبزية يضعون على رؤوسهم (شوشة) عبارة عن شاش معمول من القصب يوضع على الرأس، وبذلك يكون الأغا الذي لا يضع الشوشة على رأسه من صغار الأغوات.
ولا يضع ( نصف الخبزي) شوشة على رأسه، وإذا مات الذي قبله يُرقى الأغا الى (خبزي) ويضع الشوشة على رأسه. وأما (شيخ بطال) فدوره معاقبة المخطئين في عملهم وكان في السابق يجلد المخطيء الى ان تم الغاء تلك العقوبة بعد ان اصبحوا موظفين رسميا. وينام (ولد العمل) في الحرم طوال اليوم وبعد إنقضاء سبع سنوات على هذا الحال يُرقى الى (شيخ بطال) ليتولى «المتفرقة» مكانه ويصبح «ولد عمل».
وعرف الأغوات بأعمال الخير، ومنهم من عرف بالعلم والتفقه في الدين، وكان من بين (أغوات) مكة والمدينة من اشتهر بعمل الخيرات، ومساعدة المحتاجين من الناس، فمنهم من بنى المساجد ، والأربطة ، والمدارس.
ويعرف الاغوات بغناهم المادي لكنهم لا يورثون ولا يحق لهم هبة أموالهم أو التصرف بها، وبموتهم تنتقل ممتلكاتهم الى الأوقاف، ولا نسل لهم ، ولا أولاد ، وتنقطع سلالتهم بموتهم ورحيلهم عن الدنيا، والسبب أن أهاليهم قدموهم هدية للحرمين بعد خصيهم، ويحق للآغا الزواج، ولكن زواجه ليس للمتعة وإنما من أجل أن يجد امرأة ترعاه إذا مرض أو كبر في السن وترعى شؤون حياته، وغالبيتهم يتزوجون من الخارج. وفي وقتنا الحاضر اقتصرت أعمالهم على تبخير الروضة ، ومرافقة كبار الزوار.
المصدر / جريدة المدينة 11/9/1430هـ - عبدالله العبدلي