هناك نصيحة مشهورة فى دواوين الحكومة المصرية بأنك إذا أردت دفن أزمة أو موضوع فقم بإحالته إلى لجنة، ولأن أنس الفقى، وزير الإعلام، لم يولد فى حضن البيروقراطية المصرية، فيبدو أن أحداً من القدامى وجه له النصيحة، فأصبح يحل كل مشاكله بتشكيل اللجان بداية من الأزمة الشهيرة التى شهدت مظاهرات من الإعلاميين أمام مبنى التليفزيون لأول مرة، وبعدها قرر الوزير - بعد أن عقد اجتماعاً بـ«القميص المشمر» لأول مرة حرص على توزيع صوره على القنوات الفضائية - تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون نقابة للإعلاميين.. ومنذ عامين لم نسمع أى صوت عن هذه اللجنة، ولم نر مشروع قانون النقابة دخل إلى مجلس الشعب.
يبدو أن الوزير اكتشف «السر»، ولكن هذه المرة فى لجنة أخرى يرأسها العالم د. فاروق أبوزيد، فعندما أشعل الإعلام الأزمة بين مصر والجزائر قرر الوزير إحالة الملف إلى اللجنة.. وعندما استضاف المذيع محمود سعد المتنازعين مرتضى منصور وأحمد شوبير، فى حلقة برنامج «مصر النهاردة» الشهيرة، وتبادل الجميع الاتهامات، قرر الوزير تهدئة الرأى العام بإحالة الأمر إلى لجنة د. أبوزيد التى تسمى «لجنة تقييم الأداء الإعلامى».. وفى الأزمتين «مصر والجزائر - شوبير ومرتضى» لم تظهر أى نتائج للجنة حتى الآن.. وكأنها لجنة لدفن الممارسات الخاطئة وليس لتقييمها وتصحيحها.
الوزير الفقى استحسن الطريقة، وعندما خرج الكابتن أحمد رفعت، عضو مجلس إدارة نادى الزمالك السابق، عن القيم المتعارف عليها فى حواره مع الكابتن مصطفى عبده فى برنامج «الكرة مع دريم» أحال الوزير الواقعة إلى لجنة د. أبوزيد، وبسرعة فائقة حققت اللجنة فى الواقعة وقررت مخاطبة المنطقة الحرة لتوجيه «اللوم» لقناة «دريم» لسماحها بإذاعة مثل هذه التجاوزات، وعدم اعتذارها لجمهور المشاهدين بعد هذا الخطأ المهنى الجسيم..
ولا أعرف هل كل ذلك يتم وفقاً لسند قانونى أم لا.. ولا أعرف أيضاً هل قرار اللجنة هذه المرة وسرعته يأتى بسبب اختلاف الوسيلة أم بتغير الزمن، بمعنى أن عدم إصدار اللجنة أى قرار حول واقعة محمود سعد فى برنامج «مصر النهاردة» أو واقعة هجوم المحامى فريد الديب على المستشار المحمدى قنصوة فى البرنامج نفسه لأن البرنامج يتبع التليفزيون الحكومى الذى يلقى حماية من الوزير، بينما يتبع برنامج «الكرة مع دريم» قناة خاصة، أم أن «الزمن تغير» وكل شىء أصبح تحت السيطرة؟!
■ لا أحد يختلف حول ضرورة منع التجاوزات فى الإعلام، خاصة فى ظل تراجع دور المجتمع المدنى عن الرقابة.. لكن أن تتجاهل اللجنة إعلان تقرير حول أهم أزمة إعلامية «مصر والجزائر»، وأشهر معركة إعلامية «مرتضى منصور وشوبير»، ثم تمسك فى كلمة قالها الكابتن أحمد رفعت على الهواء مباشرة، فهذا يفقد اللجنة حيادها وموضوعيتها، مع كامل احترامى للدكتور فاروق أبوزيد، صاحب مدرسة الخط الأخلاقى فى الممارسة المهنية، لكنى أرفض أن تستخدم لجنته «كثلاجة» لتجميد تجاوزات التليفزيون المصرى، و«سخان» لتسوية أزمات القنوات الفضائية الخاصة.