أيها المسلم الحبيب:
ثبتت فرضية الحج في الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة:
أما الكتاب ففي قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (سورة آل عمران:97).
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) رواه البخاري (8)، ومسلم (122) واللفظ له.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (( يا أيها الناس ان الله كتب عليكم الحج فحجوا )) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره.
وأما الإجماع: فلأن الأمة أجمعت على فرضية الحج.
لذا كان واجباً على كل مسلم ومسلمة توفرت فيه الشروط الشرعية المعروفة أن يتعجل لأداء هذه الفريضة العظيمة لأنه لا يدري ما قد يعرض له من أمور تعيقه عن أدائه، فقد جاء عن سعيد بن جبير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعجلوا إلى الحج (يعنى الفريضة) فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)).
من أجل هذا كان الكلام عن مسألة وجوب الحج: هل هو على الفور أم على التراخي؟
و"للعلماء في ذلك اتجاهان:
فقال أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما: هو على الفور.
وقال الشافعي: هو على التراخي.
وعن أحمد روايتان أظهرهما: أنه على الفور"[3]، ورجح ابن تيمية رحمه الله فوريته فقال: "والحج واجب على الفور عند أكثر العلماء"[4]، ولما وجِّه للعلامة محمد بن عثيمين رحمه الله سؤال يقول: "من المعلوم أن اختبارات بعض الجامعات بعد الحج مباشرة، فهل يجوز تأجيل الحج إلى العام القادم من أجل الاختبارات؟" كان جوابه: "الحمد لله، القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الحج واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخره إلا لعذر شرعي، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر الصحابة عن التحلل في غزوة الحديبية غضب، ودليل آخر: أن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يؤخر الحج هذه السنة ثم يموت، ويبقى معلقاً، ولكن إذا كان حجه يؤثر عليه في الامتحان فله أن يؤخره إلى السنة القادمة، ولكني أشير عليه أن يأخذ دروسه معه ويحج، هذا إن كان يسافر إلى الحج مبكراً، أما إذا كان يتأخر في الحج فإني لا أظنه يضره، ومعلوم أن بإمكان الإنسان أن تكون أيام الحج التي يستغرقها أربعة أيام فقط، يذهب يوم عرفة فيمكث التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر، ويكون متعجلاً، يجوز إذا رمى في اليوم الثاني عشر بعد الزوال أن يخرج، ويطوف الوداع، ويمشي إلى أهله، فلا أظن أنها تضرُّ شيئاً، فالإنسان الحريص يمكنه أن يحج ولا يؤثر ذلك عليه شيئاً، كما أن الإنسان إذا اعتمد على الله، وتوكل عليه، وأتى بالحج واثقاً بالله عز وجل؛ فإن الله سييسر له الأمر"[5]
.
وبعد هذا أيها المسلم الحبيب يتبين لنا أن القول الراجح - والله أعلم - هو: أن من توفرت فيه شروط الحج، وكان مستطيعاً، ولم يكن قد حج حجة الإسلام؛ فإنه يجب عليه المبادرة إلى حج بيت الله تعالى؛ لأداء هذا الركن العظيم ليستكمل أركان دينه.
وليُعلم أن التفريط في ذلك ليس بالأمر الهين خاصة إذا علمنا ما كتبه الإمام ابن حجر الهيثمي رحمه الله في كتابه العظيم "الزواجر عن اقتراف الكبائر" إذ يقول: "الكبيرة الثامنة والأربعون بعد المائة: ترك الحج مع القدرة عليه إلى الموت:...
عن عمر رضي الله عنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جِدة ولم يحج فليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين.
وجاء عن سعيد بن جبير - رحمه الله - قال: "مات لي جار موسر لم يحج فلم أصل عليه"
.
فاتق الله أيها المسلم يا من فتح الله عليك، ويسر لك من خزائنه ما لا يجد بعضه كثير من الناس؛ وبادر قبل أن تقول:
{رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (سورة المؤمنون:99-100).
والحمد لله رب العالمين.
موقع مناسك
[1]
أنظر المغني لابن قدامة (3/164)، وفتح الباري لابن حجر (5/149).
[2]
رواه أحمد برقم (2869)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط بنفس المرجع والرقم، ط/مؤسسة قرطبة المذيلة بتعليقات الأرناؤوط.
[3]
اختلاف الأئمة العلماء للوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني (1/276).
[4]
الفتاوى الكبرى (5/381).
[5]
اللقاء الشهري. ابن عثيمين رحمه الله (2/3).
[6]
الزواجر (1/389-390) بتصرف يسير.