الصحة من النعم العظيمة التي منَّ الله عز وجل بها على خلقه، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)) رواه البخاري برقم (6049).
ومعلوم من الشرع الحنيف أن الصحة البدنية والعقلية شرط لكمال أهلية الإنسان، وأدائه التكاليف الشرعية، لذا يعدُّ المرض من عوارض الأهلية التي تُسقط عن المريض بعض التكاليف.
وقد اشترط الفقهاء الصحة في عدة أحوال منها: الإمامة الكبرى، والجهاد، والحج الذي هو موضوعنا هنا، والحدود، والقصاص، والرخص.
والمتفحص لمنهج الإسلام في التعامل مع الإنسان عندما يقارنه بغيره من مناهج الأديان السماوية المحرفة، أو الملل الوثنية الباطلة، أو الأنظمة الأرضية الملحدة؛ يجد الفرق كبيرٌ، والبون شاسعٌ، فالإسلام يتعامل مع الإنسان تعاملاً شاملاً يلبي جميع متطلباته الجسدية والعقلية والروحية دون أن تطغى إحداها على الأخرى، مما يجعل الإنسان في حالة استقرار دائم، ورضى كامل، وتقبل تام.
ومن جملة تلك المتطلبات التي عهد الشرع الحنيف إلى الاعتناء بها، والوصاية عليها؛ صحة الإنسان، فقد عدَّها واحدة من المطالب المهمة التي يجب المحافظة عليها. يقول تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} (سورة الأعراف:31)؛
لذا كانت المحافظة على الصحة في الحج مطلب شرعي؛ ذلك لكي يتمكن الحاج من تأدية الشعائر، والانتقال بين المشاعر وهو في كامل قواه، ومنتهى عافيته، فالإنسان بصحته يؤدي ما لا يؤديه بدونها.
وفي واقع الأمر فإن الحج كما يقول أرباب الاختصاص يعتبر أحد الفرائض التي تسهم في بناء الكيان الصحي للإنسان على أساس سليم؛ وذلك لأنه ضمن منظومة من العبادات المتنوعة التي اشتمل عليها الدين الإسلامي، وتحقق بمجموعها استقرارا نفسياً يعود أثره على الإنسان جسدياً وعقلياً وروحياً.
وتجدر الإشارة إلى أن زحام الحج يعتبر محلاً لانتشار بعض الأمراض الوبائية، وهي بفضل الله أمراض يمكن الوقاية منها، أو التحكم فيها، وتفادي خطرها وضررها.
ولعل من المناسب أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أسباب انتشار تلك الأمراض بين الحجاج؛ ليتخذ الحاج الوقاية الكافية منها، وهي كالأتي:
1- ازدحام الحجاج في المشاعر وفي أماكن أداء العبادة مثل: الطواف، والسعي، ورمي الجمرات وغيرها.
2- عدم المحافظة على النظافة الشخصية، أو النظافة العامة، أو نظافة المأكل والمشرب.
3- الإجهاد بسبب المشي الكثير، أو السهر، أو التعرض لضربات الشمس.
4- وجود أمراض مسبقة لدى الحاج، وأدى الحج إلى تفاقمها، وزيادة مضاعفاتها.
5- عدم الأخذ بالأسباب الوقائية من الحصول على التطعيمات الموصى بها، أو عدم الأخذ بالتعليمات الصحية المناسبة لكل حاج.
6- قلة الوعي الصحي لدى كثير من الحجاج القادمين من مناطق مختلفة.
7- التعرض لإصابات بسبب الازدحام، أو الذهاب إلى الأماكن الخطرة في الجبال، والتعرض لحوادث السير.
8- قدوم كثير من كبار السن والطاعنين في العمر إلى الحج؛ مما يعرضهم للأمراض والإصابات.
9- الأنانية لدى كثير من الحجاج، وعدم احترام حقوق غيرهم، مما يجعلهم يتصرفون بتصرفات تعرض غيرهم للخطر، أو الإصابة بالأمراض المختلفة.
ولذلك يفضل أن تكون هناك جهود صحية مشتركة في توعية حجاج بيت الله الحرام تبدأ بأشهر قبل الحج، وتتبناها الجهات الصحية في كل بلد بالتعاون مع السفارة السعودية فيه، وتتولى الجهات الصحية في أرض الحرمين - نتيجة للخبرة الصحية لديها بأحوال الحج - تزويدهم بالمعلومات الصحية الكافية، وتكون هناك جهود توعوية مكثفة من خلال وسائل الأعلام المختلفة، ولو سخرت الفضائيات العربية في مثل هذه الأوقات جزءاً من بثها لتوعية الحجاج بالجوانب الصحية في الحج؛ لكان خيراًً لها وأنفع من برامج تهدم الأخلاق والعقائد.
طاب مقامك، ودامت عافيتك.